توسّع الاحتلال في الجولان وخطر مراهنة نتنياهو على ترامب لضمه

19 ديسمبر 2024
جنود إسرائيليون في الجولان السوري المحتل، 6 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التوغل الإسرائيلي في الجولان: تستغل إسرائيل الوضع السوري المتأزم لتوسيع احتلالها في الجولان، مبررة ذلك بإجراءات أمنية احترازية، بدعم من الولايات المتحدة رغم هشاشة هذه المزاعم.

- الموقف الأمريكي المتناقض: تراجعت وزارة الخارجية الأمريكية عن وعودها بالتحقيق في دوافع إسرائيل، مما يعكس سياسة الضوء الأخضر المبطّن في التعامل مع تجاوزات إسرائيل.

- خطورة الوضع في الجولان: تمدد الاحتلال الإسرائيلي يثير القلق، خاصة مع احتمالية عودة ترامب الذي اعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، مما يهدد بتكرار سيناريو الاعتراف الدولي.

الاستباحة الإسرائيلية للأراضي السورية في الجولان المحتل والمناطق المتاخمة لها تثير الريبة المشروعة حول مقاصدها الأبعد من المزاعم الأمنية التي ترددها حكومة الاحتلال بزعامة بنيامين نتنياهو لذر الرماد في العيون. فالتوغل العسكري باتجاه جبل الشيخ وريف درعا بعمق حوالي عشرة كيلومترات حتى الآن وفي لحظة انعدام الوزن التي تعيشها سورية الغارقة بهموم أزمتها الطاحنة، لا يستقيم تفسيره سوى بأنه كان فرصة اغتنمتها إسرائيل المتخصصة في قضم أراضي الغير لتوسيع مساحة احتلالها في الجولان. عدوانها الجوي الكاسح الذي استهدف تدمير القدرات العسكرية السورية، بزعم أنه إجراء احتياطي كي لا تقع هذه القدرات بيد الإرهاب، تعرف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مدى هشاشته. مع ذلك سكتت على الاستباحة. بل ساعدت حكومة نتنياهو على التلطي وراء "الخطر الأمني"، حيث تبنت التسويغ الإسرائيلي من خلال تكبير حجم المخاطر التي تشكلها الترسانة السورية على أمن الاحتلال الإسرائيلي وبما يبرر تفهّم تخوفه كما أوحت.

في الأيام الأولى للعدوان، وعدت وزارة الخارجية الأميركية بـ"استيضاح" الدواعي التي حملت نتنياهو على شن حرب على دولة مجاورة لم تطلق من داخل حدودها رصاصة على القوات الإسرائيلية. ثم عادت في اليوم التالي بشروحات ملتوية تراوح بين تكرار الذرائع الأمنية والدعوة إلى أهمية وضرورة تبريد الوضع. بهذا عادت عملياً إلى سياسة الضوء الأخضر المبطّن التي اعتمدتها في غزة ثم في لبنان والذي، أي الضوء، نادراً ما تحوّل إلى برتقالي إلا عندما تمادت إسرائيل في انتهاكاتها. وفي كل حال بقي في حدود التهويل أو رفع العتب.

وقد تجلّى ذلك بأوضح صوره في الكتاب الشهير الذي أُرسل إلى نتنياهو في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بتوقيع وزيري الخارجية والدفاع أنتوني بلينكن ولويد أوستن وإعطائه مدة شهر واحد لإزاحة العوائق والعراقيل وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بصورة كافية ووافية إلى سكان غزة، مع التحذير الصريح بأن الفشل في تحقيق المطلوب سيكون ثمنه وقف تزويد إسرائيل بنوعيات من الأسلحة الأميركية.

خطورة تمدد الاحتلال في الجولان

مضى الشهر وبعده شهر آخر، ليس فقط من دون إحداث أي تحسّن نوعي وكمي في تأمين المساعدات، بل حصل تدهور إلى الأسوأ في هذا الخصوص. جواب الخارجية كان كالمعتاد بأنها "تواصل مطالبة" إسرائيل بتحسين الأداء وتسهيل تمرير وتوزيع الإعانات. والنتيجة المعروفة أن العملية انتهت إلى الأسوأ وما زالت، فيما تبخر إنذار الوزيرين. وليس سراً في واشنطن أن الرئيس بايدن هو الممانع الأول في تدفيع إسرائيل ثمن تماديها وانتهاكاتها الإنسانية في غزة وغيرها.

الآن المسألة أخطر في الجولان. التوقيت يثير التوجس. إسرائيل صاحبة باع في قضم الأرض في اللحظات المناسبة. واللحظة السورية موآتية لناحية أن إدارة بايدن ليست في وارد التصدي لعملية سلب حتى لو كانت فاقعة بهذه الدرجة وبهذا الحجم. والأخطر أن إسرائيل تقوم بهذا التوسع عشية عودة من سبق "وأعطاها الجولان" إلى البيت الأبيض. ولم يكن من غير مغزى أن يسارع نتنياهو اليوم إلى تحديد فترة سنة، أواخر 2025، لبقاء قواته في الأراضي السورية التي توغلت فيها "لاعتبارات أمنية". بذلك رد على بعض الكلام الخجول بكل حال، الذي صدر عن الإدارة والذي تحدث عن "بقاء مؤقت" لإسرائيل في هذه الأراضي.

الأهم على ما يبدو هو أن نتنياهو يخطط للأبعد من خلال إطالة أمد احتلال هذه الأراضي لمدة سنة مفتوحة على التمديد، بحيث يتحول وضعها إلى أمر واقع يراهن ربما على إقناع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على الاعتراف به وضعاً دائماً تحت السيادة الإسرائيلية، تماماً كما فعل و"أهدى" الجولان خلال رئاسته الأولى لإسرائيل، وهنا تكمن خطورة تمدد الاحتلال الإسرائيلي في الجولان. العملية وظروفها تنذر بمثل هذا الاحتمال. فمن كسر القوانين الدولية ومنح تسيّد المحتل على المساحة الأوسع، قد لا يتردد في الإقدام على تكرار السيناريو نفسه بزعم الحاجة الأمنية لإسرائيل، خاصة إذا ما طالت الفترة الانتقالية في سورية مع ما قد يرافقها من اهتزاز في استقرار أوضاعها.

المساهمون