تونس وأميركا: استمرار سوء التفاهم

08 سبتمبر 2021
يدّعي قيس سعيّد أن إجراءاته ليست انقلاباً (Getty)
+ الخط -

تمرّ العلاقات بين تونس والولايات المتحدة، حالياً، بلحظات حرجة، إذ يسعى نواب من الحزب الديمقراطي الأميركي إلى تسريع استئناف الشرعية الدستورية في تونس، وتعيين رئيس حكومة جديد، فيما يحاول الرئيس التونسي قيس سعيّد من جهته، إقناعهم بأن البلاد تعيش وضعاً عادياً، وبأن الإجراءات التي أقدم عليها في 25 يوليو/ تموز الماضي، والقاضية خصوصاً بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، ليست انقلاباً. ويبدو الطرفان وكأنهما يتحدثان بلغتين مختلفتين، فلا وفد الكونغرس الأميركي بقيادة السيناتورين الديمقراطيين كريس مورفي وجون أوسوف، والذي زار تونس في 4 و5 سبتمبر/ أيلول الحالي، قد اقتنع بما ردّده الرئيس التونسي مراراً، وأمامه، بأنه لا يوجد تهديد للثوابت الديمقراطية في تونس، كما لم يفهم سعيّد سبب هذا الاهتمام الأميركي ببلاده، وما دخل هؤلاء في الشأن الداخلي التونسي، على الرغم من أنّ ما أقدم عليه لقي ترحيباً واسعاً من قبل التونسيين. 

يحاول قيس سعيّد إقناع واشنطن بأن تونس تعيش وضعاً عادياً

ليست هذه المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تضع فيها واشنطن الملف التونسي فوق الطاولة. فالعلاقات بين البلدين قديمة، وعلى الرغم من أن الاستثمارات الأميركية في تونس تكاد لا تذكر، إلا أن الموقع الاستراتيجي لهذا البلد يجعل الولايات المتحدة تمنحه أهمية خاصة، وتأخذه بعين الاعتبار في سياستها الخارجية. فالأمن القومي الأميركي مرتبط بأيّ خطر من شأنه أن يهدد تونس وينتقل منها إلى تهديد حلف شمال الأطلسي. 

من يظن بأن المسافة الجغرافية الفاصلة بين البلدين كافية لإجبار السياسيين الأميركيين على عدم الاهتمام بالشأن التونسي، فهو بالتأكيد واهم وغير مدرك لتعقيدات السياسة الدولية التي تقوم على التقاطعات والحد الأدنى من التوازنات. النظام الناجح هو الذي لا يعرّض بلاده إلى تدخل الآخرين في شؤونه الداخلية، ويبقيها بعيدة عن النزاعات الإقليمية والدولية، خصوصاً إذا كانت هذه الدولة هشّة وضعيفة وغير قادرة على الاعتماد على نفسها وعلى مواردها الذاتية، مثلما هو شأن تونس حالياً. موارد هذا البلد محدودة، وهو في أشدّ الحاجة للمساعدة بسبب التحديات الكبيرة التي تواجهه من مختلف الجبهات. ولولا الضمانة التي تقدمت بها الولايات المتحدة لما تمكنت حكومة المشيشي المقالة من الحصول على قرض إضافي من أجل تسديد دفعة جديدة من ديون تونس. 

لا شك في أن قيس سعيّد ليس مرتاحاً لإصرار الأميركيين على إشعاره بضرورة تغيير أسلوبه في إدارة الأزمة الحالية، وهو أراد أن يُشعر الوفد الزائر بأن له أسلوبه الخاص في معالجة المسألة، وأن المطلوب منهم الفصل بين علاقات الصداقة بين البلدين وبين إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية. وعلى الرغم من أن البعض رأوا في ذلك عنصر قوة في موقف رئيس الدولة، إلا أن ما يخشى من ورائه هو تعميق سوء التفاهم بين الطرفين، وهو ما يترتب عليه مزيد من إضعاف الجبهة الداخلية وتفاقم الصعوبات الاقتصادية. فالموقف الأميركي من الأزمة السياسية التونسية لم يتغير منذ 25 يوليو الماضي حتى الآن. وخلافاً للذين يعتقدون بأن واشنطن تقف إلى جانب حركة النهضة، وأنها تريد إنقاذها من المطب الذي سقطت فيه بإعادتها إلى السلطة من جديد، فإن ما كشف عنه الوفد الأميركي يتعارض مع ما هو رائج في الساحة الداخلية. لقد عدّلت الولايات المتحدة من موقفها تجاه حركات الإسلام السياسي مقارنة بما كان عليه الأمر قبل العام 2011. لم يعد يهمّها تثبيت موقع "النهضة" التونسية في الحكم، بقدر ما هي مشغولة حالياً بأن يستمر المسار الديمقراطي في تونس بعيداً عن العنف والمغامرات. 

تريد واشنطن أن يستمر المسار الديمقراطي في تونس بعيداً عن العنف والمغامرات

لا يعني ذلك أن واشنطن ستغضّ الطرف عن أي سيناريو يهدف إلى إقصاء الإسلاميين، من خلال اللجوء إلى وسائل غير قانونية ومنافية لحقوق الإنسان. ستناهض هذا الاختيار في حال اعتماده من قبل الرئيس سعيّد، وأن ذلك أمر مستبعد. لهذا طالبت الإدارة الأميركية بـ"العودة السريعة إلى المسار الديمقراطي"، كما جاء على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن. كما تجنبت وزارة الخارجية الأميركية طرح أي اقتراح إجرائي على الجهات التونسية وتحويله إلى شرط، لأنها بذلك تقع في خطيئة التدخل المباشر في بلد غيور على سيادة قراره الوطني. 

لا يستطيع أحد أن يقفز فوق الاهتمام الأميركي بالأزمة السياسية التونسية. فهو اهتمام يأتي في سياق جهود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن سياستها الخارجية. إن عودة حركة "طالبان" في أفغانستان إلى الخريطة الدولية من شأنه أن يجعل أعضاء النادي الديمقراطي العالمي يهتمون أكثر بما يجري في تونس، لأن فشل هذا البلد وسقوطه مرة أخرى في المحظور، ستترتب عليه نتائج وخيمة على أكثر من صعيد.

المساهمون