تونس: مساندة حزبية باهظة الثمن للسبسي

18 ديسمبر 2014
الخارطة السياسية مقبلة على تحولات كبرى (أمين لاندولسي/الأناضول)
+ الخط -

لا حديث في تونس قبل أربعة أيام على موعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية إلا عن خيارات الأحزاب والشخصيات الوطنية لجهة دعم أي من المرشحين؛ الرئيس الحالي المنصف المرزوقي أو زعيم حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي. لكن يبدو أن مساندة زعيم "النداء" علناً أو سرّاً ستكون لها تبعاتها على بعض الأحزاب وخصوصاً حركة النهضة والجبهة الشعبية المهددة فعلياً بالتفكك، بحسب ما يؤكد أحد قيادييها لـ"العربي الجديد".

الجبهة الشعبية

تقف اعتبارات أساسية وراء احتمال تفكك الجبهة، أهمها المساندة المطلقة للسبسي من قبل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، وهو أحد مكونات الجبهة. وهو الدعم الذي تأكد من خلال تصريحات بسمة الخلفاوي، أرملة المعارض شكري بلعيد، وكذلك من خلال المساندة الواضحة من قبل النائب عن الجبهة منجي الرحوي لزعيم "النداء".

ووصلت المساندة إلى حدّ إعلان القيادي في حزب السبسي، خميس قسيلة، أن الرحوي سيشارك في الاجتماع الشعبي لحملة زعيم "النداء" في مدينة منزل بوزلفة في محافظة نابل بالشمال الشرقي لتونس. وهو ما كذّبه الرحوي الذي نفى الخبر. مصادر من داخل الجبهة أكدت لـ"العربي الجديد" أن الخبر لم يكن كاذباً، إلا أن تدخل المتحدث الرسمي باسم الجبهة، حمة الهمامي، وتهديده الرحوي بالطرد من الجبهة في حال مشاركته في الاجتماع الشعبي لمساندة السبسي دفعه للتراجع.

لكن هذا التراجع لا ينفي حدّة الانقسام داخل الجبهة الشعبية التي تساند سرّاً زعيم "النداء"، لكنها ترفض المغامرة بموقف سياسي قد يكلفها الكثير في ظل الانقسام بين أعضائها ولا سيما الشباب منهم، إذ أكد مدير الحملة الانتخابية للمرزوقي، عدنان منصر، أنهم يعملون في صلب التنسيقيات التي تمّ تشكيلها لمساندة المرزوقي.

لكن الخطر الأكبر بالنسبة للجبهة الشعبية هو الانقسام داخل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد بين جناحين، أحدهما يمثله الأمين العام للحزب زياد الأخضر والقيادي والوجه السياسي المعروف في تونس، محمد جمور.

أما الجناح الثاني فيمثله النائب منجي الرحوي والخلفاوي والنقابي المعروف عبيد البريكي وهو الأمين العام المساعد السابق للاتحاد العام التونسي للشغل والمسؤول الحالي عن برنامج تطوير القدرات النقابية في المنطقة العربية لدى منظمة العمل الدولية. ويعود تمسك الجناح الثاني بمساندة السبسي إلى أمرين، يتعلق الأول بوعد السبسي للخلفاوي بالكشف عن قتلة زوجها والثاني التفكير الجدي داخل "نداء تونس" بإسناد حقيبة وزارة التربية في الحكومة المقبلة للبريكي وفق مخطط "النداء" لضمان نجاح الحكومة في وزارة تعدّ واحدة من أكثر الوزارات حركية في مستوى العمل النقابي. ولعل التهديدات المتتالية من قبل موظفي التربية بالدخول في إضرابات مستمرة تجعل من البريكي الخيار الأمثل للتعامل مع ملف وزارة التربية نظراً لخبرته في العمل النقابي وتوليه سابقاً لمسؤولية إدارة نقابة التعليم، وهي واحدة من أقوى النقابات في تونس.

حركة النهضة

ومن القوى السياسية التي تعيش أزمة داخلية لعدم إعلان موقف صريح بدعم المرزوقي، حركة النهضة. وتشير مصادر "العربي الجديد" إلى أن هناك صراعا خفيا بين تيارين داخل الحركة؛ الأول يمثله رئيس الحركة راشد الغنوشي ومن تولوا مسؤوليات حكومية في عهد الترويكا (تجمع لثلاثة أحزاب هي النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات). وهذا التيار يدعو إلى الحياد وعدم اتخاذ موقف صريح في مساندة المرزوقي، على الرغم من يقينهم بأن قواعد الحزب في أغلبها مساندة لهذا الخيار.

أما التيار الثاني ويمثله عدد هام من النواب السابقين في المجلس الوطني التأسيسي وقيادات تاريخية للحركة، من أمثال حمادي الجبالي الأمين العام السابق للحركة والذي استقال من النهضة أخيراً ورئيس الوزراء الأسبق والنواب في المجلس الوطني التأسيسي الصادق شورو والحبيب اللوز ونجيب مراد، الذين دعوا صراحة إلى انتخاب المرزوقي باعتباره الضامن لمناخ الحريات والوقوف ضد عودة الاستبداد. وهي الحجة التي اعتبرها الغنوشي في حوار تلفزيوني على قناة "نسمة تي في" غير ذات معنى، باعتبار  أن عودة الاستبداد غير ممكنة في كل الحالات.

وهو رأي يتعارض مع ما ذهب إليه الجبالي الذي يرى في عودة المنظومة القديمة إمكانية لعودة الاستبداد. وذهب في حوار له مع أحد المواقع الالكترونية التونسية إلى حدّ إبداء خشيته من تفكك النهضة نتيجة عدم إعلانها صراحة عن موقف سياسي واضح من الاستحقاق الانتخابي المقبل. إلا أن بعض المحللين من الذين يختلفون مع النهضة في توجهاتها، يرون أن موقف التيار المساند للمرزوقي داخلها يأتي ضمن تكتيك سياسي يقي النهضة خطر الانقسام بل وينتزع من المرزوقي صفة المعارض الوحيد لحزب "نداء تونس" في حال عدم فوزه بالانتخابات المقبلة. كما يجعل قواعد النهضة تبقى موحدة وراء شخصيات في الحركة ولا تذهب إلى الاصطفاف مستقبلاً وراء المرزوقي وحزبه المؤتمر من أجل الجمهورية.

المساهمون