طغى حراك السفيرتَيْن الفرنسية آن غريو، والأميركية دوروثي شيا نحو السعودية على المشهد اللبناني يوم الخميس، في ظلّ سيناريوهات كثيرة رُبِطت بالزيارة، أبرزها استنباط الموقف السعودي من الملف الحكومي وحيال رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بشكلٍ خاص، وسيناريوهات أخرى مرتبطة بمداولات للبحث عن البديل الذي يحظى بتأييد المملكة والخارج عامةً ويتناغم مع سياستهم.
وأجرت السفيرتان آن غريو وشيا اليوم الخميس، مشاورات ثلاثية مهمة مع المملكة العربية السعودية لمناقشة الوضع في لبنان والسبل التي من خلالها يمكنهم معاً دعم الشعب اللبناني والمساعدة في استقرار الاقتصاد، وفق ما ذكر بيان السفارة الأميركية في بيروت.
وأكد مصدرٌ دبلوماسي أميركي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهدف من الزيارة ليس البحث في موضوع الحريري بشكل خاص وتأمين الدعم الخارجي والسعودي له كما يتردّد، فالمسألة شأن داخلي (..) الأسماء لا تعنينا (..) ما يهمنا تشكيل حكومة جديدة تعمل وفق برنامج إصلاحي مشترط لتلقي الدعم القادر على النهوض بالبلاد اقتصادياً".
وشدد المصدر على أنّ دول الخارج المعنية بالملف اللبناني تبحث جميع الأطر لمساعدة الشعب اللبناني في أزمته الخانقة والوقوف إلى جانبه، وفي الوقت نفسه تسعى "لعدم تمرير أي دعم للطبقة السياسية لانعدام الثقة بها"، كما أكد المصدر أن البحث سيتطرق إلى تداعيات اعتذار الحريري".
وكانت السفارة الفرنسية في لبنان أشارت إلى أن هذه الزيارة "تأتي امتداداً للقاء المشترك الذي جمع وزير أوروبا والشؤون الخارجية ونظيره الأميركي مع وزير الخارجية السعودي في إيطاليا في 29 يونيو/حزيران الفائت على هامش قمة مجموعة العشرين، وكذلك في إطار الاتفاق الفرنسي الأميركي على العمل معاً لإخراج لبنان من الأزمة".
وبالتزامن مع اجتماعات السفيرتَيْن في المملكة، حملت كلمة السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري يوم الخميس، خلال الاحتفال بمئوية العلاقة بين البطريركية والسعودية في بكركي مقرّ البطريركية المارونية، رسائل حادّة تجاه من اعتبر أنهم "يحاولون العبث بالعلاقة بين لبنان وعمقه العربي بمحاور تمسّ بهوية لبنان العربية".
وقال السفير: "لا شرعية لمفهوم الأقليات أمام شرعية مسلمة ومسيحية، ولا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة، ولا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي"، معربًا عن أمله من القوى السياسية اللبنانية تغليب المصلحة اللبنانية على تلك الخاصة.
من جهته، يقول مصدرٌ مطلع على الملف الحكومي لـ"العربي الجديد"، إنّ الحريري اتخذ قراره بالاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة ولكنه لم يحسم الأمر بعد، وذلك في انتظار تبلور بعض الأمور على خطّ رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وتبعاً لنتائج زيارة السفيرتين، إضافة إلى ما سيصدر عن لقائه برئيس البرلمان نبيه بري الذي لا يزال يتمسك بالحريري أو أقله يصرّ على أن يختار الحريري البديل قبل الاعتذار باعتبار أن أي شخصية سيتم تكليفها يجب أن تحظى برضى الحريري ودار الفتوى والشارع السني الذي يرى نفسه مغبوناً"، بيد أن الحريري يرفض حتى الساعة اختيار خلف له ويعتبر أنه فعل ذلك مع "الرئيس المكلف السابق مصطفى أديب" وعند مبادرته إلى ترشيح نفسه، إذ يريد أن يسحب يده نهائياً من الملف.
ويؤكد النائب قاسم هاشم عضو كتلة "التنمية والتحرير"(بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري) في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاتصالات الحكومية مستمرّة وعبر أكثر من قناة، مشيرًا إلى أن الاعتذار أحد الاحتمالات والخيارات المطروحة التي ما تزال في ذهن الحريري، موضحًا أن الاعتذار ليس نهائياً حتى اللحظة.
ويلفت هاشم بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى إنّ الرئيس بري يفتش على مصلحة البلد والاستقرار في ظلّ الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد، مشيرًا إلى أن المسألة ليست فقط في البديل أو ما إذا كان الحريري هو من سيسمّيه، موضحًا أن "هناك قاعدة أو عرفاً مكرساً بأن الأقوى في طائفته أو مكوّنه يتبوأ موقعاً في المراكز القيادية الأساسية (..) هذا ليس من اختراع التنمية والتحرير أو غيرها، بل بات نهجاً معتمداً (..) الحريري يمثل الأكثرية ويملك أكبر كتلة نيابية تمثل الطائفة السنية، من هذا المنطلق كان التمسّك به وفي اختياره ليكون شريكًا باختيار خلفه".
من جانبها، تقول ميرنا زخريّا عضو لجنة الشؤون السياسية في "تيار المردة" (يترأسه سليمان فرنجية) لـ"العربي الجديد"، إن تيار المستقبل سيكون أول من يصيبه الضرر على المدى القصير لما يجلبه الاعتذار من تداعيات على شعبيته إذا لم يحدث بالتوقيت والإخراج المناسبين، إلا أن الضرر على التيار الوطني الحر (يرأسه النائب جبران باسيل) سيكون أبعد أثراً للمدى الطويل، على اعتبار أن الحريري قد يعود يوماً أما رئيس الجمهورية ميشال عون فلن يعود.
وتشير زخريّا إلى إنه "بعد سلسلة التراشقات الناريّة بين التيارين الوطني الحر والمستقبل، لم يعد وضع رئاسة الحكومة كما عهدناه، إذ لم يعد التكليف مُقيَّداً بمن تسمّيه الكتل النيابية خلال الاستشارات، بل أصبح مُكبَّلاً بمن يقبل بأن يتكلَّف المهمّة ويؤلف مع عون، وبالتالي أصبح السؤال الأدقّ هو من يرضى بحمل كتلة النار بيده في ظل التجاذبات الشخصانية والانحلالات المؤسساتية والتجاوزات الدستورية؟".
على صعيد آخر، أبلغ الرئيس اللبناني ميشال عون يوم الخميس، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا رونيكا خلال استقباله لها في قصر بعبدا، أن لبنان يرغب في التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) من دون تعديل في المهمة والعديد.
وأعرب الرئيس عون عن أمله في استئناف المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية من دون شروط مسبقة، لما فيه مصلحة الأطراف المعنيين.
وأعلمت رونيكا الرئيس عون خلال الاجتماع بأن مجلس الأمن سوف يلتئم في 22 يوليو/تموز الجاري لعرض التقرير الدوري حول القرار 1701، حيث سيتناول الوضع في لبنان عموما وفي الجنوب خصوصاً، إضافة إلى التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.