نجح وزراء حكومة هشام المشيشي المقترحين في نيل الثقة وتحصيل نسبة مريحة من الأصوات، بعد حملة تشكيك ببعضهم وجلسة طويلة في البرلمان التونسي. إلا أنّ العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنتظر الحكومة بطاقمها الجديد، الأمر الذي يجعل حظوظها الحقيقية في النجاح، وفي معالجة الأزمات التي تعيشها البلاد، مسألة صعبة، ولا تخلو من تحديات حتى ما بعد المصادقة على التعديل الوزاري. ولعل أول العقبات هو المأزق الدستوري في ما يتعلق بأداء الوزراء اليمين أمام رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي يرفض إجراء هذه الخطوة من قبل بعض الوزراء.
ورأى النائب عن حركة "النهضة"، سمير ديلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا تكفي المصادقة على التعديل الوزاري، للالتفات بعد ذلك للمسائل الاقتصادية والاجتماعية، فهناك تحديات إضافية بعد التعديل، وأولها تمكّن الوزراء الذين صادق عليهم البرلمان، من أداء اليمين أمام رئيس الدولة"، مبيناً أنّ الوضع تحوّل إلى "سباق حواجز" بين رأسي السلطة التنفيذية (سعيّد والمشيشي). وأضاف أنّ "مهمة الحكومة ستكون صعبة، لأنّ هناك وضعاً اقتصادياً واجتماعياً معقداً، كما أنه على الرغم من أنّ الوضع الأمني تحت السيطرة، ونجحت تونس في مقاومة الإرهاب، إلا أنّ البلاد لا تحتمل أزمة سياسية ودستورية جديدة". وتابع: "الوضع الصحي والسياسي والتجاذبات المستمرة داخل البرلمان، جلها عوامل تجعل الحكومة تعمل في ظروف صعبة".
ديلو: الوضع الصحي والسياسي والتجاذبات المستمرة عوامل تجعل الحكومة تعمل في ظروف صعبة
من جهته، قال الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، إنه "على الرغم من المصادقة على التعديل الحكومي، إلا أنّ هذا التعديل لن يحسّن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأداء الحكومة عموماً". ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "حكومة المشيشي ومنذ منحها الثقة في 1 سبتمبر/أيلول الماضي، لم يكن لديها برنامج وخطة عمل وخريطة طريق لإنقاذ البلاد من الأزمات. وبعد مضي 4 أشهر على هذه الحكومة، تبيّن أنّ أداءها هزيل على جميع المستويات، ولا إنجازات تذكر لها، مع فشل في مواجهة جائحة كورونا".
وأوضح الشواشي أنه "على المستوى الاجتماعي، يوجد احتقان كبير، والاحتجاجات تعمّ أغلب المحافظات التونسية، وسط مطالب بالتنمية والتشغيل، ولكن الحكومة تعاملت مع هذه الاحتجاجات باستخدام مفرط للقوة، وبمنع التظاهر"، مضيفاً أنّ "الوضع الاقتصادي لا يقل تأزّماً، ففي ظلّ غلق العديد من المؤسسات، وتسريح آلاف العمال، يزداد هذا الوضع صعوبةً، وتغيير بعض الوزراء لن يحدّ من المشاكل ويحل الأزمات المتراكمة".
ولفت الشواشي إلى أنّ "التعديل الوزاري يطرح اليوم إشكالاً جديداً، يقود إلى مواجهة بين رئيسي الحكومة والجمهورية، إذ التزم سعيّد أمام العموم بأنه لن يقبل أداء اليمين لوزراء تحوم حولهم شبهات تضارب مصالح أو فساد". وأكد أنّ "رئيس الدولة قد يرفض عدداً من الوزراء، وهو يرفض حتى الآن إصدار الأمر الرئاسي القاضي بتسميتهم، وبالتالي هذه المواجهة لن تخدم مؤسسات الدولة، وقد تقود لأزمة دستورية حقيقية".
وسبق أن وجهت منظمة "أنا يقظ"، غير الحكومية والمتخصصة في الشفافية ومكافحة الفساد، دعوة مفتوحة لنواب البرلمان تحثهم فيها على رفض التصويت لكل من وزير الصحة الهادي خيري والعدل يوسف الزواغي والطاقة سفيان بن تونس، بحجة "التهم الجدية بالفساد وتضارب المصالح التي تحوم حولهم". واعتبر الشواشي أنّ "هناك هروبا للأمام من قِبل رئيس الحكومة المدعوم من أغلبية برلمانية، من خلال إبقائه على هؤلاء الوزراء، وبالتالي على الجميع تحمل المسؤولية"، مضيفاً أنّ "هناك مأزقاً حقيقياً، لأنّ رئيس الجمهورية لو وافق عليهم، فإنه سيناقض تصريحاته السابقة، ولو رفض، فإنه يمكن لرئيس الحكومة التوجه للمحكمة الإدارية، وستكون هذه سابقة بين رأسي السلطة".
الشواشي: تغيير بعض الوزراء لن يحدّ من المشاكل ويحل الأزمات المتراكمة
من جهته، رأى النائب عن "حركة الشعب"، عبد الرزاق عويدات، أنه "على الرغم من المصادقة على التعديل الوزاري، فإنّ الوضع يسير نحو مزيد من التعقيد بدل الحل، فأداء اليمين أمام رئيس الجمهورية في ظلّ رفض الأخير لبعض الوزراء، سيطرح تحديات ومأزقا دستوريا جديدا". وأشار إلى أنّ "تمرير وزراء المشيشي يستدعي قراءة في أغلب السيناريوهات المطروحة بعد المصادقة عليهم، فهناك عدة فرضيات، ولكن السؤال: هل هذا التعديل القاضي بتغيير شخص بشخص، رافقه تغيير في البرامج والسياسات العامة؟ هذا مستبعد، لأنه لم يرافقه تقييم لأداء الفريق الحكومي".
وأضاف عويدات، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تغيير الوزراء لا يعني تحقيق نجاح حقيقي، ولهذا لا بدّ من الحوار الوطني، فهو الحل للوقوف على أسباب الفشل الذريع منذ 2010 إلى الآن، وعلى حقيقة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية"، مؤكداً أنّ "النجاح السياسي على مستوى الانتخابات والعمل البرلماني والبلديات، لم ترافقه مخرجات اقتصادية واجتماعية". وتابع أنّ "هذه المسائل لا بدّ من أن تُطرح للنقاش، ويتم تحديد أسباب فشل تونس منذ 1986 إلى غاية اليوم"، موضحاً أنّ "المنوال التنموي أدى إلى فشل أفرز في البداية انقلاباً في عام 1987 (تولى على إثره زين العابدين بن علي الحكم بعد إزاحته للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة) ثم ثورة في 2010. ولكن استمرار المنوال نفسه بعد ذلك، أدى إلى فشل المنظومة الحاكمة، فالمشكلة ليست في الأشخاص، لأن العديد من الذين تعاقبوا على الحكم بينهم الكثير من الكفوئين، ولكن عندما تكون المنظومة خاطئة، فلن يتم إصلاح أي شيء".
وشدد عويدات على أنّ "الخروج من الأزمة، لن يكون إلا بحوار وطني، تكون له مخرجات اقتصادية واجتماعية، ويتوّج بمخرجات سياسية لتنفيذ التصورات والبرامج". وأشار إلى أنّ "الحوار يثبت أهميته كلما زادت الاحتجاجات والأزمة، ولكن للأسف تم من خلال التعديل الوزاري إفراغه من محتواه السياسي، وكأن التعديل أجهض الحوار الوطني، واستمرار الوتيرة نفسها في التجاذبات السياسية سيعمق الأزمة".
عويدات: لا بدّ من الحوار الوطني، فهو الحل للوقوف على أسباب الفشل الذريع منذ 2010 إلى الآن
بدوره، قال القيادي في "الحزب الجمهوري"، وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد": "من تداعيات الأزمة السياسية، أنها عمّقت صعوبة الوضع العام، وخلقت حالة من الارتباك، وفاقمت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، التي زادتها الأزمة الصحية تعقيداً"، مبيناً أنّ "الأزمة كشفت أنّ النخبة السياسية في واد والمجتمع في واد آخر". وأوضح الصغير أنّ "النخبة السياسية ليست لها القدرة على فهم تطلعات وحاجات المجتمع، بل هي منكبة على صراعاتها السياسية، فيما السلطة التنفيذية تخوض معركة كسر عظام، ستكون انعكاساتها وخيمة على الشعب، وهو ما ينمّ عن قلة المسؤولية وفشل النخبة الحاكمة التي كان عليها التركيز على مشاغل التونسيين".
وحول الصراع بين الرئاسات الثلاث، قال الصغير إنه "بدلاً من أن يكون هناك انسجام بينها، نجدها اليوم تمارس العبث السياسي"، معتبراً أنّ "التجاذبات القائمة ليست لخدمة الصالح العام، بقدر ما هي صراعات للتموقع وخدمة أجندات حزبية". ولفت الصغير إلى أنّ "الحوار الوطني مطلوب، وكنا في حاجة ماسة إليه لأنه كان سيمثّل مخرجاً حقيقياً من الأزمة، ولكن للأسف اليوم تحوّل إلى مسألة لا معنى لها، ومنذ بداية طرحه أخيراً، برز كل طرف بأجندات وخلفيات خاصة، وليس لإيجاد حلول، وبالتالي من الصعب أن ينجح الحوار الوطني في مثل هذه الظروف، لأن الواقع الحالي لا يبشّر بتحقيق الانتظارات والآمال، فالنخبة الحالية غير مسؤولة والحوار تحول إلى فرصة مفقودة".