تونس تحاول إبعاد القضاة عن التجاذبات السياسية

10 يونيو 2021
القرار يكرس مبدأ الفصل بين السلطات (أمين الأندلسي/ الأناضول)
+ الخط -

أعاد قرار مجلس القضاء العدلي بتونس، أمس الأول الثلاثاء، إنهاء عمل عدد من القضاة بمؤسسات تتبع للحكومة والرئاسة وتخييرهم بين الاستقالة من القضاء أو العودة لمواقعهم، الحديث عن استقلالية القضاء وسط حالة من التفاؤل الكبير.
وأعلن مجلس القضاء العدلي، وهو جزء من المجلس الأعلى للقضاء الذي يضم أيضا مجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي، عن قراره المفاجئ وسط استبشار المتابعين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني والأوساط القانونية بإيجابية الخطوة، برغم بعض الاحترازات حول توقيت القرار وملابساته.
وذكر المجلس في بيان له، أنه "بعد تدارس مجلس القضاء العدلي لما آل إليه الوضع القضائي، أصدر قرارات بإنهاء إلحاق السادة القضاة العدليين الشاغلين لمناصب برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والوزارات والهيئات التي لا يفرض القانون وجوبية وجود قاض عدلي ضمن تركيبتها".
وفسر القرار بـ"الحرص على تكريس مبادئ الاستقلالية والحياد والنأي بالسلطة القضائية عن جميع التجاذبات السياسية"، مضيفا "وتأكيدا منه على المحافظة على سمعة القضاء والقضاة وكرامتهم والنأي بهم عن حملات التشكيك والتشويه ومحاولة الزج بهم في الصراعات السياسية، وانسجاما مع الدور الموكول للمجلس الأعلى للقضاء بمقتضى أحكام الدستور والقانون الأساسي المنظم له في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله".


عضو مجلس القضاء العدلي القاضي وليد المالكي أكد لـ"العربي الجديد"، أن القرار "يشمل تقريبا 10 قضاة، وهو بلاغ (بيان) يتضمن 10 قرارات فردية تتعلق بإنهاء إلحاق قضاة يشغلون مناصب بالحكومة وبرئاسة الجمهورية أو الهيئات التي لا يفرض القانون وجود قاض عدلي بتركيبتها".
وأشاد بالخطوة "لأنها تنتصر لقيم الاستقلالية والحياد ولقيم نظام الجمهورية والديمقراطية التشاركية وللدستور المؤسس على مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها".
وتابع قائلا "البلاغ الصادر وبما تضمنه من قرارات هو بلاغ تأسيسي لأنه يؤسس لعقد جديد بين القضاة والساسة، خاصة بعد تقلد عدد من القضاة لمناصب سياسية برزت خاصة خلال الفترة الأخيرة"، مؤكدا أن "هذا القرار يؤسس لقانون أساسي للقضاة مع العلم". 
وأردف المالكي موضحا "القانون المعمول به هو قانون سنة 1967، ولكن أصبحت هناك فلسفة جديدة للقضاة التونسيين تقوم على الاستقلالية والحياد، والمجلس حاول الانتصار لهذه المبادئ والتأسيس لعقد جديد ولقانون أساسي حتما سيأخذ بعين الاعتبار هذا القرار عند وضع القواعد الخاصة بإلحاق القضاة ببعض المناصب وللفصل بين السلطات وهو ما يعتبر هاما جدا".
وأكد أن "هذا القرار جديد وثوري وجريء وسيحاول القطع مع ممارسات معينة ولكي لا يكون القضاء موضوع صراعات سياسية، وقد خلف القرار ارتياحا على مستوى القضاة، وحتى لدى الرأي العام، على أمل أن تتبعه قرارات أخرى في اتجاه الإصلاح ودعم الدولة المدنية الحديثة".
ولفت المالكي إلى أن هذا القرار "صدر عن القضاء العدلي، وفي القضاء هناك فرعان آخران، وهما مجلسا القضاء الإداري والمالي، ويعتبر القضاء العدلي حساسا جدا ونقاط التماس مع المجال السياسي كبير، وهو يتضمن قضايا الحق العام والحقوق والحريات وما يتعلق بالأحكام القضائية السالبة للحرية، وبالتالي هو أم القضايا والأصل وأي تماس بينهما قد يكون خطيرا".
وقال إن "القضاء العدلي يضم نحو 2400 قاضي وهو عدد هام، ولذلك عندما تمت ملاحظة أن المسألة تداخلت أصبح من الصالح وضع حد لهذا الأمر نظرا لحساسية الموضوع"، مضيفا أنه "في ما يتعلق بالقضاء الإداري والمالي فمتروك لمجلسيهما وضع التصورات الخاصة بما فيه صالح القضاء والقضاة".
ويطرح موضوع الفصل بين السلطات بشدة في تونس، حيث تداخلت المواقع وأفرزت حالة من الشكوك بسبب هذا التداخل. وتبعا لغياب الثقة بين مؤسسات الدولة والأحزاب على مدى السنوات الماضية، لجأت الحكومات إلى وضع ما يعرف بـ"شخصيات حيادية" في المناصب الحساسة، وخاصة في وزارات العدل والدفاع والداخلية، ولكن تعيين القضاة امتد إلى مناصب أخرى في الوزارات وعلى رأس مؤسسات وطنية وفي خطط استشارية.
ومن بين القضاة الذين تم تعيينهم في مناصب وزارية بالحكومات المختلفة القاضي محمد بوستّة (وزارة العدل)، والقاضية ليلى جفّال (وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية)، والقاضي أحمد عظّوم (وزارة الشؤون الدينية)، والقاضية حسناء بن سليمان (وزارة الوظيفة العمومية)، والقاضية ثريا الجريبي (وزيرة مكلفة بملف العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني)، والقاضي لطفي بن جدو (وزارة الداخلية)، والقاضي رشيد الصباغ (وزارة الدفاع)، والقاضية ليلى بحرية (خطة كاتبة دولة لدى وزير الشؤون الخارجية)، والقاضي عماد الحزقي (رئيس الهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة).

بدوره، اعتبر المحلل السياسي قاسم الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الخطوة "إيجابية لأنه كثر الحديث منذ سنوات وخاصة خلال الفترة الأخيرة حول تورط القضاء في السياسة وتدخل السياسة في القضاء، وبالتالي أهمية هذه الخطوة تكمن في كونها محاولة لإبعاد القضاء والقضاة عن التجاذبات السياسية، لأن الوضعية تمس سمعة المرفق القضائي".
وأوضح الغربي أنه "من المهم جدا إبعاد القضاء عن السياسة وعن التجاذبات"، مشيرا إلى أنه "يتردد أيضا أن القضاء الإداري قد يتخذ الخطوة نفسها، وبالتالي فالقرار له جوانب إيجابية، ولكنها قد تربك مرحليا المؤسسات السياسية، إذ ستجد الدولة نفسها مضطرة لإعادة عديد التعيينات وهو ما قد يربكها".
وبين أن "القضاة موجودون في رئاسة الجمهورية، والناطقة الرسمية للحكومة الحالية حسناء بن سليمان هي قاضية ويتعين تنحيتها بحسب هذا القرار، وبالتالي تظل خطوة هامة لو أنها تتم دون أن تربك مؤسسات الدولة".

المساهمون