جواز سفر فانواتو: طريق للهروب وشخصيات عربية بارزة استعانت به

15 يوليو 2021
السراج من بين الذين حصلوا على جنسية فانواتو (فرانس برس)
+ الخط -

ما الذي يربط رئيس حكومة الوفاق الليبية السابقة فائز السراج، ومحافظ ريف دمشق السابق علاء إبراهيم الذي أقاله النظام من منصبه وفرض حظراً على أمواله، وعبد الله خيتي رجل الأعمال السوري المشمولة شركاته بعقوبات أميركية، ووسيطاً إيطالياً متهماً بابتزاز الفاتيكان، وشقيقين جنوب أفريقيين متهمين بالفرار بعملة بيتكوين تزيد قيمتها عن 3 مليارات دولار، وقطب مصرفي تركي قضى وقتاً في السجن لإيواء ابن أخيه بعد جريمة قتل، وغيرهم؟ لقد أصبحوا جميعاً في الأشهر الماضية مواطنين في فانواتو، وهي دولة عبارة عن جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ. فمنذ أن اعتمدت هذه الدولة برنامج منح الجنسية قبل ست سنوات في إطار خطة دعم التنمية في البلاد، أصبحت محط اهتمام واسع، بينما تشكل جوازات السفر الممنوحة للأجانب أكبر مصدر لإيرادات الحكومة. وبالنسبة للعديد من حاملي جوازات سفر فانواتو، فإن الميزة الكبرى هي السفر بدون تأشيرة إلى جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة.

بالنسبة للعديد من حاملي جوازات سفر فانواتو، فإن الميزة الكبرى هي السفر بدون تأشيرة إلى جميع أنحاء أوروبا

ومنذ يناير/كانون الثاني 2020، اشترى كل من هؤلاء المذكورين أعلاه، إلى جانب أكثر من 2000 شخص آخر، جنسية دولة فانواتو، التي يقطنها 300 ألف شخص فقط، بحسب ما يكشفه تحقيق لصحيفة "ذا غارديان". ويوضح التحقيق كيف باعت فانواتو جوازات سفر مقابل 130 ألف دولار لآلاف الأفراد، ومعها وصول بدون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بما في ذلك لسياسيين سابقين بارزين وأشخاص مرتبطين بعقوبات أو يواجهون اتهامات خطيرة، أو هناك أوامر اعتقال صادرة بحقهم. وجلب بيع جوازات السفر أكثر من 100 مليون دولار أميركي إلى حكومة فانواتو العام الماضي، بحسب تحليل أجرته شركة "Investment Migration Insider"، التي قالت إن هذه الإيرادات تمثل 42 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية في عام 2020. وقد مكنت عائدات برنامج منح الجنسية فانواتو، إحدى أفقر البلدان في العالم، من تخفيض رصيد ديونها. لكن خبراء الأمن يثيرون أيضاً مخاوف بشأن البرنامج وتداعياته.
وبفضل قوانين حرية الوصول إلى المعلومات في فانواتو، اطلعت "ذا غارديان" على مستندات حكومية داخلية، كشفت عن حصول عدد من الشخصيات البارزة على جوازات سفر فانواتو، ومن بينها شخصيات سياسية عربية، فضلاً عن آخرين، لديهم سجلات غير نظيفة في بلادهم. وفي رد على استفسارات "ذا غارديان" بشأن هؤلاء، قال فلويد ميرا، مدير وحدة الاستخبارات المالية في فانواتو: "معظم هؤلاء هناك مزاعم بشأنهم وإجراءات المحاكمة جارية في بلدانهم. قلة فقط أثيرت قضايا ضدهم بعد الحصول على جنسية فانواتو، وإذا كانت هناك إدانات جوهرية ضد أي من هذه الأسماء، فقد يتم سحب جنسيتهم". وأضاف: "من الآن فصاعداً، ستجري وحدة الاستخبارات المالية عمليات تدقيق محسّنة بشأن الأسماء الواردة للتقدم للجنسية. إذا كانت صادرة بشأن أي من هؤلاء الأشخاص إدانات جنائية، فستقوم وحدة الاستخبارات المالية على الفور بإبلاغ مكتب المواطنة بالمعلومات المحدثة".
ويبرز عربياً من بين من حصلوا على جنسية فانواتو رئيس حكومة الوفاق الليبية السابقة، فائز السراج. وتكشف "ذا غارديان" أن السراج اشترى جنسية فانواتو لنفسه ولعائلته في يناير/كانون الثاني عام 2020، بينما كان لا يزال في منصبه، وقد تم تقديم الطلب باسم زوجته.

السراج اشترى جنسية فانواتو لنفسه ولعائلته في يناير/كانون الثاني عام 2020

ولا يوجد ما يشير إلى أن السراج أو زوجته قد تورطوا في أي مخالفة أو نشاط إجرامي، أو فعلوا أي شيء غير قانوني في شراء جواز سفر فانواتو. ومع ذلك، بحسب "ذا غارديان"، فإن الوضع المحتمل للسراج كشخص مكشوف سياسياً (مصطلح يطلق على الأشخاص البارزين سياسياً والذين يعتبرون بحكم مناصبهم وتأثيرهم، أكثر عرضة للتورط في الرشوة والفساد) يعني أنه كان من المحتمل أن يواجه عقبات أو يمنع من التقدم للحصول على جنسية العديد من البلدان التي تقدم برامج منح الجنسية عن طريق الاستثمار، ولا سيما في منطقة البحر الكاريبي أو الاتحاد الأوروبي.
ويقول ميرا من وحدة الاستخبارات المالية بفانواتو، في هذا السياق: "نقوم بتضمين معلومات عن المتقدمين الذين هم أشخاص سياسيون، إلى لجنة الفرز في لجنة المواطنة. لكن لوائح فانواتو تحظر فقط على الأشخاص الذين لديهم سجلات جنائية / إدانة من الحصول على جنسية بلدنا".

ويرد في قائمة البيانات في فانواتو اسم علاء إبراهيم، المحافظ السابق لريف دمشق، بعد أن حصل على جنسية فانواتو في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بينما كان لا يزال شخصية بارزة ضمن النظام السوري، قبل أن تتم إقالته، ما يؤشر إلى أنه كان على علم على ما يبدو بما يحضر له في إطار الصراع داخل النظام نفسه. وتقول "ذا غارديان" إنّ إبراهيم، الذي شغل منصب المحافظ لأكثر من أربع سنوات، تقدم للحصول على الجنسية هو وزوجته ريم نجيب وأطفالهما الثلاثة. مع العلم أن الأسرة مرتبطة بعائلة الأسد الحاكمة، فريم نجيب هي ابنة خالة رئيس النظام بشار الأسد نفسه (ابنة فاطمة مخلوف، الأخت الصغرى لأنيسة مخلوف أم بشار الأسد).
وكان الأسد أقال في ديسمبر/كانون الأول 2020 علاء إبراهيم من منصبه، قبل أن تصدر وزارة مالية النظام بعد أقل من 24 ساعة، قراراً بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة له ولزوجته وأولاده.

حصل محافظ ريف دمشق السابق علاء إبراهيم على جنسية فانواتو في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قبل أن تتم إقالته

وعلى الورق، تمنع فانواتو مواطني سورية والعراق وإيران واليمن وكوريا الشمالية من الحصول على الجنسية ما لم يتمكنوا من إثبات إقامتهم خارج هذه البلدان لأكثر من خمس سنوات. وفي توضيح بشأن حالة إبراهيم، قال ميرا إنّ محافظ ريف دمشق السابق "قدم إفادة خطية عندما تقدم بطلبه، تثبت أنه غادر سورية منذ أكثر من 6 سنوات، وقدم تصريح الإقامة في لبنان، وبأنه حصل على أمواله بشكل شرعي من خلال عمله في لبنان". وأضاف أن وحدة الاستخبارات المالية بفانواتو ستواصل التحقيق بشأنه.
وكان إبراهيم يقيم في سورية في الأسابيع والأشهر التي سبقت حصوله على الجنسية، بحسب وسائل إعلام النظام نفسها، التي واكبت قيامه بجولة على مخيمات للنازحين خلال تلك الفترة.
وإضافة إلى علاء إبراهيم، حصل كذلك عبد الرحمن خيتي، وهو رجل أعمال سوري، وزوجته، على جنسية فانواتو في يناير/كانون الثاني من هذا العام. وقبل أسابيع قليلة فقط من حصوله على الجنسية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من الشركات التابعة لخيتي، وهي مملوكة له ولشقيقه النائب السوري الخاضع للعقوبات عامر خيتي.
وفي هذا الإطار، يوضح رونالد وارسال، رئيس مكتب ومفوضية فانواتو للمواطنة: "تم تقديم طلب عبد الرحمن خيتي قبل فرض عقوبات على عدد من أعماله، وفي الوقت الذي وصل فيه طلبه إلى لجنة الفرز ووحدة الاستخبارات المالية، لم تكن هناك نتائج سلبية ضده، ووافقت الهيئة على طلبه". وقال ورسال إن خيتي قدم أيضاً دليلاً على إقامته خارج سورية لمدة 5 سنوات قبل التقديم. وأضاف أن لجنة الجنسية ستجري مزيداً من التحقيقات بشأن جنسية خيتي.

وفضلاً عن هؤلاء، هناك شخصيات أخرى حول العالم حصلت على جنسية فانواتو على الرغم من أنها ملاحقة بقضايا مختلفة. ومن هؤلاء الأخوان كاجي من جنوب أفريقيا. فقد حصل رئيس كاجي (21 عاماً)، وشقيقه أمير (18 عاماً)، من مؤسسي منصة أفريكربت (Africrypt)، وهي منصة استثمار للعملات المشفرة، على جنسية فانواتو في أكتوبر/تشرين الأول 2020 ويناير 2021 على التوالي، وفق "ذا غارديان". وبعد ذلك اختفى الشقيقان في إبريل/نيسان الماضي مع عملات بيتكوين تقدر قيمتها بنحو 3.6 مليار دولار، بعد أن أخبرا المستثمرين بأنه تم اختراق المنصة وسرقة العملات المشفرة. وفي مايو/أيار الماضي، أسس رئيس كاجي شركة في المملكة المتحدة، وأدرج جنسيته على أنه "مواطن من فانواتو".
وفي مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" من مكان مجهول في وقت سابق، نفى رئيس كاجي بشكل قاطع أن يكون وشقيقه هربا بالأموال أو بأي مخالفات أخرى، مدعياً أنهما أجبرا على الفرار بسبب "تهديدات بالقتل"، بما في ذلك من قبل "عصابات الجريمة المنظمة".

حصل رجل أعمال تركي على الجنسية على الرغم من أنه كان قد حكم عليه بالسجن في قضيتي اختلاس وإيواء ابن أخيه القاتل

كذلك، حصل قطب الخدمات المصرفية التركي السابق، هيام غريب أوغلو على جنسية فانواتو في يناير 2020. وكان حُكم على غريب أوغلو، رجل الأعمال والمالك السابق لسومر بنك التركي، في فضيحة اختلاس بملايين الدولارات في عام 2013. وحُكم عليه في البداية بالسجن لأكثر من 27 عاماً بتهمة الاختلاس والاحتيال. ألغيت هذه العقوبة وخُففت في النهاية إلى ما يزيد قليلاً عن عامين في السجن. كما حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات في عام 2011 لإيوائه ابن أخيه، بعد أن قتل شاباً يبلغ 17 عاماً في عام 2009. وعندما سئل مدير وحدة الاستخبارات المالية في فانواتو عن كيفية تمكن غريب أوغلو، من اجتياز الشروط القانونية والجنائية، قال إنها ستواصل التحقيق في طلبه، مضيفاً أنه "لا يوجد شيء في قواعد بياناتنا، لا توجد إشعارات من الإنتربول ضده".
جانلويجي تورزي، رجل الأعمال الإيطالي، حصل كذلك على جواز سفر فانواتو، قبل أن يضطر إلى تسليمه للشرطة في المملكة المتحدة في وقت لاحق. وتورزي، متهم بابتزاز الفاتيكان بمبلغ 15 مليون يورو (17.75 مليون دولار) فيما يتعلق بشراء عقار فاخر في لندن، لصالح الفاتيكان.
وهناك أيضاً فيناي ميشرا، وهو سياسي هندي سابق بارز متهم بالفرار من العدالة وسط قضية فساد كبيرة، وهو يعيش حالياً في فانواتو بعد أن حصل على جنسيتها في سبتمبر/أيلول 2020، وتخلى عن جنسيته الهندية. وميشرا متورط في قضية فساد بملايين الدولارات تتعلق بتهريب الماشية. وزعم أنه غادر الهند في سبتمبر 2020 بعد تهديدات لحياته.

المساهمون