تونس... ثلاثة دساتير لا تكفي

11 يوليو 2022
قضى التونسيون سنوات يتجادلون حول دستور 2014 (Getty)
+ الخط -

بلد يعيش في ضوء ثلاثة دساتير، إن لم يكن أربعة. دستور 2014 الذي قضى التونسيون سنوات وهم يتجادلون حول فصوله وبنيانه، ودستور قيس سعيّد الذي ألقاه على رؤوس التونسيين من حيث لا يعلمون يوم 30 يونيو/حزيران الماضي لعرضه على الاستفتاء يوم 25 يوليو/تموز الحالي.

ثم هذا الدستور، أو النسخة المعدلة التي شملت 46 فصلاً بالتمام والكمال، من دون أن نحتسب طبعاً دستور الصادق بلعيد، رئيس اللجنة الذي عيّنه سعيّد ليكتب دستوراً، ثم ألقى به من النافذة.

يؤكد الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان مطول له الجمعة الماضي، أنّ "دستور 2014 النافذ إلى حدود هذا التاريخ لا يخوّل رئيس الجمهورية عرض دستور جديد على الاستفتاء"، ولكن الرئيس لا يسمع أحداً ولا يكترث لأي ملاحظة.

وبالمحصلة، فإن التونسي يجد نفسه في مواجهة بحار من النصوص الطويلة، المرهقة والمعدلة والمنقحة والمتضاربة، كل منها يقود إلى نظام حكم وطريقة حياة، وكل منها يدعي الحكمة ويعد برغد العيش، وهو لا يستطيع في الحقيقة أن يختار بينها بكامل إرادته، على عكس ما يدعيه مروجي هذه الدساتير.

ويطرح التونسيون سؤالاً بسيطاً على هؤلاء: هل ستغير هذه النصوص حياتنا الصعبة التي ثرنا من أجل تغييرها؟ ويجيب سعيّد بكامل الثقة أن التصويت على دستوره، الذي كتبه وحده، سيحقق أهداف الثورة، وهو، في نفس الجملة تقريباً، يسقط من حساباته جزءا من التونسيين الذي لا يرون الثورة كما يراها سعيّد، ويعتبرون أنها بدأت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 وتواصلت إلى 14 يناير/كانون الثاني 2011، ولم تتوقف. بينما هو يكتب تاريخ التونسيين كما يريد ويشتهي، ويقسم التونسيين بين أبرياء ومجرمين.

لا ينتبه الرئيس التونسي، ولا يسمع ربما، ما يردده الجميع تقريباً من أن هذا الدستور يسير مباشرة إلى تكريس حكم فردي مطلق، وديكتاتورية لا غبار عليها، ويطمئننا ليلة العيد بأن عهد التسلط انتهى، وعلينا تصديق ذلك لمجرد أنه قاله.

بينما، والحكم لم يستقر له نهائياً بعد، يزج بمعارضيه في محاكمات عسكرية، ويستبعد الأحزاب والمنظمات والتونسيين من أي تصور لمستقبل بلادهم، ويقف وحده على مسرح الأحداث في مونولوج طويل وممل، يقرر مصائر الناس وحده، ويقرأ تاريخهم وحده، ويؤسس لمستقبل أبنائهم وحده، متصوراً أن الأمر الواقع سيُفرض في نهاية الأمر، وأنه سينتهي بسكوت الجميع وقبوله.

ويمكن للرئيس طبعاً، والقوة بيديه، أن يكتب ما شاء من الدساتير، يعدلها ليلاً وفجراً كما يشاء، لكنها لن تُفرض على التونسيين. عهد التسلط انتهى فعلاً، وثلاثة دساتير لن تكفي لمسح التاريخ.

المساهمون