جدال المعارضة التونسية

16 سبتمبر 2024
من تظاهرة المعارضة والمجتمع المدني في تونس، 13 سبتمبر 2024 (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- المعارضة التونسية تعاني من خلافات مستمرة حتى في الظروف التي تتطلب التوحد، مما يضعف قدرتها على مواجهة التحديات المشتركة.
- تأسيس الشبكة التونسية للحقوق والحريات أثار جدلاً جديداً، رغم نجاح مسيرتها الشعبية في العاصمة تونس، حيث ترفع نفس شعارات جبهة الخلاص.
- المرشح الرئاسي المعتقل، العياشي زمال، دعا التونسيين للتوحد من أجل التغيير، لكن الخلافات الأيديولوجية العميقة بين مكونات المعارضة تعيق هذا التوحد.

لا ينتهي الجدال أبداً في صفوف المعارضة التونسية في كل المراحل والظروف، حتى التي تُحتّم عليها التنازل والقفز فوق الخلافات، ولو مرحلياً، ومهما بلغت قيمة الخسارات التي تتكبدها، ومهما كان موضوع الخلاف، وحتى لو كانت أحياناً متفقة، بكل مكوناتها، على تشخيص الوضع وأسبابه وكيفية الخروج منه.

وعاد هذا الجدال منذ تأسيس الشبكة التونسية للحقوق والحريات قبل أسبوعين تقريباً، وخروجها يوم الجمعة الماضي في مسيرة شعبية وسط العاصمة تونس تنادي بالحرية والكرامة. كانت مسيرة ناجحة بكل المقاييس، حرّكت المياه الراكدة وأبلغت رسائل واضحة رافضة الأمرَ الواقع الذي تريد هيئة الانتخابات والسلطة فرضه على الجميع، من خلال نسج مسار انتخابي يفتقر إلى أبسط شروط التنافس النزيه وتكافؤ الفرص.

لم تكن المسيرة مختلفة في شيء عن مسيرات جبهة الخلاص. كانت ترفع نفس الشعارات وتنادي بنفس المطالب، ولكن الخلافات بين مكونات الطرفين كانت واضحة في ما جرى تداوله من نقاشات على صفحات "فيسبوك". والحقيقة أن بعض أنصار الشبكة لمّحوا منذ تأسيسها إلى عدم رغبتهم في وجود المكونات الإسلامية بينهم. وردّ عليهم الآخرون بأن هذه الديمقراطية التي تنادي بها الشبكة انتقائية، وأن الشبكة لا تدافع إلا عن شبيهها، وأن استفاقتهم متأخرة جداً، بعد أن هلّل البعض للديكتاتورية عندما كانوا هم في الشارع منذ سنوات يدافعون عن التجربة الموؤودة.

أصوات كثيرة قالت إنه ليس بالضرورة أن تتوحد كل المعارضة، وإن كل رافد بإمكانه أن يناضل في مساره الخاص بقطع النظر عن مسار منافسيه. ولكن ما قد يغفل عنه هؤلاء أن هذه الأصوات المتفرقة تبقى ضعيفة، وأنه يمكن لهذه الأصوات المتنافرة أن تلتقي مرحلياً على قاعدة الأدنى المشترك دون تبادل الورود أو رسائل حب. ولكن هذا لن يكون، لأن ما قتل التجربة التونسية هو بالضبط هذه الخلافات الأيديولوجية بين هؤلاء، من الطرفين. ولمن نسي، فعليه العودة إلى تلك الصور في البرلمان المنحل، عندما كان الجميع يُعمِل خنجره في الآخر، متنافسين على الهدم ونفي الآخر.

من سجنه، وجّه المرشح الرئاسي المعتقل، العياشي زمال، رسالة إلى التونسيين، قال فيها: "ربما استطاعوا أن يمنعوا صوتي أن يصل إليكم. ولكن لن يستطيعوا أبداً أن يمنعوا أصوات إرادة التغيير التي انطلقت ولن تتوقف. حملتي أصبحت حملتكم، حملة شعبية تعتمد على كل أبناء الوطن الذين يقولون بصوت واحد: نقلبوا الصفحة... شاركونا وكونوا جزءاً من التغيير". يتوهّم زمال أن هؤلاء يمكن أن يجتمعوا عليه وحوله، برغم أن أغلبهم يُسرّ أنه الأقرب للمعارضة، ولكن برغم اتفاقهم، فلن يتوافقوا، لأن مرض العمى الأيديولوجي استفحل.