بينما يراقب العالم بحذر وقلق شديدين تطور الأحداث في تونس، يواصل الرئيس التونسي قيس سعيّد محاولاته لطمأنة الداخل والخارج متعهداً بأنه سيحترم الحقوق والحريات ويفرض علوية القانون، مع تشديده على أنه لم يخرق الدستور ولم يقم بانقلاب.
واستقبل سعيّد، اليوم الثلاثاء، ممثلي منظمات وهيئات تونسية عديدة، بينها المجلس الأعلى للقضاء واتحاد الشغل، ورجال الأعمال والفلاحين والمحامين والصحافيين.
وكشفت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، أن سعيّد قدّم رسائل طمأنة بعدم الانزلاق إلى مربع الديكتاتورية واحترام الحقوق والحريات الفردية والعامة واحترام آجال تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة في غضون أيام.
وكشفت الجربي أن عميد الهيئة الوطنية للمحامين، ورؤساء الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، والاتحاد الوطني للمرأة التونسية، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، عبروا لرئيس الجمهورية، خلال هذا الاجتماع، عن موقفهم المبدئي بضرورة احترام الحقوق والحريات واحترام آجال تطبيق الإجراءات الاستثنائية وتطبيق الدستور وإيجاد الحلول للخروج من الأزمة السياسية الراهنة.
وأشارت رئيسة المنظمة النسائية إلى أن هذا الاجتماع كان فرصة للتعبير لرئيس الجمهورية عن مخاوف هذه المنظمات من التفرد بالسلطة وعدم احترام مقتضيات الدستور، مؤكدة أن سعيّد طمأنهم بأن اتخاذ تلك الإجراءات مسألة ظرفية حتمتها عليه الأوضاع الخطيرة التي تمر بها البلاد سياسيا وصحيا واقتصاديا واجتماعيا.
وقالت إن "رئيس الجمهورية أعلمهم بأنه لم يكن بوسعه البقاء مكتوف اليدين أمام تعفن الوضع السياسي بالبرلمان، وتزايد حالة الاحتقان الاجتماعي وتدهور الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي"، مضيفة أنه أبلغهم أنه ليست لديه أي رغبة في تمديد أجل الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها أول من أمس الأحد.
وأضافت أن سعيّد طمأن ممثلي المنظمات التونسية بأنه لا مجال للعودة للقمع أو الديكتاتورية أو الجمع بين السلطات، نافيا أن يكون قد خطط للقيام بأي انقلاب. وأضافت أن الرئيس شرح للمنظمات أسباب إقدامه على اتخاذ تلك الإجراءات الاستثنائية طبقا للفصل 80 من الدستور.
وكشف بيان المجلس الأعلى للقضاء بدوره عن تشديد هذه الهيئة على استقلال السلطة القضائية وعن أنها أعلمت الرئيس في اجتماعها معه بأن النيابة العمومية جزء لا يتجزأ من القضاء العدلي، وأن القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم لغير القانون.
ولم تقتصر رسائل الطمأنة على الداخل، وإنما امتدت لتحاول الحد من قلق دولي إزاء ما يجري في تونس، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية. وأوضح بيان للرئاسة، في ساعة متأخرة من ليلة أمس الإثنين، أنه جرت مساء محادثة هاتفية جمعت سعيّد بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
وأكد سعيّد "حرصه على احترام الشرعية والحقوق والحريات. وأشار إلى أن الإجراءات التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الفصل 80 من الدستور لحماية المؤسسات الدستورية وحماية الدولة وتحقيق السلم الاجتماعي".
من جانبه، أعرب وزير الخارجية الأميركي عن "مواصلة انخراط بلاده في تطوير علاقات الشراكة التي تجمعها بتونس في عدة مجالات، وتعزيز القيم والمبادئ المشتركة المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية".
وينتظر التونسيون أن يتولى سعيّد تقديم رئيس حكومته الجديد في أقرب الآجال، بسبب تردي الأوضاع الصحية والاقتصادية، وتتداول الكواليس في تونس أسماء عديدة لتولي المنصب، من بينها وزير المالية السابق نزار يعيش، ووزير الداخلية المقال توفيق شرف الدين، والخبير الاقتصادي حبيب كراولي وغيرهم.
ويجب على سعيّد تعيين رئيس الحكومة سريعا بسبب حالات الشغور الكثيرة في الوزارات المعطلة، والتي تديرها كفاءات إدارية إلى حد الآن، في حين أن السوق المالية التونسية قلقة منذ الأحد الماضي وشهدت اضطرابات واضحة، مع أن سعيّد حاول طمأنة رجال الأعمال في اجتماعه بهم يوم أمس الإثنين.
وعلى صعيد الاتصالات، أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، اليوم الثلاثاء، اتصالاً هاتفياً بنظيره التونسي عثمان الجرندي، بحثا فيه التطورات الأخيرة الجارية في تونس.
وأفادت قناة "TRT" الإخبارية التركية الرسمية، في خبر مقتضب، بأن جاووش أوغلو أكد، في الاتصال الهاتفي، أن تركيا شددت على دعمها واهتمامها بتونس، وأهمية الاستقرار والأمن فيها، دون إضافة مزيد من التفاصيل.
ويأتي ذلك في وقت رفض رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب ما حصل في تونس، قائلاً: "لا يمكن تعليق الدستور ولا توجد أي صلاحية دستورية للرئيس بإقالة رئيس الوزراء، ونأمل أن يتم حكم الشعب التونسي وفق إرادته".
كما بحث وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الثلاثاء، مع الرئيس التونسي قيس سعيّد التعاون بين البلدين وقضايا إقليمية.
جاء ذلك في بيان للخارجية الجزائرية، لم يتطرق للأزمة التونسية الحالية، عقب زيارة خاطفة أجراها لعمامرة لتونس، استمرت عدة ساعات.
وتأتي الزيارة غداة اتصال هاتفي بين رئيسي البلدين، بعد يوم من قرارات رئاسية تونسية عطلت البرلمان ومنحت سعيّد رئاسة السلطة التنفيذية.
كما تلقى الرئيس التونسي، الثلاثاء، رسالة شفوية من العاهل المغربي الملك محمد السادس، نقلها وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وأفاد بيان للرئاسة التونسية بأن "سعيّد استقبل بقصر قرطاج، بوريطة، مبعوثاً خاصاً (بوريطة) محمّلا برسالة شفوية موجّهة إلى رئيس الدولة من الملك محمد السادس"، دون الكشف عن فحواها.
من جهة أخرى، ذكرت وكالة الأنباء السعودية، الثلاثاء، أن "المملكة تؤكد ثقتها في القيادة التونسية، قائلة إنها تقف إلى جانب كل ما يدعم أمن تونس واستقرارها".
وذكرت الوكالة أن السعودية قالت أيضاً إنها "تحترم كل ما يتعلق بالشأن الداخلي التونسي وتعده أمرا سياديا، لتؤكد وقوفها إلى جانب كل ما يدعم أمن واستقرار الجمهورية التونسية الشقيقة، كما تؤكد ثقتها في القيادة التونسية في تجاوز هذه الظروف، وبما يحقق العيش الكريم للشعب التونسي الشقيق وازدهاره".