تراجعت حدّة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها تونس، خلال الأيام الماضية، وتوقفت التحركات الليلية. مشهد متكرر بنفس التفاصيل، وكأنه شريط يُعاد تشغيله بالمناسبة.
سيقول السياسيون، المطمئنون إلى سياساتهم وخياراتهم، إنها كانت فورة غضب وانتهت، كما انتهى الذي من قبلها منذ سنوات، وإن يناير/كانون الثاني التونسي شهر ساخن جداً كما تعودنا، برغم أيامه البيض والسود (تقويم فلاحي تقليدي يتبادل فيه الليل والنهار برودة الطقس)، وستليه أشهر أخرى أكثر دفئاً لمكاتبهم. وسيعودون إلى أروقة مشاورات توزيع المناصب وفهم السياسة، كما تعودوا أنها مجرد إدارة لشؤون يومية لا تستشرف القادم، ولا تحل أياً من المشاكل الحقيقية المتراكمة منذ عقود.
ولكن ما لا يفهمه هؤلاء، هو أن المتظاهرين الغاضبين ذاتهم سيعودون أيضاً إلى أحيائهم الفقيرة، ويأسهم المتراكم، وسيراكمون أكثر وأكثر كرهاً للطبقة السياسية سيقود إلى انفجار جديد، قد يكون بذات العنف الماضي، وقد يكون أعنف ويأتي على الأخضر واليابس.
وغداً الثلاثاء سيعرض رئيس الحكومة هشام المشيشي على البرلمان حكومة جدّد فيها 11 حقيبة، يقول مراقبون إنه اختار فيها وزراء يعرفهم وأبعد منها وزراء الرئيس. وربما يكون من حقه البديهي أن يختار حكومته منذ البداية بشكل متجانس يثق في ولائها، ويعرف كفاءاتها، ليُحاسب عليها وعلى نتائجها. ولكن السنوات الماضية أثبتت للجميع أنه لا يمكن النجاح ورئيس الحكومة لا يتفق مع رئيس البلاد ومع رئيس البرلمان، مهما كانت الأغلبية البرلمانية المساندة. وقد فشل الأمر أيام حكم الترويكا بداية الثورة، ثم أيام الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مع رئيسي الحكومة تباعاً، الحبيب الصيد، ويوسف الشاهد. وتكرر طبعاً مع الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ. وسنصل إلى نفس الفشل مع المشيشي وسعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، لأن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج.
ولكن يبدو أننا لسنا الآن في راهن أي مصالحة ممكنة بين الرئاسات الثلاث. وحتى الحوار الوطني، الذي منّى فيه التونسيون أنفسهم بإمكانية إصلاحه ولو جزئياً للعلاقات، يبدو أنه صار في حكم المجهول، وحدث تراجع بخصوصه، بعد تطورات الأسابيع الأخيرة. وفي الأثناء لا تستطيع البلاد أن تتخذ قراراً بالحجر الصحي يحمي الأرواح، بعدما تصاعدت الإصابات والوفيات بكورونا إلى أرقام قياسية. ويحذّر المتخصصون التونسيون من كوارث ستحدث قريباً بحكم عجز المنظومة الصحية، لأن اقتصاد البلاد عليل لا يحتمل، بينما الزعماء ومعارضوهم على السواء، يمارسون هوايتهم المفضلة، تبادل التنابز على صفحات "الفيسبوك" وتسجيل النقاط أمام كاميرا البرلمان.