مع تعدد الأزمات السياسية في ظلّ التحديات الأمنية والاجتماعية المتلاحقة في تونس، بدأت بعض الأطراف السياسية تدعو إلى "حوار وطني"، بسبب تفاقم حالة الغموض والاحتقان في البلاد. ويُنذر الوضع التونسي شديد التعقيد بتوتّر مرتقب، خصوصاً في ظلّ تدهور الموقف في الجنوب. وعَلَت في هذا الصدد أصوات عدة في الفترة الأخيرة، مُطالبة بإسقاط الحكومة، بحجّة "فشلها في إدارة البلاد".
وتعمّ البلاد موجة من الإضرابات منذ أكثر من شهرين، بفعل الأزمة بين "الاتحاد العام التونسي للشغل" والحكومة، التي جزمت على لسان رئيسها الحبيب الصيد بأنها "لن تقبل سياسة ليّ الذراع". وأكد الصيد أن "البلاد لا تتحمّل زيادات كبيرة في حجم الأجور، مما قد يدفع بالحكومة إلى التراجع عن وعودها السابقة". وهو ما رفضته النقابات بقوة، ووضع الطرفين في حالة مواجهة، قابلة للتصعيد خلال المرحلة المقبلة.
وجاءت حملة "وينو البترول" لتزيد من إرباك الحكومة وإضعافها أيضاً، خصوصاً في مناطق الجنوب، التي تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية مزمنة ومتوارثة منذ عشرات السنين. وأدت الحملة إلى تداعيات أمنية خطيرة، تحديداً بعد اضطرار الأمنيين إلى الانسحاب من مدينة دوز، إثر المواجهات العنيفة التي دارت بينهم وبين المتظاهرين، الذين تمكنوا من حرق المقارّ الأمنية في الجهة. وبسبب خطورة هذه الأحداث، سارعت كل الأطراف السياسية، التي اتُهمت بالوقوف وراء حملة "وينو البترول"، إلى التبرؤ من أي تحريض على العنف، محمّلة الحكومة مسؤولية المأزق في دوز، وغيرها من المدن الواقعة بالجنوب التونسي.
وفضلاً عن الأسباب الاجتماعية، فإن الحالة الأمنية الإقليمية تدفع باتجاه الحوار، خصوصاً بعد سقوط مدينة سرت تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وهي المدينة الليبية الثانية، بعد درنة التي تقع بيد هذه الجماعة. وعلى الرغم من البعد الجغرافي لسرت عن الحدود مع تونس، والتي تصل إلى 400 كيلومتر، إلا أن ذلك لم يمنع التونسيين من استشعار قرب الخطر منهم، في ظلّ المؤشرات السلبية الواردة من العاصمة طرابس، والانهيار المفاجئ للحوار السياسي بين الليبيين إثر انسحاب فريق طبرق منه.
ويُضاف إلى ذلك ما ذكرته مصادر وزارة الداخلية، من اندساس بعض المجموعات الراديكالية في صفوف الغاضبين، من أجل تسخين الأجواء والتحريض على الدولة. وبات من المؤكد قيام المهربين بتغذية حالات التوتر، خصوصاً في المدن الحدودية مع ليبيا، لتوفير المناخ الذي يسمح لهم بتوسيع تجارتهم الموازية. ولإنقاذ الوضع، دعا الصيد رؤساء الأحزاب، سواء المشاركة في الحكومة أو في المعارضة، إلى جلسة طارئة، من أجل إطلاعهم على آخر المستجدات، في انتظار نضوج شروط الحوار السياسي.
وأضاف لخضر أن ''عراقيل عدة تحول دون الحوار مع النهضة، أولها اغتيال قيادات الجبهة الشعبية"، لكن ذلك لن يمنع، حسب رأيه، "استعداد الجبهة للدخول في أي حوار يهم مستقبل تونس مع مختلف الأطراف"، رافضاً إجراء حوار ثنائي مع "النهضة".
وسبق لرئيس "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، أن توجّه عبر إذاعة "موزاييك" المحلية، إلى "الجبهة الشعبية" لـ"المشاركة في طاولة الحوار لتقريب وجهات النظر". واعتبر أن "في ذلك مصلحة تونس وضمان لنجاحها". وتُعدّ هذه المرة الأولى التي تدعو فيها "حركة النهضة" الجبهة إلى حوار ثنائي، منذ اغتيال كل من شكري بلعيد (6 فبراير/شباط 2013) ومحمد البراهمي (25 يوليو/تموز 2013). ولم يكن الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، خارج دعوات الحوار، بل دعا، بصفته ممثلاً لـ"حراك شعب المواطنين"، إلى الحوار أيضاً، بمناسبة مبادرة "وينو البترول".
اقرأ أيضاً: "وينو البترول".. حقول نفط في الفيسبوك التونسي