"جبهة النصرة" تُحرج الحكومة اللبنانيّة

03 نوفمبر 2014
تفكيك سيارة مفخخة آتية من القلمون السورية (فرانس برس)
+ الخط -
تخوض جبهة النصرة معركة سياسيّة ــ إعلاميّة مع الحكومة اللبنانيّة، من خلال إدارة ملفّ المفاوضات حول العسكريين المخطوفين، منذ معارك عرسال (شرقي لبنان)، في أغسطس/آب الماضي. وتبدو "الجبهة" المتمركزة في جرود القلمون السوريّة، مرتاحة خلال إدارة هذه العمليّة، وتعمل بالتالي على تحقيق أعلى سقف ممكن من المكتسبات.

آخر "ضربةٍ" وجّهتها "الجبهة" للحكومة اللبنانيّة، كانت يوم السبت عندما أعلنت أن الوسيط القطري نقل لها بعد عودته من لقاء مع ممثلي الدولة اللبنانيّة، "شبه موافقة مبدئيّة على إطلاق سراح أسرى من سجون النظام اللبناني وإطلاق سراح أخوات من سجون النظام السوري، وتمّ تسليمه لائحة بأسماء بعضهم".

وضعت جبهة "النصرة"، من خلال هذا الإعلان، الحكومة اللبنانيّة أمام المزيد من الضغط، الذي يُمكن أن يُمارسه أهالي العسكريين المخطوفين، بعد أن كانت حجّة الحكومة اللبنانيّة أنّ الجهة الخاطفة لم تُعلن مطالبها بشكلٍ واضح بعد.

وتواجه الحكومة اللبنانيّة موقفاً حرجاً مع أهالي العسكريين، الذين يعتصمون بالقرب من مقرّ رئاسة الحكومة، ويقطعون عدداً من الطرقات الرئيسيّة من وقت إلى آخر. وأفاد عدد من أهالي العسكريين، بأنّهم تلقوا في الساعات الأخيرة رسائل تطمين من عدد من الوزراء اللبنانيين، تؤكّد بأنّ "الحكومة تريد إطلاق العسكريين بأيّ طريقة وأي ثمن"، لكنّ هذا الكلام لا يُعد رسمياً.

ومن المقرّر أن يلتقي وفد من الأهالي، اليوم الإثنين، مع خلية الأزمة التي شكّلتها الحكومة للاطلاع على الموقف الرسمي.
واللافت أن هذا الإعلان يأتي قبل أن تبحث خليّة الأزمة ملفّ التبادل، أي قبل أن تبتّه الحكومة، وهو ما يضع الأخيرة، وخصوصاً الأطراف الرافضة لمبدأ التبادل، كالتيار الوطني الحرّ، في موقف حرج جداً.

وتنتظر خليّة الأزمة، بحسب أحد الوزراء، أن يرفع المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، تقريره إلى اللجنة، لترفع بدورها توصيتها إلى الحكومة، كي تتخذ القرار الحاسم. ولا يزال إبراهيم، وفق الوزير، قناة التفاوض الأساسيّة، على الرغم من اتهامه من جانب "النصرة" بأنّه "تابع" لحزب الله.

ويؤكّد المصدر الوزاري ذاته لـ "العربي الجديد"، أنّ "جبهة النصرة" تسعى إلى تفعيل قناة تفاوض أخرى، يقودها وزير الصحة اللبناني وائل أبو فاعور، وهو ممثل الحزب التقدّمي الاشتراكي، الذي يترأسه النائب وليد جنبلاط؛ وقد سبق للأخير أن قال إنّ "جبهة النصرة" أمر واقع وجزء من الشعب السوري، ويجب التعاطي معها على هذا الأساس.

لكن الحكومة، ووفق المصدر ذاته، لا تزال تعتبر أن المدير العام للأمن العام هو قناة التفاوض الرئيسة، ولهذا الأمر أسبابه الداخليّة، وفي مقدّمتها أن اللواء عباس إبراهيم قاد عدداً من جولات التفاوض مع القوى الإسلاميّة السوريّة، وخصوصاً "جبهة النصرة".

ومن هذه الجولات ما هو علني ومنها ما بقي سرياً، خصوصاً عمليات إطلاق سراح بعض الصحافيين. أمّا صفقات التبادل العلنيّة، فأبرزها إطلاق سراح الحجاج اللبنانيين في أكتوبر/تشرين الأول 2013 وراهبات معلولا في مارس/آذار من العام الحالي. كما نجح إبراهيم في إدخال النظام السوري كطرف في عمليات التبادل هذه، بسبب ثقة أبرز مسؤولي النظام السوري فيه. وتبرز أهمية هذه النقطة مع إعلان "جبهة النصرة" قبولها ورغبتها، بأن يكون إطلاق سراح معتقلات سوريات في سجون النظام جزءاً من عملية التبادل.

ومن الأسباب الرئيسة أيضاً لاختيار إبراهيم، الثقة الكبيرة التي ينالها من حزب الله، وهو الأمر الذي يعني معرفة وموافقة الحزب الضمنيّة على مجريات عمليّة التفاوض، ما يمنع حصول أي مفاجآت غير سارة في اللحظات الأخيرة. وتُعدّ موافقة حزب الله على عمليّة التبادل أمرا ضروريا، وعند إعلان هذه الموافقة يُمكن تليين مواقف أي قوى أخرى رافضة.

ولا يقف توريط "النصرة" للحكومة اللبنانية عند هذا الحدّ. ففي بيان سابق، أعلنت "الجبهة"، أنّ الشيخ مصطفى الحجيري تواصل مع قيادتها ويُنسّق مع الوزير أبو فاعور؛ واللافت هنا أنّ قاضي التحقيق العسكري سبق أن أصدر قراراً اتهامياً في حق الحجيري "بجرم الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح (جبهة النصرة)".

من جهته، يُجبر تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش)، وهو شريك في عمليّتي خطف العسكريين والتفاوض، خلية الأزمة الحكوميّة على تمويله. وبحسب المعلومات، فإنّ الجيش اللبناني سبق أن أوقف أحد المواطنين السوريين وبحوزته مبلغ 280 ألف دولار، يعمل على نقلهم إلى "داعش". وعندما علم التنظيم بهذا الأمر، هدّد بقتل العسكريين المخطوفين، فما كان من خليّة الأزمة الوزاريّة إلا أن تواصلت مع القضاء اللبناني، وسألته عن إمكانيّة إعادة المبلغ. وبحسب مصادر وزاريّة، لاقى هذا الطلب رفض القضاء.

لذلك، سعت خلية الأزمة إلى تأمين المبلغ من سياسيين لبنانيين، وقد دفع أحد المسؤولين الرفيعين مبلغ مائة ألف دولار. وبعد جمع المبلغ، تولّى أحد الوزراء (ليس الوزير أشرف ريفي) عمليّة إيصال هذا المبلغ إلى عرسال، ونُقل من هناك بمعرفة استخبارات الجيش اللبناني إلى "داعش".
ويتمثّل الفخ الأبرز الذي يعمل كل من "النصرة" و"داعش" على إيقاع الحكومة اللبنانية فيه، بأسماء المطلوب الإفراج عنهم. فبعد أن رفضت الحكومة بشكل حاسم الإفراج عن نعيم عباس وعمر الأطرش، المتهمين بالمسؤوليّة عن العمليات الانتحارية التي طالت مناطق لبنانيّة، اقتنع التنظيمان بطرح أسماء أخرى.

وبحسب معلومات غير رسمية، يطالب "داعش" إطلاق سراح الشيخ عمر بكري فستق، الذي سبق وتوسّط له أحد نواب حزب الله. أمّا "النصرة" فتطالب بإطلاق سراح كل من جمانة حميّد (اعتقلت خلال نقل سيارة مفخخة من عرسال إلى بيروت)، وحسام الصبّاغ، وهو يُعتبر من الشخصيات الشعبيّة في الشارع الطرابلسي، والمسؤول الشرعي في كتائب عبد الله عزام (الفرع اللبناني لتنظيم القاعدة) جمال دفتردار. وتسعى "النصرة" إلى إطلاق سراح المتهمين بخطف السياح الأستونيين.

واللافت، أن "النصرة" تسعى إلى أن تقدّم نفسها "منقذة" لسنّة لبنان، كما أنّ الأسماء التي تُطالب بإطلاق سراحها تُفرغ عدداً من الملفات القضائية من المتهمين الأساسيين فيها، ما يجعل متابعة التحقيقات ومحاكمة الموقوفين الآخرين أمراً صعباً ومعقداً. بالتالي، تسعى "النصرة" إلى إيقاع الحكومة في فخّ عرقلة وإبطاء القضاء اللبناني، الذي يُعدّ في الأصل بطيئاً جداً.
المساهمون