عاد الجدل، من جديد، في تونس بين حركة "النهضة" و"الجبهة الشعبية" اليسارية، خلال جلسة الحوار مع وزيري الداخلية والعدل، اليوم الثلاثاء، على خلفية قضية اغتيال السياسيين محمد البراهمي وشكري بلعيد، حيث وجدت كتلة الحركة نفسها، برفقة الوزيرين، في موضع اتهامات، إذ التقت كتل "نداء تونس" و"الحرة" و"الجبهة" وغير المنتمين و"آفاق" في التأكيد على وجود اختلالات في الملف.
وقالت النائبة عن حركة "النهضة"، فريدة العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الجلسة العامة يمكن تكييفها كخرق واضح للدستور التونسي، إذ تحاول الجبهة الشعبية، التي دعت إليها، الضغط على القضاء وتوجيهه، ونصبت محاكمة لملفات معروضة على المحاكم لا يجوز، رغم أهميتها، مناقشتها في مجلس نواب الشعب، لأن ذلك يعتبر ضغطا على القضاء، وتأثيرا على سير ملف من المفترض أن يبقى بعيدا عن المزايدات".
وعلقت العبيدي على ما يتداوله نواب "الجبهة" حول إخفاء قاضي التحقيق لأدلة في قضية اغتيال بلعيد، وامتناعه عن القيام بإجراءات إثر ورود معلومات هامة في الملف، قائلة إنها "محض افتراءات وتغيير للحقيقة، وخاصة أن التفقدية العامة لوزارة العدل أكدت، في تقريرها، أن قاضي التحقيق في مكتب الاتهام عدد 13 لم يتخاذل في الملف".
واعتبرت النائب عن الحركة أن المراد من الجلسة هو تشويه "النهضة" رغم أنها تعد الضحية الثالثة للاغتيالات السياسية، حيث سقطت إثر اغتيال بلعيد والبراهمي حكومتان من الحركة، وانتهت بخروجها من الحكم.
وتعد مداخلة أمين عام حركة "النهضة" والنائب عنها، علي العريض، الأكثر حدة، وخاصة أن "العائلة السياسية" لبلعيد والبراهمي تعتبره المتهم الأول في القضية، حيث لم يتوان نواب "الجبهة" عن توجيه أسئلة لوزير العدل حول عدم توجيه الاتهام لعلي العريض في قضية اغتيال بلعيد، خاصة بعد أن تم تداول وثيقة تتضمن تحذيرا من وكالة الاستخبارات الأميركية للحكومة التونسية بإمكانية حدوث اغتيال سياسي.
ورد العريض على هذه الاتهامات قائلا إن "الجبهة" قدمت حزمة من المغالطات، من بينها الحديث عن حل إدارة أمن الدولة في عهد "الترويكا"، وعند توليه وزارة الداخلية، موضحا أن هذه الإدارة كانت خارجة عن القانون ومرتبطة بالقصر الرئاسي، ووقع حلها في مارس/ آذار 2011 في عهد فرحات الراجحي، كما نفى حل جهاز الاستعلامات في وزارة الداخلية في عهده، مؤكدا أنه لم يقع حل أي مؤسسة لا مركزيا ولا جهويا.
واستنكر العريض اتهامه بانتداب أمنيين ليسوا مدربين أو وقع تدريبهم لأشهر قليلة في إطار تكوين ما يعرف بـ"الأمن الموازي"، موضحا أن هذا الأمر تم سنة 2011، "عندما كانت الدولة في حاجة ماسة لقوات إضافية، وتم تدريبهم لمدة 3 أشهر، وتم تكوينهم التكميلي لاحقا".
وأرجع المتحدث ذاته تعطل قضية بلعيد والبراهمي إلى الضغط الميداني والسياسي الذي تقوم به "الجبهة الشعبية"، وشدد على أن ""أنصار الشريعة" (جماعة متشددة) حكموا على قيادات "النهضة" بالإعدام، فيما حكمت عليها "الجبهة الشعبية" بـ"الإعدام السياسي".
في المقابل، ذكّرت "الجبهة الشعبية"، في مداخلات نوابها، بأن كتلة "النهضة" سعت، في أكثر من مناسبة، للحيلولة دون عقد الجلسة، وضغطت على رئاسة البرلمان من أجل تأجيلها، وهو ما فسرته بـ"خوفها من عرض الحقائق أمام الرأي العام التونسي".
وقال النائب عن "الجبهة"، عمار عمروسية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "لو كان القضاء التونسي متطورا وتولى النظر في القضية باعتبارها جريمة دولة وقضية رأي عام، امتزج فيها السياسي بالإرهابي، لما كان النواب في حاجة لجلسة عامة من أجل الحوار مع الوزيرين المعنيين".
وبيّن عمروسية أن جميع الإجراءات والوثائق تبيّن تخاذل قاضي التحقيق، إضافة إلى تضارب المعطيات لدى وزارة الداخلية حول الأدلة والأسلحة المستعملة في الاغتيالات، و"كلها تحيل إلى وجود يد خفية سعت إلى طمس الحقائق، علاوة على تفكيك القضية إلى جزئين وإطالة الإجراءات وإفراغ الملفات، وتصب جميعها نحو ختم الأبحاث وإغلاق الملف، وهو ما لن ترضاه لا الجبهة الشعبية ولا الرأي العام التونسي"، حسب قوله.
وفي حين فضّل عدد من نواب حزب "نداء تونس" تحاشي التدخل في الخلاف بين الحركة و"الجبهة"، فإن ذلك لم يمنع النائبة هالة عمران من التدخل للتعبير عن استهجانها من عقد جلسة عامة لن تتقدم خطوة واحدة في الكشف عن الحقيقة، وطالبت عمران بـ"الكشف عن الأطراف التي تقف وراء عملية طمس الحقائق في القضية"، مبرزة أن "من سيثبت تورطه في القضية عليه أن يتحمل مسوؤليته لا أن يتنصل منها".
من جانبه، اعتبر النقابي والنائب بالبرلمان، عدنان الحاجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "طالما لم يستقل القضاء، وما دام يرفل في الفساد، فإن الضرورة ملحة لعقد هذه الجلسة من أجل تنشيط ذاكرة التونسيين، وتذكيرهم بحادثة الاغتيال وحيثياتها، وتعطل الملف وحرمانهم من حقهم في معرفة الحقيقة"، وأضاف أنه "من الواجب تنشيط الذاكرة الوطنية، وإعادة طرح الملف كأولوية من أولويات المرحلة".
وإذ تحولت الجلسة إلى سجال بين حركة "النهضة" و"الجبهة الشعبية"، فقد قدم وزيرا العدل والداخلية ردودا مقتضبة، حيث ذكر وزير العدل، عمر منصور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن وزير العدل أو سلطة الإشراف لا سلطة لها على قاضي التحقيق، لأنه مؤسسة مستقلة، ويمكن له ممارسة سلطة في حالة وحيدة، "حين تكون هناك أخطاء مبنية على سوء نية أو سلوك سيئ أو عمل سيئ، وهنا يخضع للبحث والتحري والمساءلة عند الاقتضاء"، موضحا أن تقرير التفقد يفيد بأن القاضي قام بالإجراءات المطلوبة.
من جهته، قال وزير الداخلية، الهادي مجدوب، في رده على ما وصفه نواب "الجبهة" بالتخاذل في التحليل الجنائي لأداة الجريمة، إن الوزارة استعانت بمخبر جنائي هولندي لتحليل السلاح "بيريتا"، ووجهت تقريرها لقاضي الناحية من أجل الاستعانة به، "لكنه لم يدرجه في الملف باعتباره تقريرا أولويا".