تونس: إقبال ضعيف على الاستشارة الإلكترونية وتشكيك في نتائجها

17 مارس 2022
ينتقد معارضو سعيد الاستشارة ويرونها غطاء لـ"مشروعه الانقلابي" (الرئاسة التونسية/فيسبوك)
+ الخط -

تشارف الاستشارة الإلكترونية التونسية على نهايتها، يوم الأحد 20 مارس/آذار، قبل أن تشرع لجنة الصياغة في تأليف مقترحاتها لوضع مسودة التعديلات الدستورية لعرضها على الاستفتاء، وسط تشكيك في نتائجها وانتقاد لضعف الإقبال عليها

وبلغ عدد المشاركين في الإستشارة نحو 430 ألف مشارك، بحسب إحصاءات الموقع الرسمي، وهو عدد وصفته أحزاب ومنظمات بـ"الهزيل" و"المشكوك في نتائجه".

وللمرة الثانية على التوالي، وقبل 3 أيام فقط من إغلاق باب المشاركة، تحدّث الرئيس التونسي قيس سعيّد عن ضعف الإقبال، و"العراقيل" التي حالت دون ذلك.

وذكر بلاغ الرئاسة التونسية، أنّ اللقاء الذي جمع سعيّد برئيسة الحكومة نجلاء بودن، أمس الأربعاء، جرى خلاله "التداول بشأن الاستشارة الإلكترونية وسبل تيسير المشاركة فيها والتصدي للعراقيل المصطنعة التي يعمل البعض بواسطتها على إفشالها لأنه يخشى أن تبرز الإرادة الشعبية الحقيقية في هذا العمل الذي يجسد حقيقة طموحاته وتطلعاته نحو مستقبل يقطع نهائياً مع الماضي ويصنع تاريخاً جديداً لتونس"، بحسب البلاغ.


وكان  أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، المقرّب من الرئيس، قد أفاد، منذ يومين، في تصريح صحافي، بأنّه من المنتظر أن يتولى سعيّد إصدار القرارات المتعلقة بتركيبة ومهام اللجنة التي ستتولى صياغة النظام السياسي الجديد لتونس، عقب انتهاء الاستشارة، يوم 20 مارس.

ويواصل معارضو سعيّد انتقاد الاستشارة ومحاولات اعتمادها كغطاء لتمرير ما وصفوه بـ"مشروعه الانقلابي".

انقلاب على مسار دستوري

وأكد القيادي في حركة "النهضة" بدر الدين عبد الكافي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنّ هذه الاستشارة "جاءت في سياق انقلاب على مسار دستوري وضرب لمؤسسات منتخبة قائمة، انطلاقاً من تأزم أوضاع كان رئيس الجمهورية فاعلاً رئيسياً في تأزيمها من خلال امتناعه عن حل مشكلة المحكمة الدستورية وقبول التعديل الوزاري، بعد وصم مجموعة وزراء بالفساد، وإلى اليوم لا نعلم ماهية شبهة الفساد".

وشدد عبد الكافي على أنّ "هذه الاستشارة هي محاولة لإيجاد مشروعية لـ25 يوليو بعد التعسف على البند 80 الذي يقتضي بقاء البرلمان والحكومة في حالة انعقاد، فهي محاولة للتغطية على افتكاك السلطات والانفراد بها".

وأضاف أنه "بعد ضغط الرافضين للانقلاب يبحث الرئيس لإيجاد شيء من الشرعية لما يريد إرساءه في الواقع لتلافي التحايل على إرادة الشعب".

ومنذ 25 يوليو/ تموز 2021، أعلن سعيّد سلسلة من الإجراءات "الاستثنائية"، تضمنت تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة، وهو ما اعتبرته أحزاب وهيئات حقوقية "انقلاباً" على الدستور.

ولفت عبد الكافي إلى أنّ "هذه الاستشارة تطرح عديد نقاط الاستفهام حول من أعدها ومن يراقبها وكيف سيتم استخلاص نتائجها، بما يضرب نزاهتها وشفافيتها"، مشدداً على أنها "في النهاية محاولة لفرض إرادة فرد (سعيّد) على إرادة الشعب".

وأشار إلى أنّ "عدد المشاركين الذي لا يتجاوز 4% من التونسيين يؤكد أنّ الشارع لا يساند خيارات الرئيس ويكذب الأرقام المغالطة التي تم الترويج لها". 

ورأى أنّ "الثقة منعدمة في مسار الاستشارة وبالتالي في مسار التأليف، وأيضاً هناك ريبة في مآلاتها واستعمالاتها التي تصب سلفاً في بناء مشروع الرئيس الخاص القائم على الحاكم بأمره الفرد الواحد مع إلغاء الأجسام الوسيطة مع التأسيس لمعان هلامية زادها المفسرون غموضاً".

وشدد عبد الكافي على "خطورة لجنة الصياغة التي سيعينها الرئيس ممن اندرجوا في مساره ليفرضوا على الشعب التونسي خيارات هي أدنى مما بناه التونسيون في دستور 2014 بعد عملية تشاركية واسعة وحوارات في كل الجهات وبإجماع ممثلي البرلمان التأسيسي المنتخب من الشعب مباشرة".

ورأى في "تفويض هذه اللجنة استنقاصاً للشعب وضحكاً على ذقون التونسيين وتعدياً على إرادتهم وسطوا على خياراتهم".

استشارة فاقدة للشفافية

من جانبه أكد عضو تنفيذية "مواطنون ضد الانقلاب" أحمد الغيلوفي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الاستشارة دليل آخر على انقلاب سعيّد لأنّ البند 80 الذي اعتمده، لا يسمح له بالقيام بأي تعديل على النظام السياسي بل يفرض دوام انعقاد المجلس النيابي".

وتابع "في مواطنون ضد الانقلاب، نرفض رفضاً تاماً هذه الاستشارة ونعتبرها استكمالاً للانقلاب، فسعيّد رسم معالمها ويتحكم في نتائجها وسيقوم بالفرز، وكل الأمر يدبر في ظلام دامس دون أي شفافية بعيداً عن أي رقابة أو اطلاع حقيقي على نتائجها".

وحول ضعف المقبلين عليها، أكد الغيلوفي أنّ "مشاركة 400 ألف فقط دليل آخر على عدم شعبية سعيّد وهو أقل من 5% من عدد الناخبين (حوالى 7 ملايين ناخب)".

وبيّن أنّ "لجنة الصياغة التي أعلن عن تشكيلها ستتضمن فقهاء السلطان ممن رأيناهم أعداء للثورة ويشاركون في كل المنعرجات الخطيرة ليشرّعوا للانقلاب على الثورة والديمقراطية".

ولفت إلى أنّ "هؤلاء لا مصداقية لهم ولم ينتخبهم أحد ولم يفوضهم الشعب ليقرروا إرادة الشعب ومصيره ونظامه السياسي المقبل، وما يحد ذلك إما انتخابات مبكرة ومجلس نيابي منتخب أو استفتاء نزيه وشفاف وفق المعايير الدولية".

بدعة سياسية

وبدوره وصف عضو تنفيذية حراك "توانسة من أجل الديمقراطية"، أحمد النفاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد" الاستشارة الإلكترونية بأنّها "بدعة سياسية على حساب برلمان منتخب ودستور ومؤسسات دستورية تم قمعها"، متسائلاً عن "عدم تمكين هيئة الانتخابات المنتخبة التي تمثل جميع الأطراف وأشاد العالم بنزاهتها للإشراف على هذه الاستشارة".

ولفت إلى أنّ "منظومة 24 يوليو أخفقت في تحقيق أهداف الثورة في جانبها الاقتصادي ولكنها ثبتت تداولاً سلمياً على السلطة وأسست لديمقراطية"، مستدركًا بالحديث عن خطورة "استبدال كل المنظومة الديمقراطية باستشارة إلكترونية".

وأوضح النفاتي، الحاصل على دكتوراه في التقنيات الإلكترونية والمعلوماتية، أنّ الاستشارة "تتضمن خروقات تمكّن من تكرار المشاركة، وهي غير محمية من الناحية التقنية والسلامة المعلوماتية".

وأضاف أنّ "سعيّد الذي يبني مشروعه على المشروعية انتخبه 2.7 مليون صوت وهو أقل من البرلمان المنتخب بأكثر 2.9 مليون صوت أي أنّ مشروعيته لا تتجاوز مشروعية البرلمان المنتخب".  


وتابع أنّ "سعيّد يعتقد أنّ كل الشعب يسانده وروّج لذلك في وقت أنّ عدد المشاركين بكل تلقائية في بداية الاستشارة لم يتجاوز 70 ألفاً، وذلك قبل تجنيد كل إمكانات الدولة ليبلغ 400 ألف وبالتالي ضرب شرعيته ومشروعيته من حيث يعلم أو لم يعلم".

ودوّن أمين عام حزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، أمس الأربعاء، على صفحته في "فيسبوك"، قائلاً "وجب على صاحب الاستشارة الإقرار بأنّ الشعب التونسي هو من أفشل استشارته الإلكترونية، وذلك بتجاهلها وعدم الانخراط فيها بكثافة وذلك بالرغم من توظيف كل مؤسسات الدولة ومواردها المالية والبشرية والتقنية وتسخير كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية لإقناع الناس والضغط عليهم للمشاركة فيها". 

المساهمون