تونس: جدل داخل "مواطنون ضد الانقلاب" حول إنهاء الأزمة

27 ديسمبر 2022
تظاهرة لـ"مواطنون ضد الانقلاب"، فبراير الماضي (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

تشهد الساحة السياسية في تونس منذ انتخابات 17 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، جدلاً متواصلاً حول سبل الخروج من الأزمة، وسط حراك متصاعد ولقاءات متعددة ونقاشات فكرية وسياسية لبحث طريق عودة الديمقراطية أو الشرعية، أو حتى بحث أي مشترك بين الأفرقاء لمنع مزيد من التدهور، في مقابل تجاهل كبير من الرئيس قيس سعيّد ومناصريه لكل هذه النقاشات وحالة نكران تامة لرسائل نتائج الانتخابات.

ودخل مناصرو "جبهة الخلاص" و"مواطنون ضد الانقلاب"، في اليومين الماضيين، في نقاش عميق بين قيادات ومؤسسي هذه المبادرة المدنية السياسية التي تضم عدداً كبيراً من معارضي انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021.

ويتركز هذا الجدل خصوصاً حول مخاوف البعض مما يعتبرونه إمكان تقديم "جبهة الخلاص" تنازلات كبيرة تخلّ بالنضالات، مع وضع فيتو على الحوار مع بعض الأطراف ومنها الاتحاد التونسي للشغل ومنظمات المجتمع المدني.

بيان لقياديين في "مواطنون ضد الانقلاب"

وبرز هذا التوجه خصوصاً مع بيان صدر فجر أول من أمس الأحد، عن خمسة قياديين مؤسسين لـ"مواطنون ضد الانقلاب"، هم الأمين البوعزيزي، ومنير الكشو، وزهير إسماعيل، وأحمد الغيلوفي، والحبيب بوعجيلة، بعد طرح تذكير برؤية "مواطنون وبالمبادئ الرئيسية التي قادت شارعنا الديمقراطي وكفاحه الميداني في مقاومة الانقلاب".

وأشاروا إلى "إسقاط حراك مواطنون ضدّ الانقلاب بأحزابه ومبادراته المواطنية ومثقّفيه وأكاديمييه، منذ انطلاقه في سبتمبر/ أيلول 2021، سردية التفويض الشعبي للانقلاب من خلال الوقفات المواطنية المتعاظمة. وتأكد ذلك بالعزوف الشعبي عن المشاركة في الاستشارة والاستفتاء والانتخابات التي أنهته".


عبد اللطيف العلوي: لا اعتراف بأي حلول أو توليفات لا تقوم على مبدأ الشرعية المنبثقة عن دستور 2014

وشدّد الموقعون على البيان على أن "الحراك أقرّ خريطة طريقه وأرضية مقاومته على قاعدة الانتصار لدستور 2014 وللمؤسسات الديمقراطية، تأكيداً أن جوهر الصراع هو بين الديمقراطية والانقلاب. وبناءً على هذا المبدأ، فإن العنوان الرئيسي لنضال شارعنا اليوم هو أن تكون الشرعية الدستورية مرجعية لكل حل وطني تشاركي".

وأكدوا أن "كل التوافقات والحلول الوطنية للخروج من الأزمة التي وضع فيها الانقلاب البلاد يجب أن تكون في إطار دستور 27 يناير/ كانون الثاني 2014، باعتباره الدستور الوحيد والشرعي للبلاد. ولا نرى خريطة طريق وطنية تُغلق فعلياً قوس الانقلاب ما لم تحترم كلّ بنود هذا الدستور من دون أن تتناقض معها أو تُغفل بعضها أو تلتَفّ على بعضها الآخر".

وذكّروا بأن "الفصل 84 من دستور 2014 يقضي في حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية، بأن يتولى رئيس مجلس النواب مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لمدة أدناها 45 يوماً وأقصاها 90 يوماً، يتم فيها انتخاب رئيس جديد للبلاد، يتولى بعد ذلك حلّ مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. ويمكن للتفاوض الوطني أن يُجري ما أراد من تسويات سياسية ملائمة لتعديل تركيبة البرلمان الشرعي، والتصرف بمقتضى ذلك التعديل بما ينسجم مع روح الدستور"، في إشارة إلى إمكانية التوافق على انتخاب رئيس جديد للبرلمان غير راشد الغنوشي.

وقال الموقعون إن "مجلس النواب المنتخب سنة 2019 لا يزال قائماً وشرعياً ومعطّلاً عن النشاط وممنوعاً من الاجتماع بالقوة القاهرة للدولة"، مذكرين بـ"جلسة البرلمان عن بُعد في 30 مارس/ آذار الماضي، التي تمّ فيها إسقاط الأمر 117 الصادر عن قيس سعيد. وهو ما يجرّد كل القرارات والأوامر التي بُنيت عليه من كل شرعية، بما فيها دستور 25 يوليو الماضي المزعوم. وعلى هذا الحدث بالذات ندعو لتأسيس كل خطوات إنهاء الانقلاب والعودة إلى الشرعية".

وأقرّ الموقعون بأن "دستور 2014 لا يخلو من بعض الهنات، وأن مراجعته وتنقيحه أمر مشروع، على أن يتم ذلك وفق الآليات التي ضبطها هذا الدستور نفسه. وننبّه إلى خطورة إجراء أي استفتاء عليه أو على النظام السياسي للبلاد قبل إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة".

وشدّدوا على أن "الإطار الأمثل للحوار الوطني حول خريطة طريق من أجل إغلاق قوس الانقلاب، يجب أن يكون محل إجماع. ولا نرى في القيادة الحالية لمنظمة الشغيلة ولا غيرها من منظمات المجتمع المدني إطاراً راعياً للحوار، باعتبارها كانت طرفاً في الصراع".

ودعوا "جبهة الخلاص الوطني باعتبارها تمثل أكبر تجمّع سياسي ومدني مناهض للانقلاب، أن تتمسك بضرورة توفير الإطار التوافقي لتنظيم الحوار الوطني حول خريطة الطريق، والاستحقاقات العاجلة للمرحلة المقبلة (مراجعة القانون الانتخابي، إعادة تشكيل الهيئة العليا لمراقبة دستورية القوانين أو الاتفاق حول صيغة لاستكمال تشكيل المحكمة الدستورية، مراجعة القانون الداخلي لمجلس النواب ووظيفته الحصرية والمؤقتة، فضلاً عن إعادة تشكيل الهيئة العليا للانتخابات، وصيغ عودة المجلس الأعلى للقضاء الشرعي لسالف نشاطه...)".

وأعلن النائب في البرلمان المنحل عبد اللطيف العلوي تمسكه بما ورد في هذا البيان، وقال عبر صفحته على "فيسبوك": "لن أعترف بأي حلول أو توليفات لا تقوم على مبدأ الشرعية المنبثقة عن دستور 2014، مثلما ورد في هذا البيان الذي أعتبره أساساً سياسياً وقانونياً مرجعياً لمسار إسقاط الانقلاب وشروط بناء ما بعده".

جدل بعد بيان "مواطنون ضد الانقلاب"

ولكن بعد صدور بيان القياديين الخمسة، أوضح عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" جوهر بن مبارك، في صفحته على "فيسبوك"، أن "مواطنون ضد الانقلاب لم تصدر أي بيان"، وأن "ما صدر هو اجتهاد شخصي لمجموعة من الأصدقاء من الذين ساهموا في التجربة المشتركة، ولا يلزمهم إلا في أشخاصهم شكلاً ولا أرى شخصياً أنه يتطابق مع مضمون المبادرة الديمقراطية مضموناً".

واعتبر بن مبارك أن "أي وجهة نظر محترمة وتناقش كثيراً وعميقاً، خصوصاً من زاوية ملاءمتها للواقع السياسي والدستوري والمؤسساتي للبلاد، كما تناقش من جهة قدرة الأفكار الواردة فيها على بلورة تصوّر جامع، على قاعدة المشترك الوطني كشرط أساسي لعزل الانقلاب".

وأضاف أن "كل مبادرة في هذا المناخ يجب، حسب تصوّري، أن تهدف لتجميع الصف الوطني ضد الانقلاب بالبناء على المشترك المجمّع وليس لسرد تصوّر خلافي، يزيد من تشتيت المشهد وتفرقته وإضعاف فرص استعادة الديمقراطية واقتلاعها من براثن الانقلاب".


جوهر بن مبارك: مواطنون ضد الانقلاب لم تصدر أي بيان

وعن أسباب البيان ودوافعه والمخاوف من أن يقود إلى انقسامات في الصف الديمقراطي المعارض للانقلاب، أكد أحمد الغيلوفي، وهو أحد الموقعين على البيان، لـ"العربي الجديد"، أن "البيان صدر لأن مقاطعة الشعب لانتخابات 17 ديسمبر تعتبر حدثاً فارقاً، ونتصور أن تونس ما قبل 17 ديسمبر ليست تونس ما بعده، وهو بيان موجّه للجمهور الديمقراطي الذي قاوم الانقلاب طيلة عام ونصف، وكذلك للرأي العام الوطني والدولي".

وعن دوافعه والشروط الواردة فيه والسقف المرتفع للتفاوض، قال الغيلوفي: "صراحة، أصبحنا نخشى أن تُجَر جبهة الخلاص إلى مساومات وابتزاز تضطر به إلى تقديم تنازلات كبرى تخلّ بنضالات سنة ونصف السنة من الدفاع عن الشرعية الدستورية، وهذا سينتج ثقافة الانقلاب والهروب من العقاب وسيجعلنا شبيهين بدول أفريقية يقام فيها انقلاب كل يوم".

وحول مناقشة المبادرة مع بقية قيادات الحراك، شدّد الغيلوفي على أنه "أولاً نحن مؤسسو مواطنون ضد الانقلاب والمشروع هو روح وفكرة، وأي شخص بإمكانه الانتماء لها طالما أنه مناهض للانقلاب والانقلابيين وملتزم بعودة الشرعية، ومن موقف المواطنة وعدم الإقصاء والالتزام بالدفاع عن الديمقراطية باعتبارها الحل لهذا الشعب وكل الشعوب في اتجاه الإصلاح والنهضة والازدهار، فهي ملك للجميع وجميعهم لديهم الحق للتكلم باسمها، ومن أصدروا البيان هم مؤسسو الحراك".

وبيّن الغيلوفي أن "المقترح الوحيد العقلاني والواقعي لإدارة الأزمة هو العودة لدستور 2014، والعودة لمجلس النواب الشرعي ولو لشهر واحد، حتى يقوم بإصدار قانون انتخابي موجود الآن، وتمّت المصادقة عليه في عهد (الرئيس الراحل) الباجي قائد السبسي. وعلى المجلس إصدار قانون درءاً للفوضى، للمصادقة على حكومة إنقاذ وانتقال ديمقراطي لمدة سنة، يمكن من خلالها تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية متفق عليها".

وحول كيفية تحقيق هذه المبادرة عملياً بين كل الأطراف المتناقضة المكونة للمشهد التونسي، رأى الغيلوفي أنه "لا يجب تضييع الوقت في جلب المتناقضين وتحديد المتحاورين وإطار الحوار ومشرف الحوار والصراع حول المخرجات، فالأقرب للواقعية هو العودة إلى دستور 2014 والانطلاق منه وإيجاد حلول من داخل الدستور نحو تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها، وهو ما سيجنب الكثير من الصراع والفوضى ومضيعة الوقت".

وعن الخشية من الانقسام، قال الغيلوفي: "نحن لا نخشى الانقسام داخل الحراك والجبهة، بل متفقون، وكل يقوم بدوره في التفاوض والحوار وتحديد السقوف والخطوط الحمراء"، وتابع: "أصبحنا نخشى أن يتم استئناف الانقلاب بحيل أخرى، منها مقولات الحوار الوطني أو العقلانية أو الأمر الواقع ورغبة البعض في العودة إلى الوراء، وهي دعوة لا تستند إلى أي حجة أخلاقية أو قانونية أو شرعية، عدا أنهم يريدون العودة إلى برلمان لا يزنون فيه الشيء الكثير".

 

المساهمون