لا تزال الأخبار تتواتر من حين إلى آخر، حول المقاتلين التونسيين في سورية والعراق، وسط حالة من التأهّب الشديد من الدولة التونسيّة واستعدادات أمنيّة عالية. وازداد ذلك بعد تأكد عودة 500 عنصر من تنظيم "داعش" إلى تونس ينشطون في شكل خلايا نائمة، بحسب ما كشف عنه وزير الدولة لدى وزير الداخلية، المكلف الملف الأمني، رفيق الشلي.
وباتت هذه المعطيات متوافرة بعد القبض على عدد من العناصر الإرهابية في العمليات الأمنية الأخيرة، في موازاة منع ألف تونسي من السفر، للانضمام إلى صفوف التنظيم المتطرف.
ويقول محللون، إنّ هذه الأرقام قابلة للارتفاع، وهو ما تؤكّده مصادر رسمية وحكومية أيضاً.
وتفيد إحصائيات وزارة الداخلية بأنّ 3800 تونسي، يقاتلون في سورية والعراق، عاد منهم 560 مقاتلاً لم يقع الكشف، إلى اليوم، عن أسباب عودتهم. ويبقى السؤال مطروحاً حول مدى قدرة الدولة التونسيّة على مواجهة هؤلاء، وأي استراتيجيات وُضعت لإفشال المخططات الارهابيّة في ظلّ الأوضاع المعقدة في ليبيا عدا عن التطورات الإقليمية.
وكان الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، أعلن عدم استعداده إقرار أي عفو عن المسلحين، وقال في حديث صحافي: "لن أعفو عمن رفع السلاح ضد تونس، أما بالنسبة للمتشددين الموجودين في سورية، فهؤلاء تونسيون مهما كانوا، وإذا أرادوا العودة فليعودوا، لكن بشرط الإقلاع عن السلوك المتشدد، وسندرس وضعهم حالة بحالة".
ويتساءل مراقبون عن الضمانات التي ينبغي توافرها لعدم عودة المقاتلين العائدين إلى السلوك المتشدّد. وفي هذا السياق، يؤكّد الباحث وأستاذ التاريخ السياسي، عبد اللطيف الحناشي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ "ممارسة القتل والإرهاب بكل أنواعه هو سلوك واحد"، لافتاً إلى أنّ "من سولت له نفسه قتل إخوة له، رغم الاختلاف معهم، لن يتردد في ممارسة ذلك على أبناء وطنه".
ويشير إلى أنّ "جزءاً كبيراً من الشباب التونسيين الموجودين في سورية والعراق مارسوا الإرهاب في تونس، قبل الثورة أو بعدها، وهربوا منها خوفاً من الملاحقة ولا يوجد مانع من أن يمارسوه مجدداً، عندما تحين لهم الفرصة"، معتبراً أن ما تحدث عنه السبسي "غير عمليّ ولا يطمئن التونسيين".
وتثبت دراسة أعدّها الحناشي بعنوان "المقاتلون التونسيون في سورية: خرائط التجنيد والمواصفات"، أن هناك "تضارباً كبيراً حول العدد الحقيقي لهؤلاء"، مشيراً في تصريحاته لـ"العربي الجديد"، إلى
"عوامل محفّزة للانتقال إلى القتال في سورية، بينها ما يتعلّق بإرث الجهاديين التونسيين، لناحية انضمام العديد من الشباب في أواخر التسعينيات إلى تنظيم "طالبان" وتكوين معسكر خاص بهم إلى جانب الدعاية الدينية المركّزة ضد النظام السوري ودور الدعاة العرب والمثقفين والسياسيين في التحريض".
ويعتبر الحناشي أنّ "توظيف وسائل الاتصال والتواصل الحديثة قد ساهم في عملية التجييش، وهو الدور ذاته الذي لعبته الشبكات والخلايا في ارتفاع عدد المقاتلين، من خلال تنظيم عمليات سفر الشباب التونسي "للجهاد" في سورية من أجل الربح المادي، عدا عن الدور الذي لعبته السجون في التأهيل الأيديولوجي والنفسي، بدعم من بعض الجمعيات الخيرية".
من جهته، يعتبر الرئيس الأسبق لمركز دراسات الأمن الشامل، نصر بن سلطانة، أنّه "انطلاقاً من مبدأ حق كلّ تونسي في العودة إلى بلاده مهما كانت طبيعة الجريمة التي ارتكبها، يجب الأخذ بعين الاعتبار ما قد يمثّله من خطر كبير، على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وبالتالي من الضروري أن يخضع هؤلاء إلى إجراءات أمنية وقضائية، مضمّنة بالأساس في قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب، إضافة إلى اتخاذ إجراءات لاحقة على مستوى التوعية الدينية والدعم الاقتصادي والإحاطة الاجتماعية".
ويدعو بن سلطانة إلى "ضرورة وضع مقاربة شاملة للتعامل مع ظاهرة الإرهاب وتهديداتها ضمن أولويات ومتطلبات الوضع الداخلي والإقليمي، إلى جانب التأكيد على أهمية التعاون الدولي والداخلي أمنياً وقضائياً ومالياً للحدّ، أكثر ما يمكن، من خطر تهديدات هذه الجماعات في الداخل والخارج".