تونس: "النهضة" بين التصدي للرئيس وتجنّب الصدام معه

27 ابريل 2021
ارتفع عدد ضحايا وباء كورونا في الأيام الأخيرة (Getty)
+ الخط -

تحوّل الخلاف بين رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد من جهة وبين رئيس الحكومة هشام المشيشي وحركة "النهضة" من جهة أخرى، إلى أزمة متفاقمة. ويتحدث أنصار سعيد ومؤيدوه عن اقتراب لحظة الحسم ضد من يصفونهم بـ"الإخوان"، ويروّجون بأن الرئيس قد افتك المبادرة وشرع في تنفيذ خطته التي تستهدف تغيير طبيعة النظام السياسي وتحجيم حركة "النهضة" واستئصال الفاسدين. ويعتقدون بأن ذلك من شأنه "تصحيح مسار الدولة والثورة". في المقابل، يشدّد خصوم سعيد على أنه تحوّل إلى "ديكتاتور" وأنه بصدد "دوس الدستور"، والتوجّه سريعاً نحو تنفيذ ما سموه بـ"الانقلاب الناعم والصريح".


حديث عن سلاح دستوري "خطر" قد يلجأ إليه سعيد

وعند استقباله وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام، اعتبر الرئيس التونسي أن "التحدي لا يُقَابَل إلا بالتحدي"، وأن "الخطر الذي يتهدد الدول ليس خارجياً فقط، فالأخطر هو العدوان على مؤسسات الدولة في الداخل"، في إشارة إلى ما يحصل داخل تونس. وقد سبق ذلك اللقاء خطاب ألقاه سعيد بمناسبة عيد قوات الأمن الداخلي، في 18 إبريل/نيسان الحالي، شدّد فيه على أن الأمنيين هم جزء من القوات المسلحة، التي يجب أن تكون تحت إشراف رئيس الجمهورية، حسب تأويله الخاص للدستور. وقد كان لخطاب سعيد وقع شديد على الساحة السياسية، مؤدياً إلى انقسام الأطراف الفاعلة بسببه بين مؤيد ورافض له. وهو خطاب اعتبره الكثيرون "منزلقاً خطيراً نحو التفرّد بالحكم"، ورأت فيه حركة "النهضة": "دوساً على الدستور وقوانين البلاد، وتعدياً على النظام السياسي وعلى صلاحيات رئيس الحكومة". ورفضت ما وصفته بـ "المنزع التسلطي لرئيس الدولة". ودعته إلى "الالتزام الجادّ بالدستور الذي انتُخب على أساسه، وأن يتوقّف عن كل مسعى لتعطيل دواليب الدولة وتفكيكها". ويعتبر هذا البيان الأول من نوعه الذي تخاطب فيه "النهضة" رئيس الجمهورية بهذه اللهجة الصارمة وبهذا المنحى التصعيدي، والتي تضمنت تهديداً واضحاً لم يخف على أحد. كما عارضت أغلبية واسعة سعيد، خصوصاً خبراء القانون الدستوري، الذين لم يكتفوا هذه المرة بوصف ما جاء على لسانه، بالقراءة غير السليمة للدستور، بل اعتبروا ذلك "تطورّاً خطيراً" ستكون له تداعيات سيئة على البلاد وعلى الديمقراطية.

بدورهم، وضع مراقبون بيان "النهضة" في سياق التدهور الخطير في العلاقة بينها وبين الرئيس، معتبرين أنه يفتح الطريق أمام سيناريو المواجهة المباشرة بين الطرفين. وهو احتمال تحرّض عليه أطراف عديدة، وترى فيه "فرصة ذهبية" لتعطيل المسار الديمقراطي، وإدخال البلاد في متاهة الصراع وتنشيط الاستقطاب الثنائي.

وعلى الرغم من ردها القوي على إصرار سعيد سحب وزارة الداخلية من رئيس الحكومة، إلا أن "النهضة" أدركت أنه ليس من صالحها مواصلة التصعيد والدخول في اشتباك مباشر وشامل مع رئاسة الجمهورية. بالتالي، اتجه مجلس شورى الحركة في دورته الـ49، التي انعقدت يومي السبت والأحد الماضيين، نحو التعامل مع الأمر بطريقة أكثر هدوءاً. وجاء في بيان للمجلس أن "عودة الحكم الفردي مرفوضة من الشعب التونسي ولن يسمح به"، إلا أنه دعا سعيد إلى "اعتبار الوضع الصحي والاقتصادي على رأس سلم أولويات الدولة، وتجنّب كل ما من شأنه تقسيم التونسيين أو اعتماد تأويلات فردية للدستور تعطّل مصالح الدولة والمجتمع".


النهضة: عودة الحكم الفردي مرفوضة من الشعب التونسي

بناء على هذا البيان، يتضح أن خطة الحركة في هذه المرحلة تعتمد على مسألتين. تتمثل الأولى في دعم حكومة المشيشي وتقوية الحزام السياسي والبرلماني. أما الخطوة الثانية فتتمحور حول السعي نحو تشكيل جبهة عريضة للدفاع عن الديمقراطية والثورة. وهو ما شرعت فيه الحركة عبر إجراء مشاورات داخل البرلمان وخارجه. وترى الحركة أن المسار الديمقراطي أصبح مهدداً بشكل غير مسبوق. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ المؤيد لسعيد، الذي ذكر في تدوينة له على "فيسبوك" في 21 إبريل الحالي، أن رئيس الجمهورية "لم يستعمل بعد السلاح الدستوري الأخطر"، من دون أن يشير إلى الفصل أو الآلية التي يمكن أن يلجأ إليها سعيد لقلب الأوضاع رأساً على عقب.

يحصل ذلك كله في مرحلة دقيقة تمر بها البلاد، في ظلّ إجراء مداولات حول إمكانية فرض حجر صحي شامل، بعد أن ناهز عدد ضحايا كورونا المائة شخص يومياً في الأيام الأخيرة. وهو ما دفع الأطباء إلى التصريح بأن البلاد على أبواب كارثة صحية. كما اقترب موعد المفاوضات التي ستجري بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، المقررة مطلع شهر مايو/أيار المقبل. وقد حاولت مديرة الصندوق، كريستالينا جيورجييفا، طمأنة الطرف التونسي في رسالة وجهتها لرئيس الحكومة أكدت فيها وقوف الصندوق إلى جانب تونس، لكنها تنتظر في المقابل برنامجاً مفصّلاً يتم التعهد فيه بإجراء إصلاحات كبرى مختلف القطاعات.

تقارير عربية
التحديثات الحية