يترقب التونسيون إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، عن رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، بعد طول انتظار تجاوز الشهرين، منذ تعطيل حكومة هشام المشيشي المقال.
ومرّ نحو 63 يوماً منذ إعلان سعيد، في 26 يوليو/تموز الماضي، تعليق عمل البرلمان ورفع الحصانة عن جميع أعضائه، وإقالة المشيشي وعدد من الوزراء، معلناً منذ ذلك الوقت نيته تعيين رئيس حكومة ليساعده في تسيير كامل الجهاز التنفيذي، الذي أصبح تحت سلطته.
وذهب سعيد، في 22 سبتمبر/أيلول، إلى تعليق الدستور ووضع تدابير استثنائية لتسيير السلطة التنفيذية والتشريعية، ممسكاً بكامل الصلاحيات التشريعية والحكومية، من دون أن يكشف عن اسم رئيس الحكومة الجديد.
وجابه سعيد احتجاجات الداخل ومقترحات الخارج للتعجيل بتعيين الحكومة لمجابهة الأوضاع الصعبة، بتطمينات من قبيل عمله على فحص وتمحيص المرشحين للوزارات، معتبراً أن الأمر يتعلق بتغيير منظومة لا بتعيين حكومة.
وطالما ألمح سعيد إلى أن تشكيل الحكومة قريب ولا يعوزه إعلانها، غير أن الواقع يكشف صعوبات اختيار شخصية تقبل بالصلاحيات المحدودة والمحددة في التدابير الاستثنائية التي عوضت الصلاحيات الدستورية، ومن جهة أخرى ضرورة توفر شرط الولاء والوفاء للرئيس، بعد تجربة خلافه مع رئيس الحكومة السابق المشيشي.
وقال المحلل السياسي شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "قبل الخوض في شكل الحكومة المقبلة وبرنامجها، يجب التأكيد أن التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية لا يمكن اعتبارها بحال تتنزل ضمن منطوق الفصل 80، لأنه يعتبر في حالة الاستثناء أن تغيير نظام الحكم هو من بين الممنوعات التي أقرها فقه القضاء الدستوري الدولي المستقر والثابت".
وأشار إلى أن "سعيد تعسّف في تأويل الفصل 80 بل وخرقه، فليس من دوره تشكيل حكومة، بل العودة السريعة للسير العادي لدواليب الدولة".
وفسّر المحلل قائلاً إن "حالة الاستثناء لا تسمح قطعاً بتغيير نتائج الانتخابات، ولا تسمح بتغيير النظام السياسي نحو نظام رئاسي، ولا بإجراء انتخابات، ولا بالتحول إلى نظام مركزي بسلطة مطلقة في يد شخص واحد".
وبيّن بن عيسى أننا "انتقلنا بمفعول الأمر الرئاسي، في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، الذي يُعدّ انحرافاً بالفصل 80 من الدستور، إلى نظام رئاسي تتركز فيه السلطة بيد رئيس الجمهورية، وهو استنساخ لنظام الحكم في عهد الرئيس بورقيبة، مع سلطات مطلقة وتحصين كامل للقرارات، وغياب أي نوع من الرقابة أو المحاسبة، سواء دستورية أو رقابية". وبيّن أن "سعيد حصّن كل قراراته وقرارات الحكومة التي يتبناها، وأعطى لنفسه سلطات شبه مطلقة". وأضاف "ستكون حكومة الرئيس بامتياز لأنه، كما أقرّ في هذا الأمر، الرئيس هو من يرسم سياستها العامة وليست الحكومة من ترسم توجهاتها، بل هي فقط لتنفيذ برنامج الرئيس، تساعده في العمل، وهي مسؤولة أمامه، يعيّن أعضاءها ويعزلهم وتؤدي اليمين أمامه، ولم تعد مسؤولة أمام البرلمان".
وتابع "بالفعل هي حكومة الرئيس، وهو نمط حكم استبدادي لا رقابة فيه ولا محاسبة.. فنحن لسنا في وضع يكرس الفصل بين السلطات باعتبارها بيد الرئيس. وفي ما يخص حقوق الإنسان التي أبقى عليها في الدستور، فهي مبادئ عامة من دون آليات لتنفيذها وبدون رقابة عليها وعلى مدى احترامها، في وقت عطل الرئيس ذلك وأفرغها من كل مضمون".
وشدد على أن "الحكومة ستسير وفقاً للتعليمات والأوامر الفوقية، ولا تضمن حقوق الإنسان"، معتبراً أن المسائل المالية والاقتصادية على رأس الأولويات والمستوجبات التي تنتظر الحكومة المقبلة، باعتبار الخلل الكبير على مستوى المالية العمومية، وباعتبار الانكماش الاقتصادي وتعطل التنمية بتقلص نفقات التنمية. وأضاف أن "هناك ملف إنجاز الموازنة المقبلة 2022، وتونس بلا مشروع موازنة، ولم يقع تحيين موازنة العام الحالي بقانون مالية تكميلي، في وقت تم تعليق كامل السلطة التشريعية التي تتداول في الموازنات".
وأشار إلى مسألة استئناف التفاوض مع المنظمات الاجتماعية، بعد تعليق اتحاد الشغل كل التحركات والمطالب إلى حين تشكيل حكومة بنهاية الاتفاقات القديمة مع الحكومة السابقة.
وتداولت الأوساط الإعلامية والسياسية ترشيح وزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين لرئاسة حكومة الرئيس. وقوبل تداول اسم شرف الدين بجدل حول قبول الرجل لمنصب وزير أول خاضع كلياً لسلطة وتعليمات الرئيس، فيما ذهب آخرون إلى أنه لا يمثل الشخصية المناسبة لقيادة حكومة في وضع اقتصادي ومالي متردٍ، بسبب محدودية تجربته وعدم إلمامه بهذين الملفين، فيما يخشى آخرون من أن يعيّن سعيد شخصية طيّعة لإحكام قبضته على كل مفاصل الدولة.
وعارض أمين عام حركة "الشعب" (أكبر حزب مساند لسعيد) زهير المغزاوي، في تصريحات صحافية، تعيين شرف الدين، معتبراً أنه من المستحسن ألا يكون رئيس الحكومة المقبل مقرباً من الرئيس أو محسوباً عليه، على غرار مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة أيضاً، مقترحاً أن يكون متمكناً من الملف الاقتصادي، ويحظى بمقبولية لدى أوسع طيف سياسي ومجتمعي ممكن، بحسب توصيفه.
ويعم الغموض سير عملية تشكيل الحكومة المرتقبة، وسط قلق متواصل لدى التونسيين مع اقتراب نهاية العام، فيما تتزايد المؤشرات السلبية من غلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة ومخاوف من تعطل الأجور والمرتبات.
وفي السياق، عبّرت الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء تواصل الإجراءات الاستثنائية للرئيس التونسي قيس سعيد، ودعت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى صياغة خطة بجدول زمني لعمليات إصلاح واسعة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في إحاطة صحافية نشرتها سفارة الولايات المتحدة في تونس يوم السبت "نشارك الشعب التونسي هدفه المتمثل في تشكيل حكومة ديمقراطية تستجيب لاحتياجات البلاد وهي تجابه أزمات اقتصادية وصحية". وأضاف برايس "مما يبعث على قلقنا أن الإجراءات الانتقالية مستمرة دونما نهاية واضحة".