كشفت مصادر عسكرية عراقية في العاصمة بغداد لـ"العربي الجديد" معلومات عن إجراء القوات الأميركية في قاعدة حرير، شمالي أربيل، في إقليم كردستان العراق، أعمال توسيع داخل القاعدة في الشهرين الماضيين، هي الأولى من نوعها منذ سنوات. وتضمنت الأعمال زيادة السعة الاستيعابية، فضلاً عن إجراء تحصينات داخل القاعدة، في خطوة قد تثير توتراً جديداً بين حكومة الإقليم والإيرانيين، الذين يضغطون في العراق لإخراج القوات الأميركية من البلاد. ووفقاً لأحد ضباط مديرية الاستخبارات العسكرية بوزارة الدفاع في بغداد، فإن الأعمال شملت تشييد ملاجئ تحت الأرض ومستودعات وأماكن مبيت داخل الحرم الرئيسي للقاعدة، التي شهدت أعمال صيانة وتأهيل مماثلة عام 2016، في ذروة التدخل الدولي بالعراق ضد تنظيم "داعش". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن قاعدة حرير تحولت في الفترة الأخيرة إلى شبه مركز لإدارة عمليات للقوات الأميركية الموجودة في المناطق الشمالية السورية، المجاورة لإقليم كردستان. وهي مناطق تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وتنتشر فيها وحدات أميركية صغيرة، تعمل في إطار الدعم اللوجستي والنقل والإمداد. وكشف أن الشركات العاملة في عمليات التطوير داخل قاعدة حرير هي ذاتها التي تتولى "مشروع بناء القنصلية الأميركية الجديدة في منطقة عين كاوه وسط أربيل".
شملت الأعمال تشييد ملاجئ تحت الأرض ومستودعات
وفي سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، أعلن السفير الأميركي لدى العراق، ماثيو تولر، عن تقديم بلاده مساعدات تتضمّن معدات ولوازم عسكرية إلى وزارة "البشمركة" في إقليم كردستان، بقيمة 250 مليون دولار، إضافة لتخصيص فريق لتدريب العناصر على تلك المعدات. وجاء إعلان تولر، عقب لقاء جمعه مع وزير "البشمركة" شورش إسماعيل، الذي اعتبر أنّ "هذه المساعدات دليل على اهتمام واشنطن بقوات البشمركة، وتقدير لدورها في محاربة الإرهاب". وشدّد إسماعيل على أنّ "التعاون بين الجانبين سيستمر من أجل إحلال الأمن في العراق والمنطقة". وهو ما اعتبره سياسيون عراقيون في بغداد تجاوزاً على السيادة العراقية، لا سيما أن تسليح قوات "البشمركة" يفترض أن يصدر عن بغداد، فيما أشار آخرون إلى أن القوات الأميركية قد تتخذ من إقليم كردستان منطلقاً لعملياتها واستقرارها ودعم نفوذها في المنطقة.
في أربيل، قال أحد المسؤولين في وزارة "البشمركة" لـ"العربي الجديد" إن القوات الأميركية الموجودة في أربيل لا تختلف عن الموجودة بالأنبار في قاعدة عين الأسد، وينبغي أن تكون الحكومة في بغداد على اطلاع بعمل وأنشطة التحالف الدولي"، ضد "داعش".
لكن ريبين سلام، وهو عضو بارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، شدّد في حديثٍ لـ"العربي الجديد" على أن "القوات الأميركية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية تتعرض إلى استهداف مستمر خلال وجودها في بغداد، مع أن هذه الهجمات المسلحة والصاروخية تتعارض مع مواثيق الأمم المتحدة. وهو ما يُهدد باحتمالية عودة العراق إلى خانة البند السابع، وتضرره بعقوبات اقتصادية. لذلك فإن أربيل لا تُريد أن يحدث ذلك عندها، خصوصاً أنها منطقة آمنة ومعروفة بكونها أكثر مناطق العراق أمناً واستقراراً، وهي بديل عن بغداد لاستقبال البعثات الدبلوماسية. بالتالي فإن القوات الأميركية أو البعثات أو الجهات الخارجية تبحث عن الأماكن الآمنة".
من جهته، أفاد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كاطع الركابي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "كل الإجراءات الأمنية التي تتخذها حكومة إقليم كردستان، وقوات البشمركة، وما يرتبط بالقوات العسكرية التي توجد فيها القوات الأجنبية وتحديداً الأميركية، تجرى من دون علم الحكومة العراقية". واعتبر أن "القوات الأميركية تستغل الخلافات بين أربيل وبغداد من أجل توسيع قاعدة حرير، التي قد تكون هي الوجهة الدائمة للقوات الأميركية في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع حالة الرفض السياسية الكبيرة للقوات الأجنبية في البلاد، عقب قرار البرلمان العراقي بخروج القوات الأميركية في يناير/ كانون الثاني 2020". وقال إن "أربيل محافظة عراقية، وعليها الخضوع لقرار البرلمان الذي قضى بإخراج القوات الأجنبية من العراق، كما أنه من واجب الحكومة العراقية باعتبارها المسؤولة عن سيادة وحماية وأمن البلاد، أن تتقصى حقيقة عمليات التوسيع والغرض منها".
وأشار الركابي إلى أن "العدد الحقيقي للقوات الأمنية غير معروف، منذ أيام حكومة حيدر العبادي (2014 ـ 2018)، كما أن هناك ضبابية كبيرة في التعامل مع ملف الوجود الأميركي في البلاد، حتى إن الجدول الزمني لخروج القوات الأميركية من العراق الذي من المفترض أن تحدده حكومة مصطفى الكاظمي مع واشنطن لم يتحقق بعد".
إجراءات إقليم كردستان غير منسقة مع بغداد
وكانت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قد أقدمت، حتى نهاية العام الماضي، على الانسحاب من ثمانية مواقع عسكرية لها، وتسليمها للجيش العراقي، ضمن خطة للقوات الأميركية بإعادة التموضع في البلاد. في المقابل، أعلنت الحكومة العراقية أنها ستواصل العمل المشترك مع قوات التحالف الدولي، وفق استراتيجية محددة، مؤكدة عدم حاجتها لقوات عسكرية على الأرض. لكن القواعد التي تستضيف قوات التحالف الدولي في العراق، بقيت تتعرض لقصف شبه مستمر، من قبل المليشيات العراقية الموالية لإيران، في وقت تضغط فيه الجهات السياسية الممثلة لتلك المليشيات على الحكومة لتنفيذ قرار البرلمان، بانسحاب القوات الأميركية بشكل كامل.
بدوره، أشار الخبير الأمني العراقي سرمد البياتي إلى أن "استمرار التحركات التي تقوم بها القوات الأميركية في قواعد حرير وعين الأسد وشمال سورية، كلها تشي بأن سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن قد تكون عكس ما فسرها كثير من المتابعين للشأن العراقي، هادفة إلى ترسيخ الوجود الأميركي في العراق، وليس العكس". وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الأميركيين كانوا قد بنوا أكبر مدرجين للطائرات الضخمة في حرير وعين الأسد، وقد أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب عن هذا الأمر سابقاً. بالتالي فإن النشاط العسكري الأميركي سيستمر في مناطق شمال وغرب العراق وشمال سورية". وبشأن عمليات التوسعة الحالية، رجّح أنها من أجل نقل "القوات الأميركية المنسحبة من قواعد ومعسكرات في نقاط انتشار ثانوية بالعراق إلى هذه القاعدة".