بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب بين الحكومة الإثيوبية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لا يبدو أن هناك أفقاً لوقف القتال، في ظلّ مساعي "الجبهة" بالتحالف مع "جبهة تحرير أورومو"، وعدد من الحركات المسلّحة، لإسقاط رئيس الحكومة أبي أحمد.
ومع تشدّد الأخير، وإعلانه حال الطوارئ في البلاد، فضلاً عن دعوته الإثيوبيين لحمل السلاح، ثم التحصّن بالعاصمة أديس أبابا، يظهر أن لا أحد من الطرفين ينوي التنازل أو التفاوض، في ظلّ أزمة إنسانية واسعة النطاق، في إقليم تيغراي خصوصاً، ونقص الغذاء، مع العلم أن لإثيوبيا تاريخاً مظلماً مع المجاعة، خصوصاً بعد النصف الثاني من القرن العشرين، تحديداً في سنوات 1958 و1966 و1973 وعامي 1984 ـ 1985 و2003، ثم حالياً بسبب الحرب الأخيرة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. وأدت كل تلك المجاعات إلى مقتل ما لا يقلّ عن مليوني شخص.
تحركات أفريقية ودولية
ووسط تمسّك الطرفين الداخليين بشروطهما، وإزاء استمرار زحف المسلّحين باتجاه العاصمة، تواصل الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي وساطتهما.
ورمى الأفارقة بثقلهم من أجل وقف إطلاق النار، عبر مبعوث الاتحاد الأفريقي للقرن الأفريقي أولوسيغون أوباسانجو، الذي عقد اجتماعات مع أبي أحمد وقادة "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، مبدياً تفاؤله "بإمكان تأمين أرضية مشتركة نحو حل سلمي للصراع"، لكنه لم يوضح الأسباب التي دفعته لذلك.
وفي موازاة التحرّك القاريّ، تحركت دول جوار إثيوبيا بشكل منفرد، فدعت أوغندا دول القرن الأفريقي (إثيوبيا، الصومال، جيبوتي، إريتريا) إلى عقد اجتماع لحل الأزمة في إثيوبيا، من دون الإدلاء بتفاصيل عنه وعن مكان انعقاده.
في المقابل، زار الرئيس الكيني أوهورو كينياتا أديس أبابا، أمس الأحد، للقاء أبي، في زيارة غير معلنة. ورحّب به رئيس الحكومة الإثيوبية بتغريدة على "تويتر" جاء فيها: "أرحب بأخي العزيز الرئيس أوهورو كينياتا في وطنه الثاني".
زار الرئيس الكيني أديس أبابا قبل أن يلتقي وزير الخارجية الأميركي
وكان واضحاً أن كينياتا التقى أبي قبل لقائه، اليوم الإثنين، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي باشر جولة أفريقية، تشمل كينيا ونيجيريا والسنغال، وتستمرّ لستة أيام.
وعلى الرغم من إعلان وزارة الخارجية الأميركية أن هدف الزيارة هو "تنشيط الديمقراطيات وتعزيز السلام والأمن والسعي إلى اقتصاد عالمي أكثر شمولاً، ومكافحة كورونا والتغير المناخي"، إلا أن زيارة كينياتا توحي ببحث ملف إثيوبيا مع الأميركيين في نيروبي، خصوصاً أن كينيا أبرز حلفاء الولايات المتحدة في أفريقيا.
وبما يُشكّل موقفاً إثيوبياً يسبق الجولة الأميركية، اعتبرت وزارة الدفاع الإثيوبية أن جهات داخلية وخارجية، لم تسمّها، تسعى للإطاحة بالحكومة من خلال خلق الفوضى وعدم الاستقرار.
وأوضح وزير الدفاع أبراهام أبيلاي، في بيان نُشر في صفحته على "فيسبوك"، أن إثيوبيا تواجه حالياً تحديات أمنية كبيرة داخلية وخارجية على حد سواء، من قبل جهات مختلفة تهدف إلى زعزعة الاستقرار وإضعاف دولة تضم أكثر من 100 مليون نسمة.
وناشد الشركاء الدوليين والمجتمع الدولي بضرورة تفهّم جهود الحكومة الإثيوبية ودعمها في الدفاع ضد أجندة "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" المصنّفة "إرهابية" من قبل البرلمان الإثيوبي.
وكانت الحكومتان الإثيوبية والإريترية قد دانتا العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كيانات وأفراد في البلدين، على خلفية مشاركتهما في الحرب ضد "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".
اشتباكات وضحايا
ميدانياً، وفي ظلّ المعلومات الشحيحة عن سير المعارك، باستثناء تلك التي تنشرها السلطات أو المسلّحين، تدور أشدّ الاشتباكات في أقاليم تيغراي وعفر وأمهرا.
وذكرت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، في بيان أصدرته أمس الأحد، أن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" قتلت نحو 184 شخصاً في مناطق متفرقة في إقليم أمهرا. وأضافت اللجنة، في بيانها، أن مقاتلي تيغراي انتشروا في عدد من القرى والبلدات بالإقليم، واستهدفوا مدنيين بشكل مباشر.
محاولات لكشف فظائع الحرب والإبادات المستمرّة
وحول الفظائع المرتكبة في المعارك، أوردت وكالة "أسوشييتد برس" تقريراً عن تعرّض العديد من الضحايا للتعذيب قبل قتلهم.
وذكرت الوكالة أن أسماء هؤلاء مسجّلة على قوائم مكتوبة باليد، وتُهرّب من ساحات المعارك إلى مناطق أكثر آمناً. حينها فقط تعلم عائلاتهم، تحديداً المغتربين منهم الذين انتظروا أشهراً طويلة لمعرفة مصيرهم، بمقتلهم.
ويعود الفضل للكشف عما يجري خلف ستارٍ حديدي معزول عن العالم إلى ديستا هايليسيلاسي، الذي يقطن في العاصمة السويدية استوكهولم، وباشر من شقته الواقعة بالقرب من خط مترو العمل بتسجيل أسماء ضحايا الحرب.
وبلغ العدد، وفقاً لتوثيقه، 3080 قتيلاً، من بينهم 102 طفل، وهو ما دفع "أسوشييتد برس" لاختيار عيّنة عشوائية من الأسماء والتواصل مع ذويها. ومن هذه الحالات، حالة جيبريتسادكان تيكلو جيبرييسوس، الذي قُتل برصاص جنود أمام ناظري ولديه الصغيرين.
أما الضحية زيراي أسفاو، فُسحب من حفل زفافه وقُتل هو وإشبينه وأصدقاؤه ووالد زوجته.
ضحية أخرى سقط بنار "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، يدعى أمديكيروس أريغاوي جيبرو، وهو سائق إسعاف، قتله المسلّحون أثناء نقله امرأة إلى إحدى العيادات. وبالنسبة إلى الطفل هابين ساهلي، فإن مصيره ظلّ معلّقاً لأكثر من ستة أشهر، قبل معرفة مقتله على يد عناصر "الجبهة".
وعدا هايليسيلاسي، فإن "الجمعية الأمهرية في الولايات المتحدة" وضعت قائمة أخرى، عليها أسماء 1994 قتيلاً أمهرياً على يد "الجبهة".
ولا يعني هذا الأمر أن "الجبهة" وحدها ترتكب "جرائم حرب"، بل إن القوات الإثيوبية والقوات الإريترية، اللتين تواجهان "الجبهة"، أقدمتا على ارتكاب فظائع بحقّ سكان تيغراي.
وجاء في تقرير "أسوشييتد برس" أن سيبهات بيرهي ديستا قُتل على يد القوات الإريترية، كما قتلت الطفلة مارياماويت أليمايو (6 سنوات)، بقصف القوات الإريترية.
وحول توثيق أعداد الضحايا، اعتبر الباحث البلجيكي تيم بمبت، المتزوج من سيدة من إثنية تيغراي، أن "الكشف عن سقوط 10 ضحايا في قرية يعني حكماً وجود عشرات آلاف الضحايا".
ولا يقتصر الأمر على المجازر المرتكبة فحسب، بل إن طريقة الدفن السريّة والسريعة تُطيح بـ3 آلاف عام من التقليد الإثيوبي، الذي يمنع دفن الميّت سريعاً، بل يقتضي إقامة شعائر تكريمية له قبل دفنه بشكل لائق.
احتدام المعارك بين إقليمي عفرا وأمهرا
كشف مصدر مطلع في إقليم عفر (شمال شرقي إثيوبيا)، عن احتدام المعارك بين الجيش الإثيوبي ومقاتلي "جبهة تيغراي" في منطقة بأتي على الشريط الفاصل بين إقليمي عفر وأمهرا.
وأشار المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن حكومة الإقليم حشدت القوات من جميع مديريات الإقليم تحسبا لأي هجوم من قبل مقاتلي "جبهة تحرير تيغراي"، وذلك لمنعها من التوغل إلى وسط الإقليم.
وأضاف المصدر أن القوات المحلية تم استنفارها في مديريات سفرا، ودرسا قتا، والدعر في إقليم عفر على طول الحدود مع إقليم أمهرا.
من جهة أخرى، كشف المصدر نفسه عن انقطاع خدمات شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وانستغرام وواتساب) في الإقليم.