بعد ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة العراقية بنسختها الثامنة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، برئاسة محمد شياع السوداني، مرشح تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يجمع الكتل والأحزاب القريبة من طهران، زاد التشكيك السياسي بقدرة السوداني على تنفيذ وعوده، التي على أساسها منحت القوى السياسية الثقة البرلمانية له في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
واستهل السوداني عمله الحكومي بإطلاق الكثير من الوعود، متعهداً بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد، ثم إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وفقاً لما أدلى به أمام البرلمان في جلسة منح الثقة.
ومن أبرز ما تضمنه منهاج السوداني الحكومي إنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية، وإنهاء عسكرة المدن، في إشارة إلى إخراج الفصائل المسلحة من مراكز المدن والأحياء السكنية، وطيّ صفحة النزوح، والكشف عن مصير المختطفين، وشملهم بقانون ضحايا الإرهاب بعد إجراء التدقيق الأمني.
كما تضمنت الوعود إلغاء هيئة "المساءلة والعدالة"، وإصدار عفو عام عن المعتقلين الذين انتُزعت منهم اعترافات تحت التعذيب و"المخبر السري"، وهو نظام أُنشئ في عهد حكومة نوري المالكي بين عامي 2006 و2014، كأحد أساليب تحصيل المعلومات الأمنية، ويقضي بمنح مكافآت مالية للأشخاص الذين يقدمون معلومات أمنية، وعادة ما تتبنى قوات الأمن هذه المعلومات في التحرك ضد الأشخاص الذين يستهدفهم المخبر السري.
وقد تسببت وشايات من عملوا في إطار هذا النظام في زج عشرات الآلاف من الأشخاص في السجون، علماً أنه تم تقديم معلومات غير صحيحة في كثير من الأحيان، طمعاً بالمال أو بسبب عداوات أو مشاكل شخصية.
ومن وعود السوداني أيضاً، إعادة قيمة الدينار العراقي مقابل سعر صرف الدولار إلى ما كانت عليه سابقاً عند سعر 1200 دينار للدولار الواحد. لكنه تراجع بشكل عكسي خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبلغ الدولار الأميركي الواحد 1650 ديناراً، ما سبب بحالة غضب شديدة في الشارع.
كما شملت تعهدات الحكومة الجديدة تطبيق "اتفاقية سنجار" بين أربيل وبغداد، الموقعة في عام 2020، والتي من شأنها إخراج حزب "العمال الكردستاني" من قضاء سنجار في محافظة نينوى، فضلاً عن مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين. وتعّهد السوداني بوعود أخرى كانت جزءاً من الاتفاق السياسي، الذي تشكلت الحكومة الحالية على أساسه.
لا نتائج ملموسة لوعود السوداني
وقال النائب عن تحالف السيادة عبد الكريم عبطان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن السوداني "حتى هذه الساعة لم ينفذ أي شيء من وعوده، خصوصاً المتعلقة بقضية إنهاء المظاهر المسلحة والعفو العام وحل هيئة المساءلة والعدالة وتعديل قانون الانتخابات، فكل هذه الوعود ما زالت وعوداً ولا شيء ملموساً منها".
وأضاف: "مرت 3 أشهر على تشكيل حكومة السوداني، وهذه مدة كانت كافية لتحقيق بعض الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء. بعضها لا يحتاج إلا لقرار، ولهذا هناك قلق وشكوك بإمكانية أن يحقق السوداني وعوده"، معتبراً أن "عدم تحقيق تلك الوعود ربما يكون سببه ضغوطات سياسية تمارسها بعض الأطراف السياسية القريبة من السوداني عليه".
عبد الكريم عبطان: هناك قلق وشكوك بإمكانية أن يحقق السوداني وعوده
ولفت عبطان إلى أن "القوى السياسية كافة جادة بقضية متابعة تنفيذ الوعود من قبل رئيس الوزراء، فهذه الوعود هي التي دفعت القوى السياسية لمنح السوداني الثقة في مجلس النواب، وأي خلاف بتحقيق تلك الوعود ربما يدفع تلك القوى لاتخاذ مواقف سياسية". وتابع: "ما زلنا نأمل خيراً وننتظر تحقيق تلك الوعود حسب ورقة الاتفاق السياسي التي اتفقت عليها جميع قوى ائتلاف إدارة الدولة".
من جهته، رأى النائب المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "حسب متابعة تنفيذ برنامج حكومة السوداني، فحتى الساعة لم ينفذ شيء حقيقي منه، بل على العكس هناك تراجع في الملف الاقتصادي".
وبيّن السلامي أن "حكومة السوداني وعدت بقضية خفض سعر صرف الدولار وتحسين الواقع المعيشي للمواطنين، وخصوصاً الطبقة الفقيرة، لكن ما حصل هو عكس ذلك تماماً، فسعر صرف الدولار ارتفع بشكل كبير، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها في السوق، وأثّر بشكل كبير على وضع المواطن المعيشي".
وأضاف السلامي: "نحن كنواب مستقلين ما زلنا نتابع ونراقب تنفيذ البرنامج الحكومي للسوداني، ونعمل على إجراء تقييم بعد مرور ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة الحالية"، مشيراً إلى أنه "سيكون لنا موقف من ذلك تحت قبة البرلمان خلال الأيام القليلة المقبلة، فلا يمكن السكوت على جعل البرنامج الحكومي حبراً على ورق من دون أي تنفيذ في الواقع، كما عملت على ذلك جميع الحكومات السابقة في السنوات الماضية".
3 أشهر على وعود الحكومة
أما النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني محما خليل، فكشف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحوارات والمفاوضات بين حكومة إقليم كردستان ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني ما زالت مستمرة من أجل تنفيذ بنود الاتفاق السياسي الذي على أساسه تشكلت الحكومة الحالية، لكن حتى الساعة لا تنفيذ لهذه الوعود على الرغم من مرور ثلاثة أشهر على عمر الحكومة".
وذكر خليل أن "هناك مخاوف من وجود ضغوطات سياسية تمارس على رئيس الوزراء تمنعه من تنفيذ بنود الاتفاق، خصوصاً المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها واتفاق سنجار والخلاف المالي والنفطي بين بغداد وأربيل، فهناك أطراف سياسية وحتى مسلحة لا تريد أن يمضي هذا الاتفاق كما اتفق عليه ائتلاف إدارة الدولة، قبل منح الثقة للسوداني وحكومته".
وحذّر النائب عن "الديمقراطي الكردستاني" من أن "أي تراجع عن تنفيذ بنود الاتفاق السياسي، سيدفع القوى السياسية، خصوصاً الكردية والسنّية، لاتخاذ موقف جديد من حكومة السوداني، وهذا الأمر أُبلغ به بشكل رسمي رئيس الوزراء وقادة الإطار التنسيقي، ولهذا السبب إن الحوارات مستمرة لتنفيذ تلك الاتفاقيات على أرض الواقع".
هادي السلامي: حكومة السوداني وعدت بخفض سعر صرف الدولار لكن العكس حصل
في المقابل، أوضح القيادي في "الإطار التنسيقي" عائد الهلالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "السوداني وضع مدداً زمنية لتطبيق فقرات برنامجه الحكومي وكذلك بنود الاتفاق السياسي الذي حصل بين قوى ائتلاف إدارة الدولة، وليست هناك أي نيّة لتسويف تلك المطالب، لكن هو يعمل وفق المدد الزمنية التي وضعها".
وبيّن الهلالي أن "رئيس الوزراء يدرك جيداً خطورة عدم التزامه بتعهداته أمام القوى السياسية، فهذا الأمر ربما يخلق له مشاكل سياسية تعيق وتعرقل عمله وأداءه الحكومي، بالتالي هو جاد بقضية تنفيذ بنود الاتفاق السياسي، وفق الدستور والقانون"، مشيراً إلى أن "بعض تلك البنود يحتاج إلى تدخّل مجلس النواب، من خلال التصويت على بعض القضايا التي تقع خارج صلاحيات رئيس الحكومة، كحل هيئة المساءلة والعدالة وغيرها".
وأضاف الهلالي: "السوداني شكّل لجاناً حكومية من أجل تنفيذ كافة فقرات برنامجه الحكومي وكذلك فقرات بنود الاتفاق السياسي، وهذه اللجان تعمل بشكل يومي من أجل وضع اللمسات القانونية والفنية على تنفيذ تلك الفقرات، ولا توجد أي نيّة للسوداني أو الإطار التنسيقي للالتفاف حول تلك الفقرات".
وجرت العادة أن تخضع الحكومة لتقييم شامل بعد مرور 100 يوم على تشكيلها، فيما أشار مراقبون إلى أن السوداني، وخلال الشهر الأول من تسلمه منصبه، أصدر العديد من القرارات، لكن سرعان ما تراجع عنها. ومن أبرزها إلغاء تكاليف المناصب العليا من قبل سلفه مصطفى الكاظمي، إذ طبّق القرار على بعض الشخصيات فيما جدد التكليف لأغلب الشخصيات الأخرى.
وحول هذه التطورات، اعتبر الباحث محمد علي الحكيم، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "نجاح حكومة السوداني مرهون بنجاح تنفيذ مهامها أمام الشارع العراقي، وأعتقد أن هناك صعوبة في تطبيق البرنامج الحكومي بكل حذافيره وبجميع تفاصيله، بعدما أخفقت الحكومة في العديد من الملفات".
وأشار الحكيم إلى أن "هناك وعوداً من قبل السوداني للقوى السياسية الكردية والسنّية، وأي خلاف بتنفيذ تلك الوعود ربما ينقلب من دعم تلك الكتل للحكومة الحالية إلى معارضتها"، مضيفاً: "هذا الأمر يخشى منه بصراحة كل من السوداني والإطار التنسيقي، لكن في الوقت نفسه هناك شروط لا يريد الإطار تنفيذها، ولهذا هو يضغط على السوداني لتسويف تلك المطالب لفترة أطول".
ولفت إلى أن "المواطن العراقي وبعد مرور ثلاثة أشهر على تشكيل حكومة السوداني لم يلمس أي تغيير في واقعه، بل ازدادت معاناة المواطن الفقير، خصوصاً بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، وهذا الوضع الاقتصادي ربما يدفع إلى موجة غضب شعبية من خلال الاحتجاجات الشعبية التي تقودها الطبقة الفقيرة في المجتمع".