حاجة تونس للحوار المشترك

06 سبتمبر 2021
كثير من التونسيين رفضوا لقاء الوفد الأميركي (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

هل أصبح التونسيون فاشلين إلى هذا الحد في الالتقاء والحديث عن مصيرهم المشترك؟ هل عجزوا عن إجراء حوار، وهم الذين توّجهم العالم تكريماً لسلميتهم في إدارة الخلافات وإنهاء النزاعات؟ وهل عجزوا عن الاتفاق على أن كل أزمة يمكن أن تجد حلاً في الحوار الهادئ والتنازلات المشتركة، بديلاً عن لغة القوة والسلاح التي لا تنفع إلا في إبادة كل الأطراف، ويعود بعدها الجميع على الرغم من كل ذلك إلى الحوار؟
الوفد الأميركي الذي زار تونس، أول من أمس السبت، بقيادة السيناتور كريس مورفي، والتقى الرئيس قيس سعيّد، ومجموعة من ممثلي الأحزاب والمجتمع المدني، حث على "العودة إلى المسار الديمقراطي، واعتماد أي إصلاحات من خلال عملية شاملة، بمشاركة ممثلي الطيف السياسي التونسي وأعضاء المجتمع المدني". كما أكد الوفد أن "الولايات المتحدة ستواصل دعم الديمقراطية التونسية التي تستجيب لاحتياجات الشعب التونسي، وتحمي الحريات المدنية وحقوق الإنسان". فهل أصبح التونسيون ينتظرون من ينصحهم بالحوار ويدفعهم إلى ذلك؟ كثير من التونسيين رفضوا لقاء الوفد الأميركي وزيارته، وهذا حقهم، ولكن رفع شعار رفض التدخل الأجنبي هو مجرد كلام للاستهلاك العام لم يعد ينطلي على أحد، لأن من يرفض هذا الأمر يثبت ذلك منذ البداية، ومع كل تدخل، وليس مع الأميركيين فقط.

ثمّ هل التقى التونسيون حول معالجة الهم الكبير والملفات الحارقة المتواصلة منذ أكثر من أربعين يوماً، حتى لا يُنصحون بالحوار من أجنبي؟ الأوْلى أن يقتنع الجميع بأن لا مناص من ضرورة وجود الرغبة المشتركة لإنقاذ البلاد، والجلوس إلى طاولة حوار تُكشف فيها كل الأوراق وتتم المحاسبة الكبرى التي يمكن أن تقود إلى بداية حلّ.

ويجري الحديث الآن عن نظام سياسي جديد وقانون انتخابي بغاية إجراء انتخابات مبكرة. فهل ستكون هذه الانتخابات تشريعية فقط أم رئاسية أيضاً؟ ومن سيُعدّ هذا النظام السياسي الجديد الذي قد يعرض على الاستفتاء؟ هل ستكون مجرد لجنة يختارها الرئيس، أم ستكون لجنة تشاركية واسعة مثلما حصل مع دستور 2014؟ ومن سيقبل بأن تكون اللجنة مُسقطة؟ وما هي شرعيتها الحقيقية التي ستعرض بموجبها على التونسيين إذا أُعدت في غرفة مغلقة بين أعضاء مدرسة دستورية وقانونية واحدة؟ فعدم توفّر الشرعية اليوم، يعني أن كل رئيس في المستقبل سيتولى تنقيح الدستور على هواه وعلى حسب فهمه للحالة السياسية الوطنية لحظة انتخابه، وستتحول البلاد إلى لعبة دستورية وسيتقاذفها غياب الاستقرار، وهذا أخطر ما يهدد الشعوب والدول.

ينتظر التونسيون أن تستفيق نخبهم من غفوتها الطويلة، وأن تستعيد زمام المبادرة وتنقذ الجميع من وضع الغموض القاتل، وتكون كما كانت دائماً، قوة اقتراح يُسمع إلى صوتها وتفرض رأيها وتكون شريكاً في صنع مستقبل جديد، مستقبل لا يصنع بالقوة، وإنما بالتشارك والوحدة، بدلاً من الرأي الواحد والفُرقة.