حراك أميركي مكثف في الجزائر: حسابات استراتيجية يتصدّرها ملفا الإرهاب والطاقة

23 نوفمبر 2022
السفيرة الأميركية في الجزائر إليزابيث مور أوبين (تويتر)
+ الخط -

يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تبحث عن نقاط ارتكاز في العلاقة مع الجزائر، بعيداً عن التأثيرات المحتملة لتطور العلاقات الجزائرية الروسية، حيث تجري السفيرة الأميركية في الجزائر إليزابيث مور أوبين، في الفترة الأخيرة، سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين هناك.

والتقت مور أوبين، أمس الثلاثاء، رئيس حكومة الجزائر أيمن بن عبد الرحمان، وبحثت معه العلاقات الثنائية التي تربط البلدين وسبل تعزيز التعاون الثنائي، وتبادل الرؤى حول المسائل المدرجة على جدول أعمال القمة الأميركية-الأفريقية التي ستنعقد بواشنطن في ديسمبر/كانون الأول المقبل، والتي ستشارك فيها الجزائر.

وقالت السفيرة الأميركية، خلال ندوة صحافية عقب اللقاء، إن "واشنطن مهتمة بمجال التعاون الأمني والجهود المشتركة ضد الإرهاب مع الجزائر، كواحد من أهم محاور العلاقات الثنائية والحوار الاستراتيجي الذي يجمع بين البلدين".

وأشارت إلى أن هناك "حواراً استراتيجياً ومحادثات مباشرة بين الجزائر والولايات المتحدة، فيما يخص أفريقيا ومنطقة الساحل".

وفي الجانب الاقتصادي، أبرزت أوبين أهمية مواصلة تنمية "الشراكة القوية" بين البلدين، مشيرة إلى وجود "نحو 100 شركة أميركية تنشط في الجزائر" واستثمارات مهمة في عدة قطاعات. 

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، رأت أن الولايات المتحدة "تقاسم الجزائر الرؤية ذاتها، بدعمها للحل السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي لأمينها العام ستيفن دي ميستورا"، مع الإشارة إلى أن "47 سنة من الوضع الحالي هي مدة طويلة".

وقبل ذلك، التقت السفيرة الأميركية قائد الجيش الفريق السعيد شنقريحة، وهو لقاء عُد الأول من نوعه بين سفيرة واشنطن وقائد الجيش الجزائري.

واللافت أن التحركات الأخيرة للسفيرة الأميركية في الجزائر، ولقاءها بكبار المسؤولين هناك، يأتي في أعقاب سلسلة تقارير عن قلق أميركي من تنامي العلاقات الجزائرية الروسية، وتزايد صفقات السلاح الروسي لصالح الجزائر.

كانت صفقات السلاح محل مساءلة من أعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركي لوزير الخارجية أنتوني بلينكن.
 
وطالبت رسالة وقّعها 27 عضواً في الكونغرس الأميركي، تتزعمهم النائبة الجمهورية ليزا ماكلين، بفرض عقوبات على الجزائر، على خلفية صفقات الأسلحة التي وقّعتها مع روسيا، باعتبار أنها توفر موارد إضافية لموسكو لخوض الحرب على أوكرانيا.
 
كذلك كان نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، ماركو روبيو، قد وجّه رسالة مماثلة وبنفس المبررات إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن في 14 أغسطس/آب الماضي، اعتبر فيها أن "المشتريات الدفاعية الجارية بين الجزائر وروسيا"، تصب في صالح "تدفق الأموال إلى روسيا، ما يؤدي إلى زيادة تمكين آلة الحرب الروسية في أوكرانيا".

لكن المؤسسة الرسمية في واشنطن تتفادى ممارسة أية ضغوط على الجزائر، وظهر ذلك بوضوح حتى خلال الاستعراض الدوري لملف الجزائر في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، حيث كان تدخل المندوبة الأميركية داعماً للإصلاحات التي تقوم بها الجزائر في مجال حقوق الإنسان.

ولم تبد واشنطن تحفظات كثيرة على ممارسات السلطات الجزائرية إزاء حقوق الإنسان، بخلاف السنوات السابقة التي كانت فيها تمارس ضغوطاً حادة على الجزائر.

وفي الصدد، قال المختص في الشؤون الدبلوماسية علي بن حديد، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حدث في جنيف إضافة إلى مؤشرات كثيرة، تفسر عدم وجود اندفاع من الإدارة الأميركية لمجارات رغبة المشرعين في الضغط على الجزائر".

ورأى أن "الولايات المتحدة ترغب في أن تحافظ على نسق جيد للعلاقات مع الجزائر، التي باتت تتمتع بحلفاء مهمين على غرار الصين وروسيا وتركيا، إذ رفض البيت الأبيض توجيه ملاحظات للجزائر في ملف حقوق الانسان".

وأشار إلى أن "الحسابات الأميركية في العلاقة مع الجزائر من حيث مجالات التنسيق الأمني والتعاون في قضايا مكافحة الإرهاب في الساحل، وملف الطاقة في العالم، يبدو أكثر استراتيجية بالنسبة لواشنطن من ملفات حقوق الإنسان".

ويفسر مراقبون لتطورات الموقف الأميركي من الجزائر، أن اللقاءات الأخيرة بين الطرفين تؤكد أن واشنطن ما زالت ترغب في الحفاظ على مستوى جيد في علاقاتها مع الجزائر، بصفتها أبرز دول منطقة الساحل وشمال أفريقيا وأكثرها استقراراً سياسياً واقتصادياً، إذ لا تبدي قلقاً من العلاقات الجزائرية الروسية، فهي تتفهم الطابع التاريخي للعلاقة الاستراتيجية بين الجزائر وموسكو.

وقال المحلل السياسي حسام آغ عيسى، لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر قدمت تجربة مهمة في مكافحة الإرهاب، في وقت مبكر لم يكن فيه العالم قد انتبه إلى الظاهرة الإرهابية، كما أنها تقوم بجهود مهمة ومشهود لها في تأمين منطقة الساحل، وهذا يعزز لدى واشنطن عامل الثقة في الجزائر كشريك موثوق في مجال مكافحة الإرهاب".

وأكد أن "هذا العامل المهم، إضافة إلى الدور الحيوي للجزائر في تأمين حاجيات أوروبا من الغاز والطاقة في عز الأزمة الراهنة، يدفع واشنطن إلى البحث عن نقاط ارتكاز لعلاقات جيدة مع الجزائر، تتجاوز المواقف التي يعبر عنها بعض المشرعين الأميركيين".