تتكثف بشكل لافت تصريحات المسؤولين الحكوميين في الجزائر، بشأن وجود استهداف خارجي للبلاد ومؤامرة تحيط بها، إذ يكاد لا يخلو تصريح لكبار المسؤولين في الجزائر، في الحكومة والجيش، وسياسيين وقادة أحزاب وتنظيمات مدنية، من مفردات سياسية تتحدث عن سياق إقليمي متوتر، ووجود استهداف لافت للجزائر.
أحدث التصريحات التي تصب في هذا السياق أدلى بها اليوم رئيس البرلمان سليمان شنين، الذي ذكر أن "الخصوم التقليديين للجزائر أصبحوا يمارسون التحريض لاستنساخ تجارب حدثت في دول أخرى". وقال شنين، خلال افتتاح جلسة نيابية لمساءلة وزراء في الحكومة، إن "هناك أمواجا عاتية تحيط بنا من كل جهة تحتاج منا رص الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية، والمخاطر تفرض علينا أن نتصف بالتنازل لبعضنا البعض"، مضيفا أن "المرحلة لا تحتاج مقايضة أو شروطا"، داعيا إلى "اغتنام الفرص المتاحة لممارسة الديمقراطية، وتوسيع قاعدة الحكم في البلد".
وقبل شنين، أطلق عدد كبير من المسؤولين تصريحات مماثلة، يتقدمهم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي قال في أول ظهور له بعد شهرين من الغياب، إن "الجزائر قوية وأقوى من كل ما يظنه البعض، ولن تتزعزع، والأوضاع السياسية التي تجري في المنطقة كنا ننتظرها".
كما أكد رئيس الحكومة، عبد العزيز جراد، قبل أيام، أنه "لا يجب إغفال ما يشهده المحيط الجهوي من مخاطر ناجمة عن عدم استقرار المنطقة. الجزائر مستهدفة بالذات، وهناك عمليات أجنبية تريد ضرب استقرار البلاد، وها هي الدلائل اليوم، عندما نرى ما يحدث على كل حدودنا".
ودعا قائد الجيش، الفريق سعيد شنقريحة، في خطابه الأخير، إلى "ترسيخ دعائم الوحدة ورص الصف الداخلي، لا سيما وأن هذه الأيام تشهد حملات مسعورة من قبل دوائر معادية معروفة، لم يعجبها الخط الوطني الصادق والشجاع، الذي تم تبنيه من قبل السلطات العليا للبلاد". ومثله تحدث رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، وقادة أحزاب عديدة لا تخلو بياناتهم أيضا من المضمون ذاته.
بعض التفسيرات تضع تلك التصريحات ضمن محاولات السلطة السياسية في الجزائر لاستخدام بعض المتغيرات الإقليمية، بهدف كسر كل مقاومة سياسية من الجزائريين لخارطة الطريق التي تنتهجها السلطة
إزاء ذلك، تتباين المواقف والقراءات في كثافة هذا الخطاب والتحذيرات المستمرة من وجود استهداف للبلاد. بعض التفسيرات تضع ذلك ضمن محاولات السلطة السياسية في الجزائر لاستخدام بعض المتغيرات الإقليمية بهدف كسر كل مقاومة سياسية من الجزائريين لخارطة الطريق التي تنتهجها السلطة للإبقاء على محددات الحكم والنظام الحالي، وإنجاز التغيير بالطريقة والقدر اللذين تريدهما.
ويقول الباحث المتخصص في الإعلام والشؤون السياسية، لحسن حرمة، لـ"العربي الجديد"، إن تكرار خطابات قديمة حول وجود تهديدات وأيادٍ خارجية أمر غير مجدٍ في الوقت الراهن، لأن الدول صارت تسير بمراكز الخبرة والتفكير، موضحا أنه "من خصائص الأنظمة الشمولية انغلاقها على ذاتها، وتقديم تفسيرات غير واقعية، تجابه بها وعودها غير الحقيقية والتزاماتها الأساسية أمام مواطنيها وتزايد حاجاتهم؛ هذا نوع من هروب نحو تفسيرات تعد تعبيرا عن الإفلاس السياسي"، مضيفا أن تكثيف الخطاب عن التهديدات الخارجية "يقدم وصفة جاهزة من الوسواس السياسي في سياق شعبوي". إلا أنه يرى أن "فضاءات التواصل الاجتماعي فضحت هذه التناقضات، وبإمكان المواطن إجراء مقارنة في أي مجالات متعددة بالدول الأخرى فيصاب بالإحباط من ضعف المنجز، فيما يلجأ المسؤولون، بدلا من الشفافية لتفسير الارتباك في تقديم الحلول، إلى تفسيرات خارج السياق، إذ لا علاقة بين تردي وضعية الطريق في بلدة نائية وغياب النقل المدرسي بالأيادى الخارجية والمؤامرة، هو ليس إلا ضعف الرقابة والتسيير والمحاسبة... المؤامرة تكون حقيقة في السيطرة على الأسواق الدولية والتموقع الاستراتيجي، وليس حيال قضايا محلية غارقة في البيروقراطية".
لكن مواقف أخرى تقر فعليا بوجود استهداف حقيقي للجزائر، وتعتبر أن تصريحات المسؤولين في الحكومة والجيش تنطلق من حقائق ووقائع ومعلومات تفسرها بعض التطورات الميدانية من جهة، وكذا معطيات استشرافية تخص المنطقة وطبيعة التحالفات الجديدة فيها. ويعتقد المحلل السياسي إدريس ربوح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تلك المخاطر "تزداد وضوحًا مع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، إذ أصبحت الحدود الأمنية مهددة ونخشى وصولها إلى الحدود الجغرافية"، ويضاف إلى ذلك الوضع في ليبيا وتونس، مضيفا: "من هنا يأتي وجه القلق. التهديدات والمخاطر والمؤامرات موجودة، لكن الأيادي الحكومية المرتعشة موجودة هي الأخرى، ولهذا لا يثق الجزائري في الخطاب الرسمي ويعتبره تبريريا لأنه لا يفهم ولا يستوعب قصور وغياب الدبلوماسية الجزائرية عن التفاعل اللازم لمواجهة هذه التحديات، كما أن ضعف الأداء الحكومي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال بالظروف الخارجية، خاصة وأن الجزائر في وضع مالي جيد، على ديمومة الموارد البترولية وتراجع الاستيراد في عدد من القطاعات، مما ساهم في الحفاظ على مستوى مقبول لاحتياطي الصرف وغياب المديونية وانتعاش للقطاع الفلاحي".