توسّع فجوة العلاقة بين أوربان وأوروبا: اللاجئون وروسيا

12 سبتمبر 2024
أوربان في بروكسل، 1 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تصاعد التوتر بين المجر والاتحاد الأوروبي**: رفض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان سياسات الهجرة الأوروبية وهدد بإرسال اللاجئين إلى بروكسل، مما زاد التوتر بعد رفض المجر تنفيذ حكم محكمة العدل الأوروبية.

- **ردود الفعل الأوروبية والعقوبات المحتملة**: الاتحاد الأوروبي يهدد بعقوبات مالية إضافية على المجر، ووزيرة الخارجية البلجيكية ووزيرة الدولة لشؤون اللجوء اعتبرتا تصرفات أوربان استفزازية، بينما أكد رئيس مكتب أوربان استعداد المجر لنقل المهاجرين إلى بروكسل.

- **العلاقات المتوترة مع روسيا وبيلاروسيا**: علاقات أوربان الجيدة مع بوتين ومنحه إقامات شنغن للروس والبيلاروسيين أثارت قلقاً أوروبياً، حيث تعتبر تهديداً أمنياً.

تعيش عاصمة مقرات الاتحاد الأوروبي بروكسل، مرة أخرى، على وقع ما يشبه مشاجرة سياسية-دبلوماسية مع رئيس الوزراء المجري القومي المحافظ فيكتور أوربان. هذه المرة اختار الأخير تحضير حافلات ركاب (باصات) لتحميلها باللاجئين المهاجرين من أجل إرسالهم إلى بروكسل، على خلفية رفضه سياسات وقوانين الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة. هذا بالإضافة إلى منحه الروس والبيلاروسيين إقامات شنغن في بلده، وهو ما يراه الأوروبيون تهديداً أمنياً.

في الآونة الأخيرة، تصاعدت اللهجة بين المجر والاتحاد الأوروبي، بعدما طالبت بروكسل بفرض عقوبات على بودابست، بسبب عدم قبولها تنفيذ حكم سابق بتغريم محكمة العدل الأوروبية لها، لعدم سماحها لطالبي اللجوء بالتقدم الفعلي بطلباتهم على الأراضي المجرية. والتراشق البلجيكي-المجري وصل إلى ذروته في الأيام الأخيرة، على خلفية المزيد من تصلب أوربان على نهج وخط الاتحاد الأوروبي.

ومنذ يونيو/ حزيران الماضي، يتمنّع الرجل عن الالتزام بحكم محكمة العدل الأوروبية بتغريم بلده بنحو 200 مليون يورو، بسبب انتهاجها سياسات لجوء متشددة لا تتوافق والسياسات الأوروبية المشتركة. وكانت المحكمة قد قضت قبل نحو أربع سنوات بأن المجر قد انتهكت قواعد الاتحاد الأوروبي من بين أمور أخرى، من خلال احتجاز طالبي اللجوء في ما تسمى بـ"مناطق العبور"، وهي أشبه بمعسكرات اعتقال، وجعل من المستحيل السماح لهم الدخول إلى أرض الاتحاد الأوروبي لطلب الحماية الدولية؛ أي منعهم من طلب اللجوء.

مع ذلك، وخلال كل تلك السنوات، واصلت المجر الاحتجاز غير القانوني لطالبي اللجوء، وعمدت إلى تسفير بعضهم رغماً عن إرادتهم إلى دولهم الأصلية، ما عدّه الأوروبيون انتهاكاً لمعاهدات اللجوء. وتنشر بودابست قوات من جيشها على الحدود مع صربيا منذ 2015، وبنت جدراناً لمنع تدفق اللاجئين، حيث تتهم من الجهات الحقوقية الأوروبية بأنها تستخدم القوة لتنفيذ عمليات "صَدّ اللاجئين".

واستمرار رفض المجر دفع الغرامة السابقة دفع بمحكمة العدل الأوروبية أخيراً إلى فرض غرامة إضافية كلما واصلت تجاهل الحكم. وهدد الاتحاد الأوروبي بأنّ المزيد من العقوبات المالية ستفرض طالما واصلت المجر الانتهاك "غير المسبوق والخطير للغاية للقوانين الأوروبية"، وفقاً لمحكمتهم. فالتعنت المجري، والتهديد بإرسال الحافلات المحملة باللاجئين، وسط استعراض ساسة وبرلمانيين مجريين في الأيام الماضية لجعل المحطة النهائية بروكسل، دفع بوزيرة الخارجية البلجيكية حجة لحبيب إلى اعتبار تلك التصرفات "استفزازاً يتعارض مع الالتزامات الأوروبية". وذهبت وزيرة الدولة لشؤون اللجوء البلجيكية نيكول دي مور إلى اعتبار تصرفات أوربان "تهديداً يقوّض التضامن والتعاون في الاتحاد الأوروبي".

وطالبت دي مور المفوضية الأوروبية بالردّ "بقوة وحسم" على التهديد. وتساءلت الوزيرة: "إلى متى يجب أن نستمر في تحمّل هذه الاستفزازات من بلد ندعمه بأنفسنا مالياً"، في إشارة إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي، حيث تعد المجر إحدى الدول التي تتلقى مساعدات أكثر مما تدفعه. ويطالب الآن عمدة بروكسل، فيليب كلوز، الحكومة بـ"إيقاف هذه الحافلات على الحدود".

من ناحيته، اعتبر جيرجيلي جولياس، رئيس مكتب أوربان، القرار الأوروبي السابق والزيادة في الغرامة "تضع المجر في وضع غير مقبول وغير عادل". ونقلت عنه وسائل الإعلام المجرية قوله إنّ الحكومة المجرية "مستعدة لمنح جميع المهاجرين على الحدود المجرية إمكانية نقلهم إلى بروكسل طوعاً ومجاناً"، إذا لم يتم التوصل إلى حل مستدام مع المفوضية الأوروبية.

وبحسب ما نقلته صحيفة بوليتيكو، شدد جولياس على أنه "إذا كانت بروكسل تريد المهاجرين، فيمكنها استقبالهم أيضاً"، مضيفاً أنّ "المهاجرين أنفسهم يمكن أن تتاح لهم بعد ذلك الفرصة للتفاوض مع المفوضية الأوروبية حول كيفية معاملتهم". من ناحيتهم، رد المتحدثون باسم المفوضية الأوروبية بأن المفوضية "ستستخدم كل صلاحياتها بموجب المعاهدة لوقف تلك التصرفات".

نزاع طويل مع أوربان... الخشية من "جواسيس روسيا"

وهذه ليست المرة الأولى التي تتصادم فيها الحكومة المجرية مع الاتحاد الأوروبي. فلسنوات، ظل الأخير يتهم أوربان وحزبه فيديز بانتهاج سياسات غير ليبرالية، ومتعارضة مع قيم وميثاق التكتل الأوروبي. سواء على مستوى التلاعب بالقواعد الديمقراطية أو على مستوى فصل السلطات وحكم القانون.

هذه ليست المرة الأولى التي تتصادم فيها الحكومة المجرية مع الاتحاد الأوروبي

وبقيت سياساته الخارجية نقطة تصادم مع أوروبا. حيث لا تحظى علاقة أوربان الجيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحديداً بشعبية كبيرة بين زملائه الأوروبيين. ورفضت بروكسل أخيراً تحركاته وزيارته في يوليو/ تموز الماضي إلى موسكو تحت مسمى "مهمة السلام". وأدت الزيارة إلى مقاطعة عدد من الدول الأوروبية الاجتماعات غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في المجر، تحت رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي. وأثارت بعض قرارات أوربان، في أغسطس/ آب حول سياسة الهجرة إلى المجر، والتي سمحت أخيراً بتسهيل وصول ومنح إقامات إلى الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي، وعلى وجه الخصوص مواطنو صربيا وروسيا وبيلاروسيا، توتراً إضافياً في علاقة الطرفين.

فالخطوة خلقت قلقاً وغضباً أوروبياً، بسبب أن ذلك يعتبر بنظرهم فتح "بوابة للروس والبيلاروسيين" لولوج منطقة شنغن الأوروبية، كون المجر عضواً فيها. فمنْح مواطني ودبلوماسيي روسيا وبيلاروسيا رخصة إقامة في دولة عضو في شنغن يعتبره ساسة بروكسل مخالفا تماما لسياسات الاتحاد الأوروبي المتشددة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، وذلك خشية من دخول "عملاء الاستخبارات الروسية"، كما تشيع الأوساط الأوروبية.

في كل الأحوال، بدأت بعض الدول في الاتحاد الأوروبي تنظر إلى تصرفات أوربان، المهدد بإرسال اللاجئين إلى بروكسل، بذات مستوى نظرتها إلى سياسات بوتين والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، على خلفية اتهامهما باستخدام اللاجئين كسلاح هجين لإغراق حدود الاتحاد الأوروبي بهم، وخاصة عبر تسهيل وصولهم إلى بولندا ودول البلطيق، وأخيراً عبر جيب كالينينغراد الروسي على البلطيق.

ووفقاً لمفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية إلفا جوهانسون، فإنّ روسيا تشكّل "خطراً أمنياً" على الاتحاد بأكمله. وشددت على أن هناك حاجة إلى "يقظة أكبر وليس أقل" بسبب خشيتها من أن تمثل بودابست بوابة لمن يسميهم الأوروبيين جواسيس ومخربين روساً "وذلك من شأنه أن يقوض أمننا جميعاً"، بحسب قولها.

المساهمون