منذ حادثة الاعتداء على متحف "باردو" في تونس، زاد اهتمام التونسيين بمسألة الإرهاب ودور الإعلام في تغطيتها، والبحث في كيفيّة التوفيق بين مقاومة الإرهاب والتصدّي له، واحترام حقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق، نظّمت الهيئة المستقلّة للاتصال السمعي البصري والنقابة الوطنيّة للصحافيين، واتحاد إذاعات الدول العربيّة ورشات عمل لمناقشة الأمر.
تعاطي الإعلام التونسي
"لا يزال الإعلام التونسي في مرحلة تحسّس طريقه في التعامل مع ظاهرة الإرهاب، خاصةً وأنّ التعاطي الإعلامي مع الإرهاب اختلف بعد الثورة التونسيّة عمّا قبلها. ففي عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كان هناك صوت إعلامي واحد، هو الإعلام الرسمي، بينما اليوم، وفي ظلّ حريّة أكبر لوسائل الإعلام، اختلفت المقاربات، والتي قد تُصيب حيناً وتخطئ أحياناً أخرى"، بحسب ما يرى حمادي الغيداوي، رئيس تحرير الأخبار في القناة الوطنيّة الأولى الرسميّة، في حديثه لـ "العربي الجديد".
رأي الغيداوي، يتشاركه معه عضو الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري، رياض الفرجاني، والذي يُشير إلى "التطوّر المهم الذي شهده الإعلام التونسي في التعاطي مع ظاهرة الإرهاب". ويرى الفرجاني أنّ "هذا التطوّر مكّن الإعلام التونسي من تجاوز الأخطاء التي وقع فيها في بداية تغطيته لملفّ الإرهاب في فترة ما بعد الثورة التونسيّة". ويُضيف: "مع ذلك رصدنا أخطاء عدّة في تعاطي الإعلام السمعي البصري في تونس مع حادثة متحف باردو، في الفترة الممتدة من 18 إلى 24 مارس/آذار، والتي يُمكن حصرها في 28 إخلالاً مهنياً".
وبحسب حديث الفرجاني لـ "العربي الجديد"، توزّعت أخطاء وسائل الإعلام في أربعة محاور، كان بينها "عدم احترام سلامة الأشخاص، وبثّ معلومات من شأنها أن تؤثر على سير العمليات الأمنية، وتبرير الإرهاب عن غير قصد، وعدم الأخذ بالاعتبار حقوق الجمهور، بالإضافة إلى المقايضة بين الأمن وحقوق الإنسان".
إقرأ أيضاً: تونس: الحريات والحقوق في مهبّ "مكافحة الإرهاب" اليوم
حقوق الإنسان في خطر
تُعتبر "المقايضة بين الأمن وحقوق الإنسان"، من أكبر "المزالق" التي قد يسقط فيها الإعلام "حرصاً منه على الأمن العام". هُنا، يرى نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، أنّه "من المهم جداً التصدي للإرهاب ومكافحته، لكنّ الكثير من المهتمين بحقوق الإنسان وحرية الصحافة يخشون السقوط في متاهة الاستبداد باسم مقاومة الإرهاب".
ويدعو البغوري، في حديث لـ "العربي الجديد" إلى "الاستفادة من التجربة المصرية في هذا المجال"، حيث يرى البغوري أنّ الإعلام المصري وقع في مأزق إعادة استبداد الدولة، باسم "مقاومة الإرهاب".
ليس بعيداً عن رأي البغوري، ما تراه مديرة مكتب منظّمة "هيومن رايتس ووتش" في تونس، آمنة القلالي. فالأخيرة تعتبر أنّ "من دور الإعلام الدفاع عن حقوق الإنسان مثل دوره في مقاومة الإرهاب". وتعبّر القلالي عن الخشية من الخلط بين الدفاع عن حقوق الإنسان ومقاومة الإرهاب في بعض البرامج الإعلاميّة. وتسأل في حديثها لـ"العربي الجديد": "هل يعقل أنني عندما أدافع عن حقوق الإنسان في التعاطي مع ملفّ الإرهاب أن أتهم بأنني أبرر الإرهاب؟".
وتشدد القلالي على "ضرورة تحميل كل طرف مسؤوليته في التعامل مع ظاهرة الإرهاب، مع الاحترام التام لحقوق الإنسان، ومنها عدم الانسياق إلى توصيف الأفراد بالإرهابيين من قبل الإعلام قبل صدور أحكام قضائية تؤكد ذلك".
التخوّف من عودة الاستبداد تحت مسمى مقاومة الإرهاب والحدّ من حريّة الرأي والتعبير، يُشير إليه أيضاً كاتب عام المنظمة التونسيّة لمناهضة التعذيب، منذر الشارني، والذي يدعو "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والمنظمات الحقوقية إلى ضرورة الانتباه إلى الفصول 20 و30، والفقرة الخامسة من الفصل 33 في قانون الإرهاب الذي قدمته الحكومة التونسية مؤخراً إلى مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه، لما فيها من اعتداء أو تسامح في الاعتداء على حرية الرأي والتعبير باسم مقاومة الإرهاب، وهو ما يجب التفطّن إليه والدعوة إلى تعديل هذه الفصول حتى لا تصبح مدخلاً لعودة الاستبداد"، بحسب ما يقول الشارني لـ "العربي الجديد".
إقرأ أيضاً: "لنتحد من أجل الحريات".. حملة تضامن عالمية مع تونس
منظمات حقوقية في مرمى الاتهام
وكانت مقاومة الإرهاب والتصدي له ذريعةً للمحللين السياسيين المحسوبين على نظام المخلوع بن علي، لمهاجمة المنظّمات الحقوقيّة، وهو ما حصل في برامج على قناتي "نسمة تي في" و"الحوار التونسي"، وإذاعة "المنستير". هذا الأمر، تراه المناضلة الحقوقيّة نزيهة رجيبة، "عمليّة تبييض لنظام المخلوع من خلال التهجم على المنظمات الحقوقيّة، واتهامها بالدفاع عن الإرهابيين، وهو ما يُعدّ مدخلاً لهؤلاء للعودة إلى الحياة العامة بعد أن خرجوا منها أثناء الثورة".
وتُضيف رجيبة: "هؤلاء لا يُفوّتون فرصة حضورهم في البرامج التلفزيونية والإذاعية لمهاجمة المنظمات الحقوقية، هذه المنظمات التي وقفت ضدّ نظام بن علي، وأدت دورها في مناصرة مطالب الشعب التونسي المشروعة، لكن يبدو أنهم تحينوا فرصة العمليات الإرهابية، وحالة الرفض التي يعلنها الشعب التونسي لمثل هذه الأعمال، وجعلها جسراً يعودون من خلاله إلى ربح مواقع جديدة في الساحة الإعلامية ولدى الرأي العام التونسي".
وتُشير رجيبة إلى أنّ "المنظمات الحقوقية مطالبة بأداء دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان، بغضّ النظر عن هذه الأصوات التي تحاول توظيف الأحداث في خدمة مصالحها الضيقة، علماً أن منظمات مثل "الربطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" وقفت ضدّ كل محاولة لضرب حقوق الإنسان، إيماناً بأن منظومة حقوق الإنسان تتعالى على الراهن السياسي، وتعمل من أجل أن تسود القيم النبيلة لحقوق الإنسان دون تحيز لانتماء سياسي أو عقائدي أو جغرافي، وذلك سرّ نجاحها".
إقرأ أيضاً: تونس تراقب المواقع التكفيريّة وعاجزة عن حجبها
المعادلة الصعبة
مقاومة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان والتعاطي الإعلامي السليم مع هذه الظاهرة تبدو المعادلة صعبة، لكنّها ممكنة التحقيق كما يُشير رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، والذي يقول: "المعادلة صعبة، كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بدورها دون الترويج للإرهاب وخدمة استراتيجية الإرهابيين؟ وكيف يمكن أن نتفادى أن تقوم الحكومات بالتضييق على الحريات؟".
لكنّ اللجمي يعتبر في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ "الإرهاب ظاهرة عالمية؛ وهو في الآن ذاته ظاهرة إعلامية، خاصة في ظل تمكن الإرهابيين من حسن استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، والرغبة الكبيرة من قبل وسائل الإعلام في السبق الصحافي دون مراعاة في بعض الأحيان للضوابط المهنية وحقوق الإنسان".
إقرأ أيضاً: سفيان شورابي ونذير القطاري... 212 يوماً على الاختطاف
تعاطي الإعلام التونسي
"لا يزال الإعلام التونسي في مرحلة تحسّس طريقه في التعامل مع ظاهرة الإرهاب، خاصةً وأنّ التعاطي الإعلامي مع الإرهاب اختلف بعد الثورة التونسيّة عمّا قبلها. ففي عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كان هناك صوت إعلامي واحد، هو الإعلام الرسمي، بينما اليوم، وفي ظلّ حريّة أكبر لوسائل الإعلام، اختلفت المقاربات، والتي قد تُصيب حيناً وتخطئ أحياناً أخرى"، بحسب ما يرى حمادي الغيداوي، رئيس تحرير الأخبار في القناة الوطنيّة الأولى الرسميّة، في حديثه لـ "العربي الجديد".
رأي الغيداوي، يتشاركه معه عضو الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصري، رياض الفرجاني، والذي يُشير إلى "التطوّر المهم الذي شهده الإعلام التونسي في التعاطي مع ظاهرة الإرهاب". ويرى الفرجاني أنّ "هذا التطوّر مكّن الإعلام التونسي من تجاوز الأخطاء التي وقع فيها في بداية تغطيته لملفّ الإرهاب في فترة ما بعد الثورة التونسيّة". ويُضيف: "مع ذلك رصدنا أخطاء عدّة في تعاطي الإعلام السمعي البصري في تونس مع حادثة متحف باردو، في الفترة الممتدة من 18 إلى 24 مارس/آذار، والتي يُمكن حصرها في 28 إخلالاً مهنياً".
وبحسب حديث الفرجاني لـ "العربي الجديد"، توزّعت أخطاء وسائل الإعلام في أربعة محاور، كان بينها "عدم احترام سلامة الأشخاص، وبثّ معلومات من شأنها أن تؤثر على سير العمليات الأمنية، وتبرير الإرهاب عن غير قصد، وعدم الأخذ بالاعتبار حقوق الجمهور، بالإضافة إلى المقايضة بين الأمن وحقوق الإنسان".
إقرأ أيضاً: تونس: الحريات والحقوق في مهبّ "مكافحة الإرهاب" اليوم
حقوق الإنسان في خطر
تُعتبر "المقايضة بين الأمن وحقوق الإنسان"، من أكبر "المزالق" التي قد يسقط فيها الإعلام "حرصاً منه على الأمن العام". هُنا، يرى نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، أنّه "من المهم جداً التصدي للإرهاب ومكافحته، لكنّ الكثير من المهتمين بحقوق الإنسان وحرية الصحافة يخشون السقوط في متاهة الاستبداد باسم مقاومة الإرهاب".
ويدعو البغوري، في حديث لـ "العربي الجديد" إلى "الاستفادة من التجربة المصرية في هذا المجال"، حيث يرى البغوري أنّ الإعلام المصري وقع في مأزق إعادة استبداد الدولة، باسم "مقاومة الإرهاب".
ليس بعيداً عن رأي البغوري، ما تراه مديرة مكتب منظّمة "هيومن رايتس ووتش" في تونس، آمنة القلالي. فالأخيرة تعتبر أنّ "من دور الإعلام الدفاع عن حقوق الإنسان مثل دوره في مقاومة الإرهاب". وتعبّر القلالي عن الخشية من الخلط بين الدفاع عن حقوق الإنسان ومقاومة الإرهاب في بعض البرامج الإعلاميّة. وتسأل في حديثها لـ"العربي الجديد": "هل يعقل أنني عندما أدافع عن حقوق الإنسان في التعاطي مع ملفّ الإرهاب أن أتهم بأنني أبرر الإرهاب؟".
وتشدد القلالي على "ضرورة تحميل كل طرف مسؤوليته في التعامل مع ظاهرة الإرهاب، مع الاحترام التام لحقوق الإنسان، ومنها عدم الانسياق إلى توصيف الأفراد بالإرهابيين من قبل الإعلام قبل صدور أحكام قضائية تؤكد ذلك".
التخوّف من عودة الاستبداد تحت مسمى مقاومة الإرهاب والحدّ من حريّة الرأي والتعبير، يُشير إليه أيضاً كاتب عام المنظمة التونسيّة لمناهضة التعذيب، منذر الشارني، والذي يدعو "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والمنظمات الحقوقية إلى ضرورة الانتباه إلى الفصول 20 و30، والفقرة الخامسة من الفصل 33 في قانون الإرهاب الذي قدمته الحكومة التونسية مؤخراً إلى مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه، لما فيها من اعتداء أو تسامح في الاعتداء على حرية الرأي والتعبير باسم مقاومة الإرهاب، وهو ما يجب التفطّن إليه والدعوة إلى تعديل هذه الفصول حتى لا تصبح مدخلاً لعودة الاستبداد"، بحسب ما يقول الشارني لـ "العربي الجديد".
إقرأ أيضاً: "لنتحد من أجل الحريات".. حملة تضامن عالمية مع تونس
منظمات حقوقية في مرمى الاتهام
وكانت مقاومة الإرهاب والتصدي له ذريعةً للمحللين السياسيين المحسوبين على نظام المخلوع بن علي، لمهاجمة المنظّمات الحقوقيّة، وهو ما حصل في برامج على قناتي "نسمة تي في" و"الحوار التونسي"، وإذاعة "المنستير". هذا الأمر، تراه المناضلة الحقوقيّة نزيهة رجيبة، "عمليّة تبييض لنظام المخلوع من خلال التهجم على المنظمات الحقوقيّة، واتهامها بالدفاع عن الإرهابيين، وهو ما يُعدّ مدخلاً لهؤلاء للعودة إلى الحياة العامة بعد أن خرجوا منها أثناء الثورة".
وتُضيف رجيبة: "هؤلاء لا يُفوّتون فرصة حضورهم في البرامج التلفزيونية والإذاعية لمهاجمة المنظمات الحقوقية، هذه المنظمات التي وقفت ضدّ نظام بن علي، وأدت دورها في مناصرة مطالب الشعب التونسي المشروعة، لكن يبدو أنهم تحينوا فرصة العمليات الإرهابية، وحالة الرفض التي يعلنها الشعب التونسي لمثل هذه الأعمال، وجعلها جسراً يعودون من خلاله إلى ربح مواقع جديدة في الساحة الإعلامية ولدى الرأي العام التونسي".
وتُشير رجيبة إلى أنّ "المنظمات الحقوقية مطالبة بأداء دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان، بغضّ النظر عن هذه الأصوات التي تحاول توظيف الأحداث في خدمة مصالحها الضيقة، علماً أن منظمات مثل "الربطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" وقفت ضدّ كل محاولة لضرب حقوق الإنسان، إيماناً بأن منظومة حقوق الإنسان تتعالى على الراهن السياسي، وتعمل من أجل أن تسود القيم النبيلة لحقوق الإنسان دون تحيز لانتماء سياسي أو عقائدي أو جغرافي، وذلك سرّ نجاحها".
إقرأ أيضاً: تونس تراقب المواقع التكفيريّة وعاجزة عن حجبها
المعادلة الصعبة
مقاومة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان والتعاطي الإعلامي السليم مع هذه الظاهرة تبدو المعادلة صعبة، لكنّها ممكنة التحقيق كما يُشير رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، والذي يقول: "المعادلة صعبة، كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بدورها دون الترويج للإرهاب وخدمة استراتيجية الإرهابيين؟ وكيف يمكن أن نتفادى أن تقوم الحكومات بالتضييق على الحريات؟".
لكنّ اللجمي يعتبر في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ "الإرهاب ظاهرة عالمية؛ وهو في الآن ذاته ظاهرة إعلامية، خاصة في ظل تمكن الإرهابيين من حسن استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، والرغبة الكبيرة من قبل وسائل الإعلام في السبق الصحافي دون مراعاة في بعض الأحيان للضوابط المهنية وحقوق الإنسان".
إقرأ أيضاً: سفيان شورابي ونذير القطاري... 212 يوماً على الاختطاف