استمع إلى الملخص
- يمثل ترشحهن تطوراً في قبول المرأة بمناصب قيادية في الجزائر منذ أول ترشح لامرأة في 2004، رغم التحديات المستمرة في تمثيل المرأة بالأحزاب والبرلمان.
- يعد هذا الترشح بتقديم برامج انتخابية تعطي المرأة مساحة أكبر في المشهد السياسي والاقتصادي، مع تشجيع مشاركتها الأكبر في الاستحقاقات القادمة، ما يعكس وعياً ونضالية سياسية للمرأة في الجزائر.
أضفى وجود ثلاث نساء على لائحة المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقررة في 7 سبتمبر/أيلول المقبل، خصوصية سياسية تضاف إلى هذه الانتخابات على صعيد الإقليم العربي على الأقل، ولكن أسئلة جدية تطرح في السياق السياسي من جهة أخرى عما إذا كانت هذه الترشيحات تعبر فعلياً عن حضور سياسي بارز للمرأة في المشهد السياسي في الجزائر أم أنه مجرد استعراض ومشهدية سياسية ليس إلا؟
وهذه ليست المرة الأولى التي تترشح فيها سيدة للرئاسة في الجزائر، حيث سبق وشهدت الجزائر أول ترشح لامرأة عربية للرئاسة عام 2004، لكنها المرة الأولى التي تشهد ترشح ثلاث نساء لهن حضور لافت في المجتمع السياسي والإعلامي والاقتصادي وهن: الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، والقاضية السابقة ورئيسة حزب الاتحاد من أجل الرقي زبيدة عسول، وسيدة الأعمال المثيرة للجدل سعيدة نغزة. ويبقى أن الفرصة ما زالت متاحة لتقديم الترشيحات ما قد يكشف عن مفاجآت وعن انضمام سيدات أخريات إلى لائحة الترشيحات.
رئيسة حزب وقاضية وسيدة أعمال
لطالما مثلت لويزة حنون المرجع الأبرز في حضور المرأة في العمل السياسي، من خلال مسار طويل منذ ما قبل دخول البلاد عهد التعددية السياسية عام 1988، وتتمتع برصيد ثري من التجربة السياسية والنضالية في حزبها، وضمن إطار مشترك مع قوى أخرى اكتسبت من خلاله حنون تجربة كبيرة في التعاطي مع القضايا والملفات السياسية والاقتصادية، وقادت حزبها إلى إسهام لافت في عهدات برلمانية مختلفة، وقدمت حنون نفسها من خلال ثلاث مشاركات في الانتخابات الرئاسية في سنوات 2004 و2009 و2014، كمرشحة تمتلك كاريزما وخطاباً منحازاً بشدة إلى القضايا والمطالب العمالية خاصة، وظلت لصيقة بمطالب الديمقراطية والحريات.
ومن بوابة مطلب الديمقراطية والحريات وجدت المحامية والقاضية السابقة زبيدة عسول مدخلاً إلى العمل السياسي، فقد أسست بعد عام 2012 حزباً سياسياً، جمعت فيه عدداً من النشطاء السياسيين، لكن بروزها الأكبر كان بعد انتخابات الرئاسة عام 2014، عندما شكلت مع رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور وشخصيات سياسية أخرى تكتل مواطنة لمعارضة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومنح الحراك الشعبي مساحة حضور سياسي أكبر لعسول التي سعت إلى المزاوجة في تلك الفترة بين الدفاع عن المطالب الديمقراطية للحراك الشعبي والدفاع عن النشطاء معتقلي الرأي في المحاكم بصفتها محامية، وبالرغم من أنها كانت تتمسك بمقاطعة المسار الانتخابي بوصفه مسرحية بالنسبة لها فإنها تبرر ترشحها الحالي بأنها تعتقد بأن هناك واقعاً سياسياً جديداً يفرض اقتحام الساحة وإحراج السلطة، وإعادة تنظيم جبهة المطالبة بالتغيير السياسي.
وبخلاف عسول وحنون، تأتي المرشحة الثالثة سعيدة نغزة من بيئة مختلفة تماماً فهي قادمة من المجتمع الاقتصادي ودون سوابق في النضال السياسي، ورغم ذلك لم يكن حضورها في المشهد المحلي مفاجئاً بالنظر إلى أدوار ومواقف اتخذتها في عهد بوتفيلقة، خاصة عندما واجهت الكارتل المالي الموالي للرئيس السابق بشدة، لكن ترشّحها لانتخابات الرئاسة يظل مفاجأة سياسية، لكونها ظلت على تماس مع المجتمع السياسي، دون أن تكون جزءاً منه، ولكونها تأتي في ظرفية ركزت فيها الدولة على المفاصلة التامة بين المال والسياسة.
وقالت نغزة، مساء أمس الاثنين، لدى إعلان ترشحها في مؤتمر صحافي: "أمضيت مسيرة طويلة في تسيير مؤسسات اقتصادية، وكان لي الشرف أن أترأس منظمات وطنية ودولية، من خلالها أتيحت لي فرصة معاينة وتشخيص اقتصادات ناشئة للعديد من الدول التي تشهد سباقاً تكنولوجياً غير مسبوق، مما سيحدد تصنيفاً جديداً للعالم"، ودعت الجزائريين إلى مساندتها: "أدعوكم لمساندتي، لأننا معاً سنبني جزائر يكون لكل مواطن فيه فرصة للنجاح، ويمكن لكل شاب تحقيق طموحاته في جميع المناطق، وفي كل شبر من الوطن".
نضالية سياسية للمرأة في الجزائر
لكن اختلاف الخلفيات التي قدمت منها كل من المترشحات الثلاث لا يلغي السؤال الأبرز، ما إذا كان ترشح ثلاث سيدات، حتى الآن، يعكس فعلياً حضوراً سياسياً للمرأة في المشهد السياسي والانتخابي في الجزائر، خاصة إذا كان الواقع السياسي يكشف عن محدودية تمركز النساء في قيادات الأحزاب والواجهات السياسية (ثلاث نساء يقدن أحزاباً سياسية فقط من 60 حزباً في البلاد)، كما يلاحظ غياب كامل لوجوه نسوية بارزة في قيادة الأحزاب السياسية ذات التمثيلية الكبرى في البلاد، وانحصر حضور المرأة في البرلمان (34 مقعداً فقط من مجموع 407 مقاعد، بمعدل 8 في المائة).
وبالنسبة للباحثة في علم الاجتماع السياسي سعاد نوري، فإن الانتقال من ترشح أول لسيدة في عام 2004 إلى ثلاث مرشحات في انتخابات 2024 يعكس تطوراً لتجربة الاستحقاق الرئاسي في الجزائر، وتطوراً للمجتمع السياسي من حيث القبول بالفكرة إلى تكريسها واقعاً، وأضافت نوري لـ"العربي الجديد" أن "ترشح المرأة للرئاسيات هو عنوان كبير، لكن المسافة ما زالت بعيدة في الجزائر لتكون هناك سيدة على رأس الدولة، وهو منصب ليس بالمتاح في ظل الفضاء السياسي والاجتماعي للممارسة السياسية في البلاد، خاصة أن مجال المناصب العليا في الدولة ظل لسنوات طويلة حكراً على الرجال، حيث نجد أن المرأة تحظى بتمثيلية مهمة في مختلف المجالات، لكنها ظلت في مستوي تمثيل أقل في المجال السياسي كالبرلمان والأحزاب".
وقالت نوري إن "وجود ثلاث مترشحات لهن حضور نوعي في المجتمع السياسي والاقتصادي يعكس وجود وعي ونضالية سياسية للمرأة في الجزائر، وهو مؤشر جيد خصوصاً لتنوع المترشحات ما بين شخصية عُرفت بنضالها الحزبي، وقاضية، فضلاً عن شخصية برزت في مجال المال والأعمال ما يتيح تنوعاً في تركيبة المترشحين عموماً، وعلى مستوى البرامج والطروح، وربما سيفتح هذا التنوع المجال أمام برامج تعطي للمرأة مساحة أكبر من خلال البرامج المعروضة، كما تفتح المجال أيضاً لخوض المرأة المعترك السياسي في الاستحقاقات القادمة خاصة النيابية".