تونس: جدل واسع بسبب ارتفاع فواتير قصر الرئاسة

26 سبتمبر 2022
سعيّد متهم بتبذير المال العام في ظلّ أوضاع اجتماعية ومعيشية صعبة (الأناضول)
+ الخط -

يواجه الرئيس التونسي قيس سعيّد انتقادات لاذعة من قبل معارضيه ونشطاء سياسيين، بعد تداول فواتير مرتفعة لتزويد مؤسسة الرئاسة باللحوم، وعروض تموين وإعاشة، وسط اتهامات بتبذير المال العام في ظلّ أوضاع اجتماعية ومعيشية صعبة.

وانطلقت سلسلة الاتهامات بعد تداول وثيقة على منصات التواصل الاجتماعي، تتمثل في طلب عروض من قبل مؤسسة رئاسة الجمهورية من موقع الصفقات العمومية، للتزود بكميات من اللحوم الحمراء بقيمة مليار و141 مليون دينار تونسي، وهو ما اعتبره سياسيون ونشطاء تبذيراً مبالغاً فيه من الرئيس الذي يطالب الشعب بالتقشف، بحسب تعبيرهم.

ولم تنفِ مؤسسة الرئاسة هذه الاتهامات، ولم توضح رسمياً إلى حدّ الآن ملابسات هذه الصفقات، وتفاقم الجدل بعد نشر طلبات تزود أخرى تهم القصر الرئاسي بعشرات الملايين، منها صالون وصفقات تموين غذائي.

وأقدم معارضون لسعيّد على مقارنة موازنة الرئاسة حالياً مع الموازنة خلال فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، حيث ارتفعت إلى نحو 170 مليون دينار في عام 2022 مقارنة بـ 108 ملايين دينار في موازنة 2018، سنة قبل إجراء انتخابات الرئاسة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي صعد عبرها سعيّد إلى الحكم، موضحين أن فترة حكم السبسي تميزت بكثرة السفر إلى الخارج واستقبال الوفود في سياق نشاطه الدبلوماسي الكثيف، مقارنة بسعيّد الذي تُعدّ مهماته في الخارج محدودة.

وبررت الرئاسة التونسية في وقت سابق، خلال مناقشات الموازنة في مجلس الشعب قبل تجميد البرلمان وحلّه بعد 25 يوليو/تموز 2021، رفع الموازنة إلى رواتب الموظفين والعاملين في القصر الرئاسي وفي المؤسسات التابعة لها، على غرار الحرس الرئاسي، وحماية الشخصيات الرسمية، الذين يبلغ عددهم نحو 3000.

وطالب القيادي في جبهة الخلاص جوهر بن مبارك، عبر صفحته في "فيسبوك"، بفتح تحقيق حول سبب "ارتفاع مشتريات رئاسة الجمهورية بأكثر من سبع مرّات منذ وصول قيس سعيّد إلى الرئاسة، ففي 2019، بلغ القسط عدد 1 لحوم حمراء 180 مليوناً، وفي 2022 بلغ قسط عدد 1 لحوم حمراء ملياراً و141 مليوناً"، بحسب تعبيره.

وعلّق القيادي في ائتلاف الكرامة زياد الهاشمي على صفحته في "فيسبوك" قائلاً: "فقط حتى نفهم كم الإسراف والتبذير والتعامل مع مال الشعب دون حسيب أو رقيب، في زمن يعيش الشعب في مجاعة حرفياً دون مبالغة". وأضاف" هذا هو النظام الرئاسي، فساد في الإدارة، تبذير مال الشعب، لا برلمان يراقب أو يحاسب، لا إعلام ينقد، لا مؤسسات في الدولة تحاسب وتطلب تفسيراً لكل هذا البذخ.. فقط رئيس يأخذ من خزينة الدولة قدر ما يحب دون حسيب أو رقيب".

واعتبر المحلل السياسي ماجد البرهومي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "الرئيس سعيّد يكتوي من نار الشعبوية التي غذاها وأسس عليها مشروعه، فهو لطالما هاجم من يخالفه الرأي ويعارضه، واتهمهم بالفساد ونهب أموال الشعب، والإثراء غير الشرعي، دون أن يقدم دليلاً، كما نستذكر حملته على مكونات المشهد، وتهم إهدار المال العام على حساب المواطن البائس الفقير".

ولفت إلى أن "دعوات الرئيس إلى التقشف خلال الحملة الانتخابية وفي خطاباته غذت مشاعر الغضب لدى التونسيين، الذين يعانون اليوم من فقدان أساسيات الحياة من المواد الغذائية، في وقت يتابعون فواتير وعروض التزود بالملايين".

واعتبر المتحدث أن "عدم توضيح مؤسسة الرئاسة، وغياب الرقابة وعدم مخاطبة الشعب للتوضيح أو الاعتذار، تزيد من الجدل ومن تفاقم الغضب المجتمعي". وبيّن أنه مع "احتدام الصراع السياسي، تصبح كل هذه الملفات أداة في الصراع والحرب الإعلامية".

من جهته، اعتبر أمين عام حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي أن ما يحدث شعبوي، قائلاً عبر حسابه في "فيسبوك": "الشعبوية لا نواجهها بشعبوية مماثلة، وحده صوت العقل كفيل بهزم الشعبوية وكشف خزعبلاتها".

أمّا القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني، فقال عبر حسابه في "فيسبوك"، إن "التصدّي لمنظومة قيس سعيّد الشعبويّة والفاشلة لا يكون بالحملات الفارغة والمغالطات والإشاعات والأكاذيب، كما يفعل هو وأنصاره، بالعكس، هي تزيده شعبية وتعاطفاً لدى جمهوره، وتضرب في نفس الوقت مصداقيّة معارضيه ومناوئيه".

وتابع العجبوني: "صفقات اللّحوم والمياه المعدنية وغيرها ليست صفقات قيس سعيّد وعائلته، بل هي صفقات مؤسسة الرئاسة وهي مبوّبة في ميزانيتها التي تناهز 170 مليون دينار في سنة 2022". وأضاف "مؤسسة الرئاسة لا تقوم بشراءات يومية أو أسبوعيّة من الأسواق كأي مواطن، بل في إطار صفقات تزويد لمدة طويلة نسبيّاً، وطبيعي جداً أن تكون المبالغ مرتفعة نوعاً ما"، مضيفاً: "ركّزوا على الأخطاء الجسيمة الحقيقية التي يقوم بها قيس سعيّد وتناقضاته العديدة وأكاذيبه وافتقاده للكفاءة والرؤية، وعلى حصيلته الهزيلة وعدم قدرته على تحسين المقدرة الشرائية للتونسيين والتونسيات"، بحسب تعبيره.

في مقابل ذلك، يصرّ أنصار الرئيس على أنها حملة شعبوية لإعاقته عن محاسبة الفاسدين والمناوئين، وهي حملة أطلقها الخصوم في سياق اتهامات لتشويهه، وعرقلة مسار بناء الجمهورية الجديدة.

وفسّر أنصار الرئيس ارتفاع كلفة اقتناء اللحوم الحمراء بعدد العاملين في القصر الرئاسي من أفراد الحرس والمرافقين والعاملين وضيوف القصر الرئاسي.

المساهمون