تونس تتلمس طريق الخروج من الأزمة: مبادرات عدة أساسها الحوار

17 فبراير 2022
تطرح القوى السياسية حواراً وطنياً وترفض التفاف سعيد على النهج التشاركي (جون ثيس/فرانس برس)
+ الخط -

تعددت المبادرات الداعية إلى حوار وطني في تونس ينهي الأزمة السياسية التي تقبع فيها البلاد منذ أشهر من دون نتيجة، بسبب الشروط التي يرفعها كل طرف في وجه الآخر، وتحوّل مسار إطلاق حوار وطني سياسي إلى مصدر للخلاف في حد ذاته، لتزداد العقبات حدة منذ تفرد الرئيس التونسي قيس سعيّد بالسلطات ورفضه الحوار إلا مع من يعتبرهم "صادقين" و"مخلصين". 

ومنذ بداية العام، طرح سعيّد استشارة إلكترونية حول عدد من المحاور التي تهم النظام السياسي والانتخابي، ونقاطا خلافية ينوي اعتماد محصلتها في الاستفتاء الذي ينوي إجراءه لتغيير منظومة الحكم والدستور، غير أن الأحزاب والمنظمات اعتبرتها التفافا حول مطلب الحوار الحقيقي والنهج التشاركي لتعديل أي من النصوص السابقة. 

اتحاد الشغل التونسي: برنامج للإنقاذ الفعلي

وتتفق غالبية الطيف السياسي والحزبي والنقابي على أنه لا مخرج للبلاد من دون إجراء حوار وطني حول جميع القضايا المطروحة، غير أن الاختلاف يكمن في تقديرات كل طرف لشكل الحوار وشروطه، ما عطّل أغلب المبادرات المطروحة.

وجدّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، في كلمته بمناسبة انعقاد المؤتمر الـ25 لمنظمة الشغيلة بصفاقس، دعوته إلى "حوار وطني حقيقي وتشاركي، خصوصا أنّ الوضع ازداد تعقيدا وخطورة وتهديدا لوحدة تونس"، وفق قوله.

واعتبر الطبوبي أنّ "الاستشارة الإلكترونية التي تمّ الإعلان عنها لا يمكن أن تحلّ محلّ الحوار"، داعيا إلى "وضع برنامج للإنقاذ الفعلي وإنفاذه مهما كانت الضغوطات والتحديات". 

وبيّن الطبوبي أنّه "رغم توق المجموعة الوطنية لتصحيح المسار والقطع مع عشرية الفساد والخراب، إلاّ أنّ الآمال بدأت تتبدّد شيئا فشيئا، خاصّة مع رفض الحوار والتفاعل الجدي مع كلّ القوى السياسية والاجتماعية"، في تغييب تام للمسائل الاقتصادية والاجتماعية الملحّة و"افتقاد رؤية واضحة لاستشراف المستقبل والمضي على نهج الإصلاح". 

وقال القيادي في حزب النهضة وعضو مكتبها التنفيذي محسن السوداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الحوار هو السبيل الأمثل للتوصل إلى حلول، ومنذ مدة ليست بالقصيرة، كنا نادينا بإجراء حوار وطني شامل وساندنا الاتحاد في مبادرته، ودعونا السيد رئيس الجمهورية إلى الإشراف عليه باعتباره رمزًا للوحدة الوطنية وليس له انتماء حزبي ولديه مقبولية واسعة. ورغم ما أقدم عليه منذ 25 جويلية، فإننا ما زلنا نعتبره جزءًا من الحلّ، وذلك بخلاف أطراف أخرى كانت دعمته في إجراءاته وقتها وتدعو اليوم إلى تنحيته ومحاكمته". 

وأضاف السوادني "الاتحاد مظلة وطنية، وقد كانت له سابقة مميزة في إدارة الحوار والخروج من الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد سنة 2013، ونحن نؤيد دعوته اليوم إلى إطلاق حوار وطني". 

وتابع "أما شكل الحوار الآن وجِهَةُ الإشراف عليه وما إذا كان برعاية الاتحاد أو بالتنسيق معه، فهي تفاصيل لا تهمّ كثيرا أمام قيمة الحوار في حد ذاته باعتباره دالاّ على منسوب عال من الوعي السياسي والحضاري. ولا بديل عنه إلا الفرقة وضياع مصلحة الوطن". 

وشدد السوادني على أن "وضع شروط قبلية للتواصل هو أمر يتناقض مع مبدأ الحوار، بل إن ذلك يعد إقصاءً وتعميقا للأزمة، فقيمة الحوار تكمن في اللقاء التواصلي بين المختلفين، لأن الحوار بين المتماثلين ليس حوارًا بل هو أقرب إلى رجع الصوت". 

تقارير عربية
التحديثات الحية

ائتلاف الكرامة: حوار بمظلة شرعية

من جانبه، اعتبر رئيس المكتب السياسي لحزب إئتلاف الكرامة يسري الدالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحوار يجب أن يكون في إطار الشرعية وتحت قبة مجلس نواب الشعب، ولا يمكن أن يكون خارج المؤسسات". 

وقال الدالي: "نحن حزب نؤمن بالتواصل والحوار ولسنا مع إقصاء الآخر"، مشددا على أن "السياسة بالأساس حوار وتواصل"، مشيرا إلى أن "الحوار الناجع يحتاج شروطا تتطلب توافقا بين جميع الأطراف، تقوم على مبادئ وعوامل لإنجاح هذا الحوار". 

وأضاف الدالي "نحن في هذا الوضع في أشد الحاجة إلى حوار وطني، ولكن ليس بشروط الكرامة وحدها ولا بشروط الطبوبي وحده أو شروط سعيّد وحده أو النهضة أو التيار أو الجمهوري بمفردهم". 

وبين المتحدث أن "الأمر يتطلب تجميع العقلاء من جميع مكونات مجلس نواب الشعب، ولِمَ لا داخل قبة المجلس؟ كما يتطلب الحوار من أجل إنقاذ البلاد مرونة، من دون أي شروط مسبقة". 

وحول قبول ائتلاف الكرامة التحاور مع اتحاد الشغل، حيث إن بينهما خلافات، قال الدالي "نحن مستعدون للحوار مع كل طرف نرى فيه ومعه إنقاذ البلاد، فليس همّنا كرسي البرلمان والسلطة ولكن كيفية إنقاذ البلاد من الهاوية". 

وحول إمكانية الحوار مع الرئيس سعيّد، قال رئيس الهيئة السياسية لحزب الكرامة إن "هذا الأمر ما زال محل نقاش داخل الحزب، ونحن حزب ديمقراطي ولسنا حزبا فاشيا"، مرجحا أن تقبل الأغلبية في ائتلاف الكرامة الانحياز إلى حوار من أجل إنقاذ الوطن مع أي كان". 

حوار بمشاركة سعيّد

من جانبه، أكد الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي "أن تنسيقية الأحزاب الديمقراطية (الحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي والتكتل) التي دعت لتنظيم حوار وطني، تقدّمت بورقة عمل، وعلى ضوئها سيتم تحديد مواعيد للاتصال بالأحزاب الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني للنظر في إمكانية مشاركتها في هذا الحوار". 

وأضاف الشابي، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، أن "الحوار الوطني سينطلق جامِعًا كلَّ الطيف السياسي من دون إقصاء، وعدم مشاركة رئيس الجمهورية فيه ليس موقفًا مبدئيًا، فنحن لا نقصي سعيّد من الحوار"، قائلا: "سيتم عرض ورقة العمل على الاتحاد العام التونسي للشغل". 

وأفاد الشابي أن "حركة النهضة معنية بالحوار الوطني باعتبارها معنية بالبحث عن حل للأزمة التي تمرّ بها البلاد". 

ومن جانب آخر، اعتبر القيادي في حركة الشعب عبد الرزاق عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نجاح المحطات السياسية المطروحة من رئيس الجمهورية تحتاج نفسا تشاركيا"، مشيرا إلى أن "حركة الشعب تعمل على إنجاح المرحلة القادمة والإصلاحات المطروحة".

وشدد عويدات على أنه "لا يمكن النجاح في إنجاز هذه الإصلاحات السياسية على مستوى تعديل الدستور والقانون الانتخابي والنظام السياسي، إلا بتشاركية حقيقية بين كل القوى السياسية المساندة مسار 25 جويلية (تموز)". 

وفسر بأن "الحوار يجب أن يكون بين الأطراف الداعمة لمسار 25 جويلية، ولا يمكن أن يشارك فيه من يرفضون هذا المسار أصلاً". 

وتابع بأن "الحوار والنقاش بين الأحزاب والمنظمات المؤمنة بضرورة إصلاح ما حدث قبل 25 جويلية يجب أن يفرزا مقترحات ومخرجات تمثل مسودة للدستور الجديد وللنظام السياسي وللقانون الانتخابي الجديد، يتم عرضها على استفتاء شعبي عام في 25 جويلية 2022 كما أعلنه الرئيس". 

وبين عويدات أن "الأحزاب الرافضة مسار 25 جويلية، على غرار حركة النهضة، بوسعها المشاركة في هذا الاستفتاء، والتصويت بالرفض على مخرجات الحوار". 

وبين أن نتيجة الاستفتاء بنعم أو لا ستحدد إما إقرار الدستور الجديد المتفق عليه في الحوار أو العودة إلى دستور 2014 وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها. 

المساهمون