تونس: رهانات على اتحاد الشغل بمواجهة سعيّد

10 يونيو 2022
الطبوبي في احتفال شعبي بتونس، ديسمبر الماضي (سفيان حمداوي/فرانس برس)
+ الخط -

يواصل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، طريقه من دون أن يلتفت يميناً أو يساراً، نحو جمهورية جديدة، يكتب لها دستوراً مع عدد محدود من المقربين منه، مُقصياً كل الساحة التونسية تقريباً، أحزاباً وجمعيات ومنظمات، بتاريخها ونضالها وشعبيتها.

وفيما يسير سعيّد بحزم في مشروعه، يبدو معارضوه في المكان نفسه تقريباً، ولا جديد في ما يتعلق بإمكانية تجمّعهم، باستثناء اجتماعات متواترة يعقدها الاتحاد التونسي العام للشغل في الأيام الأخيرة.

ويقول اتحاد الشغل إنه "مستهدَف بشكل كبير" من السلطات، وفق إعلان أمينه العام نور الدين الطبوبي أمس الخميس. ولم يذكر الطبوبي تفاصيل عن "الاستهداف"، لكن مصادر مقربة من النقابة قالت، وفق وكالة "رويترز"، إن هناك خشية حقيقية من أن يستخدم سعيّد القضاء لضرب النقابة، بعد أن أقال 57 قاضياً الأسبوع الماضي.

ومن المتوقع أن تصدر محكمة الاستئناف قراراً في الفترة المقبلة، في قضية رفعها نقابيون آخرون في الاتحاد، للطعن في شرعية المؤتمر النقابي الذي أعاد انتخاب القيادة الحالية لاتحاد الشغل.

وقال رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمايدي، أمس الخميس، إن وزيرة العدل ليلى جفال طلبت من الرئيسة الأولى لمحكمة الاستئناف تكليف دائرة معينة وتحديد موعد لقضية الاتحاد، في تدخّل واضح للسلطة التنفيذية، حسب تعبيره. وأضاف الحمايدي أن سعيّد عزل هذه القاضية بعد رفضها تدخّل السلطة التنفيذية وضرب استقلالية القضاء.

مقابل ذلك، يسير سعيّد في مخططه لنشر الدستور الجديد في 30 يونيو/حزيران الحالي، ثم يعرضه على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز المقبل، ويتم التصويت عليه بمن حضر، مهما كان عدد المشاركين، وإذا فاقت الإجابات بنعم أغلبية الأصوات، يعتمد الدستور الجديد.

وعلى الرغم من أن اللجنة المكلفة من سعيّد بتأسيس "الجمهورية الجديدة" لم تجتمع إلا مرة واحدة، فقد استبق رئيسها الصادق بلعيد، المقررات، وأعلن عن بعض ملامح هذا الدستور، ومن بينها حذف المرجعية الإسلامية من الدستور، لأن الدولة لا دين لها، بحسب تفسيره للتلفزيون الرسمي، مساء أول من أمس الأربعاء.

وكذلك خرج صديقه أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، ليبشر بمنع الإضراب عن العمل في الدستور الجديد في قطاعات عديدة، مثل القضاء والأمن والجمارك وغيرها، بما يؤكد بوضوح أن هذا الدستور جاهز أصلاً ويتم الترويج له لاختبار رد الفعل السياسي والشعبي.

صورة المشهد المعارض التونسي

ويمكن تقسيم المشهد المعارض إلى أربعة مكونات مهمة، "جبهة الخلاص الوطني"، التي تجمع أحزاب النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وحزب أمل وحراك تونس الإرادة، ومبادرات مواطنية من أهمها "مواطنون ضد الانقلاب" و"توانسة من أجل الديمقراطية"، وحملة "إسقاط الاستفتاء"، وتضم الحزب الجمهوري والتكتل والتيار الديمقراطي وحزب القطب وحزب العمال. وهناك أيضاً الحزب الدستوري الحر، الذي يغرد وحده بعيداً عن بقية الأحزاب.

ويضاف إلى هذا المشهد المعارض الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي وجد نفسه مباشرة وضمنياً في المعارضة بعد إعلان رفضه المشاركة في الحوار، بل إن الصادق بلعيد قال إن غياب الاتحاد عن الحوار لم يؤثر في شيء على سير أعماله.

ولم يحدد الاتحاد بعد موقفه النهائي مما يحدث، ولا تموضعه النهائي بوضوح، وهو لا يزال يختبر مكونات وتفاصيل المشهد، وقد يسرّع الإضراب المقرر في 16 يونيو في تحديد هذه المواقف.

وحول عمل الاتحاد في المرحلة المقبلة، قال الطبوبي، أمس الخميس، على هامش مؤتمر دولي للشباب في قطاع النقل، بحضور ممثلي أكثر من 35 دولة، إن الاتحاد ماضٍ في إضرابه، وهو يعقد لقاءات مع القواعد النقابية، ليوضح خلفية هذا الإضراب وأسباب عدم مشاركته في الحوار الوطني.

ولا يوضح الاتحاد ما هي خياراته السياسية للفترة المقبلة، على الرغم من أنه كان يتحدث في وقت من الأوقات عن الخيار الثالث، أي بين خياري سعيّد وداعميه، و"النهضة" والمتحالفين معها، ولكنها خيارات ستتضح قريباً بالضرورة بحكم ضغط الوقت وروزنامة سعيّد ومواعيده القريبة.


لا يوضح الاتحاد العام التونسي للشغل ما هي خياراته السياسية للفترة المقبلة


ولكن سلسلة اللقاءات الأخيرة تبيّن أن المنظمة النقابية بصدد التفكير في خطوة مقبلة مهمة، خصوصاً أن الطبوبي أكد في أكثر من مناسبة أن الاتحاد لن يبقى مكتوف الأيدي أمام ما يحدث في البلاد، على الرغم من تركيزه على البعد الاقتصادي والاجتماعي في خطواته الأخيرة وعلى خلافه مع الحكومة، ولا يتحدث صراحة عن خطوات سياسية.

والتقى الطبوبي، أول من أمس الأربعاء، القائمة بالأعمال في السفارة الأميركية، ناتاشا فرانشيسكي، لـ"مناقشة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه تونس في الفترة المقبلة". وأكدت فرانشيسكي على "أهمية إشراك مختلف الأطياف التونسية لضمان عملية إصلاح اقتصادي شفافة وتشاركية وذات مصداقية" بحسب بيان للسفارة.

والتقى الطبوبي، الأربعاء أيضاً، السفير الألماني في تونس بيتر بروغل، بمعية ممثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الألمانية، توبيا تنكل، واستعرضا "كيفية دعم توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ودعم التجربة الديمقراطية التونسية" بحسب موقع الاتحاد. والتقى الطبوبي كذلك، خلال الأيام الثلاثة الماضية، عدداً من الجمعيات والمنظمات المهمة، وكذلك تنسيقية الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء، التي لم تتحوّل بعد إلى جبهة سياسية بين الأحزاب الخمسة.

وأوضح الأمين العام للحزب الجمهوري (أحد مكونات هذه التنسيقية)، عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الالتقاء بين الأحزاب الخمسة يأتي حول مهمة نعتبرها أولوية وطنية في الوقت الحالي، نتيجة اشتراكنا في قراءة الوضع السياسي الذي تمر به البلاد والتحديات التي تواجهها وخطورة المضي قدماً نحو تنظيم استفتاء على دستور لم يشارك في صياغته التونسيون، وهذا يضعنا أمام واقع سياسي جديد فرضه الرئيس سعيّد على التونسيين جميعاً".

وتابع الشابي: "لدينا إرادة مشتركة للدعوة إلى إفشال وإسقاط هذا الاستفتاء ومقاطعته، ولكن هذا اللقاء لم يرتق بعد إلى مستوى تكوين جبهة سياسية جديدة، لأننا على الرغم من التقائنا حول التمسك بالمنظومة الديمقراطية والمطالبة بالعودة إلى مسار دستوري، إلا أنها لم ترتق إلى تأسيس جبهة سياسية متفقة حول البدائل وخريطة طريق متوسطة وطويلة المدى". وبيّن أن "من أجل ذلك اخترنا تسميتها حملة وطنية بين الأحزاب، تتقاطع معها القوى المدنية، ولكن من دون إغلاق الباب، فقررنا عدم الإعلان عن جبهة قبل استيفاء النقاشات".

دور اتحاد الشغل في مواجهة سعيّد

وحول اللقاء الذي جمعهم باتحاد الشغل، قال الشابي إن "الاتحاد كان من أول القوى الوطنية الداعية إلى تنظيم حوار وطني منذ أكثر من سنة، ونبّه إلى خطورة المسار الذي دخلت فيه تونس منذ ذلك الوقت، وتعامل برصانة وحكمة مع الوضع، واليوم حسم موقفه نتيجة الانغلاق الشديد الذي تميز به الرئيس سعيّد".

وتابع: "الاتحاد في موقعه الصحيح، وانتصر إلى دوره التاريخي في الانتصار إلى الديمقراطية وإلى عملية إنقاذ حقيقية ورفض المشاركة في مسار حوار معلوم النتائج، وليس الأفضل لمواجهة التحديات التي تواجهها بلادنا اليوم".

وأضاف الشابي: "تقع على عاتق الاتحاد اليوم مهمة وطنية في لعب دور محوري بالتعاون مع الأحزاب والمنظمات، لخلق موازين قوى جديدة وازنة لدفع البلاد إلى حل تشاركي في إطار المشترك الوطني".

وكشف أن "اللقاء شكّل مناسبة لتقديم الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء واستمعنا إلى وجهة نظر الاتحاد، التي نتقاطع فيها معه، ولمسنا شعوراً لدى الأمين العام بأهمية اللحظة"، مشيراً إلى "أنه لن يكون للاتحاد دور وموقع سياسي بالمعنى الحزبي، بل بالتموضع الوطني الذي تحتاجه البلاد كما في العديد من المراحل السابقة".


الشابي: سعيّد يفرض دستوراً لم يشارك التونسيون فيه


واعتبر الشابي "أن الاتحاد شرع في تكوين جبهة أو قطب مدني مع عدد من المنظمات الوطنية، ونحن كأحزاب وحملة عبّرنا عن رغبتنا في التواصل معهم لإيجاد حلول لما تعيشه البلاد". وأشار إلى زيارة التضامن مع هياكل القضاء، يوم الثلاثاء الماضي، وإلى اللقاء المرتقب مع نقابة الصحافيين، اليوم الجمعة، مبيناً أنهم "بصدد إقامة جسور تعاون مع المجتمع المدني، من أجل خلق ديناميكية موحدة لخلق قوى جديدة قادرة على قلب موازين القوى".

وكان الأمين العام المساعد في اتحاد الشغل، صلاح الدين السالمي، قد قال يوم الأربعاء، في تصريح لوكالة "تونس أفريقيا للأنباء"، إن مقاطعة الاتحاد للحوار جاءت نتيجة قرار اتخذته هيئته الإدارية، وصفه بـ"الصائب".

وأكد أن "الاتحاد سيتابع مخرجات الحوار من عدة جوانب، من بينها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات العامة والفردية وسيصدر في شأنها موقفه"، مشدداً على أن "موقفه سيكون واضحاً في حال صدور أي مخرجات قد تمثل تراجعاً عن الحريات والحقوق العامة والفردية".

وذكر أن "اللقاءات التي تعقدها أخيراً قيادة الاتحاد مع ثلة من الأحزاب تأتي في إطار انفتاح المنظمة على كل الأطياف السياسية والمدنية"، معتبراً أن "أبواب الاتحاد دائماً مفتوحة لمن يطرقها من القوى المدنية التي تؤمن باستقلالية المنظمة ودورها الوطني".

وفي ما يتعلق بالموقف من الاستفتاء، قال السالمي: "حين تنشر الوثيقة الخاصة بالاستفتاء فإن المنظمة ستحدد موقفها إما مع أو ضد الاستفتاء"، لافتاً في المقابل إلى أن "الاتحاد العام التونسي للشغل لن يتحرج مطلقاً في حال اعتزامه القيام بتحرك سياسي، من ذلك تنفيذ الإضراب السياسي الذي كان قد نظمه عدة مرات سابقة".

وندّد السالمي بـ"تعرّض اتحاد الشغل إلى حملة نتيجة موقفه الرافض لبرنامج الإصلاحات الذي عرضته الحكومة"، مؤكداً أن "الاتحاد ضد تجميد الزيادة في الأجور لموظفي القطاع العام والوظيفة العامة".

المساهمون