تسعى باكستان للخروج من القائمة الرمادية للدول الخاضعة لعملية الرصد والمتابعة من قبل "مجموعة العمل المالي الدولية" (فاتف) المعنية بمراقبة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي تضم في عضويتها 36 دولة. وقد اتخذت إسلام أباد في هذا الصدد إجراءات عديدة على الصعيد القانوني والدبلوماسي، منها تجميد أموال جماعات متهمة بالإرهاب، وتمديد الحظر على حركة "طالبان" وتشجيعها على الحوار مع الحكومة الأفغانية وقبلها مع واشنطن. لذا تتوقّع باكستان أن تخرج من القائمة الرمادية، على الرغم من عدم انتفاء المخاوف، ولو بنسبة ضعيفة، من دخولها في القائمة السوداء، على غرار كوريا الشمالية وإيران، ما سيضعف الدولة، لا سيما في ظلّ الحالة الاقتصادية المتردية والوضع المعيشي الصعب. وسيتقرر ذلك في جلسة افتراضية لـ"فاتف" ستعقد في الفترة من 21 إلى 23 أكتوبر /تشرين الأول الحالي.
في السياق، قال مستشار رئيس الوزراء الباكستاني، شبلي فراز، في تغريدة له على حسابه بموقع "تويتر" في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، إنّ بلاده "لا محالة ستخرج من القائمة الرمادية لهيئة الرقابة الدولية، وهي لن تدخل في القائمة السوداء"، مؤكداً أنّ "سياسات حكومة عمران خان في مواجهة التنظيمات المسلحة وتجميد أموالها مثالية". ووجّه فراز انتقادات لاذعة إلى المعارضة الباكستانية التي رفعت صوتها أخيراً ضدّ إجراءات الحكومة في ما يتعلّق بسنّ قوانين جديدة تتعلق بتبيض الأموال.
خروج باكستان من القائمة الرمادية وعدم دخولها في القائمة السوداء سيكونان نجاحاً كبيراً للحكومة الحالية
ليس فراز وحده، بل معظم المسؤولين في الحكومة الباكستانية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء عمران خان، يعتبرون أنّ مساعي الحكومة خلال الأشهر الماضية في مواجهة التنظيمات المسلحة وتبيض الأموال، وما حصل من تقدّم على الصعيد الدبلوماسي، ستكون كفيلة برفع اسم باكستان من القائمة الرمادية، وتجنّب دخولها في القائمة السوداء. غير أنّ بعض المراقبين، مع ترحيبهم بما قامت به الحكومة الباكستانية، يخشون بالفعل من دخول البلاد في القائمة السوداء في هذه الفترة العصيبة اقتصادياً ومعيشياً.
وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي، واجد علي خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ الحكومة "اتخذت بعض الإجراءات في السابق وحالياً أيضاً، وهو ما اعترفت به الهيئة الدولية، ولكن لا شكّ في أنّ الأخيرة تنظر في القضية بدقة، فتوقُّع خروج باكستان من القائمة الرمادية في الوقت الحالي سابق لأوانه، والهيئة بحثت مع إسلام أباد القضية من 14 سبتمبر الماضي حتى 21 منه، وربما المشاركون في هذه المباحثات يدركون الأجواء التي سادت بشكل أفضل، وهؤلاء قد يتوقعون شيئاً أقرب إلى ما سيكون، لكن يبقى القرار للهيئة وهي ستتخذه في أكتوبر/ تشرين الأول الحالي".
وأكد علي خان في الوقت نفسه أنّ "خروج باكستان من القائمة الرمادية وعدم دخولها في القائمة السوداء سيكونان نجاحاً كبيراً للحكومة الحالية، وهو ما سيشير أيضاً إلى مدى نجاعة الدبلوماسية الباكستانية وسياستها الخارجية"، لافتاً إلى أنّ "الأجواء السائدة في المنطقة، والتحسّن في العلاقات الباكستانية الأميركية، وكذلك دعم بعض دول المنطقة، الإسلامية منها وغير الإسلامية، لإسلام أباد، كل ذلك يشي بأنّ باكستان قد تخرج من القائمة الرمادية، أو أنها لن تدخل في القائمة السوداء".
وبالعودة إلى جذور القضية، فقد أدرجت "مجموعة العمل المالي الدولية" باكستان في القائمة الرمادية في يونيو/ حزيران من عام 2018، بحجة أنها "لا تبذل ما يكفي من جهد لمحاربة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال". والإدراج في القائمة الرمادية يعني أنّ الهيئة ستراقب إجراءات باكستان في ما يخصّ تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، كما أنه يصعب على الدولة المستهدفة في ظلّ وضع كهذا الوصول إلى أسواق عالمية. وأعطت الهيئة لإسلام أباد مهلة حتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2019، تم تمديدها لاحقاً لأربعة أشهر، من أجل العمل على خريطة طريق وضعتها الهيئة وتضمّ 27 بنداً. وطلبت الهيئة من باكستان أن تقوم في هذه الفترة بسنّ قوانين جديدة واتخاذ الإجراءات اللازمة في ما يتعلّق بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
بدورها، قامت باكستان باتخاذ بعض الإجراءات في إطار ما طلبته منها الهيئة الدولية. وفي فبراير/ شباط من العام الحالي، نظرت الهيئة في هذه الإجراءات وأعلنت أنّ إسلام أباد استطاعت أن تعمل على 14 بنداً من أصل 27، مطالبةً إياها بتطبيق ما تبقى من بنود الخريطة الشاملة، التي تمكنها من الخروج من القائمة الرمادية. وأعلنت الهيئة أنها ستنظر في ما اتخذته باكستان من خطوات بهذا الصدد في الفترة بين 14 و21 سبتمبر الماضي، وقد ناقش مندوبون باكستانيون القضية مع مسؤولين في الهيئة. وفي أكتوبر الحالي، تُقرّر الأخيرة في مسألة خروج باكستان من القائمة الرمادية أو دخولها في القائمة السوداء.
سنّت الحكومة الباكستانية ثمانية قوانين جديدة تتعلّق بتهريب الأموال وغسيلها وتبيضها
إجراءات على أصعدة مختلفة
في الأسابيع الماضية، سنّت الحكومة الباكستانية ثمانية قوانين جديدة تتعلق بتهريب الأموال وغسيلها وتبيضها، وقد واجهت على إثر ذلك مشاكل كثيرة مع أحزاب سياسية ظنّ بعضها أنّ تلك القوانين تطاول قياداتها المتهمة أيضاً بتهريب الأموال والفساد والاختلاس. ولكن الحكومة استطاعت أن تضمن إقرار البرلمان لتلك القوانين بعد أن شكلت لجنة من 24 نائباً من مختلف الأحزاب. وبعد نظر اللجنة في تلك القوانين، صادق البرلمان عليها، في خطوة تعتبر مهمة في إطار منع تهريب الأموال وتبييضها، وهي أحد مطالب الهيئة الدولية.
كذلك، قامت الحكومة بتجميد أموال بعض الجماعات المسلحة، منها جماعة "الدعوة" و"جيش محمد"، التنظيمان الباكستانيان المتهمان من قبل الهند بالقيام بأعمال إرهابية في الداخل الهندي وفي إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين. وقدمت الداخلية الباكستانية إيجازاً في هذا الخصوص للبرلمان ومجلس الشيوخ في الـ15 من الشهر الماضي، وذكرت تفاصيل كاملة لهذا الإجراء. كذلك أعلنت الحكومة الباكستانية في أغسطس/ آب الماضي الحظر أو تمديد الحظر على 88 قيادياً في جماعات مسلحة، منها تنظيما "القاعدة" و"داعش" وحركة "طالبان". وسبق أن قضت المحاكم الباكستانية بالسجن على عدد من القياديين في جماعة "الدعوة"، ومنهم زعيمها حافظ سعيد.
ولم تكتفِ الحكومة الباكستانية بالعمل على تطبيق خريطة الهيئة الدولية، بل عمدت أيضاً إلى حشد الدعم الدبلوماسي من دول عديدة من أجل الخروج من القائمة الرمادية وتجنّب الدخول في القائمة السوداء. وقد كانت زيارة وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي، الأخيرة إلى بكين من أجل ذلك، إذ إنّ الصين وتركيا وإندونيسيا لعبت في السابق دوراً كبيراً في مساعدة باكستان في هذا الشأن، ويتوقع أن تلعب تلك الدول مرة أخرى دوراً في إخراج إسلام أباد من القائمة الرمادية.
يذكر أنّ السعودية كانت قد خيّبت آمال باكستان على هذا الصعيد، في الفترة السابقة، إذ إنها وقفت ضدّ خروجها من القائمة الرمادية بضغط من الولايات المتحدة الأميركية، وبرغبة هندية أيضاً، ما أثر سلباً على العلاقات بين الرياض وإسلام أباد. هذا فضلاً عن الدور السعودي المحبط بالنسبة لباكستان، في ما يتعلّق بقضية كشمير مع الهند.
ولكن يبدو أنّ الولايات المتحدة قد غيّرت رأيها إزاء باكستان هذه المرة، لا سيما أنّ الأخيرة كان لها دور مهم في اتفاق السلام الذي وقّع في العاصمة القطرية الدوحة بين "طالبان" وواشنطن في 29 فبراير/ شباط الماضي، فضلاً عن دورها في انطلاق عملية المفاوضات بين الفرقاء الأفغان أخيراً. من هنا، يتوقّع ألا تقف واشنطن هذه المرة ضدّ باكستان، ما سيغيّر رأي الرياض أيضاً، وبالتالي قد تخرج باكستان من القائمة الرمادية، وتتجنّب الدخول في القائمة السوداء، وهذا ما يتوقعه صناع القرار في باكستان.