توسعة ميناء العريش: اعتراضات الأهالي تربك المخططات

17 فبراير 2022
رفض الأهالي قد يستدعي تدخلاً أمنياً (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

اضطر محافظ شمال سيناء، شرقي مصر، اللواء عبد الفضيل شوشة، لمسايرة مواطنين غاضبين على قرار جمهوري، سيزيل منازلهم عن وجه الأرض لتوسعة ميناء العريش، بعدما استقبلهم أمس الأربعاء، في مبنى المحافظة، إثر تظاهرة نادرة أقيمت قرب مكتبه.

وبعدما فشل في إقناع المواطنين في العريش بفكرة التعويضات، كما حصل مع سكّان مدينة رفح التي أزيلت عن الخريطة، أيّد شوشة موقفهم بضرورة تغيير مكان الميناء الجديد، بما لا يُضّر بالأحياء السكنية على ساحل المدينة، في ظلّ توافر بدائل لإقامة الميناء، يمكن استغلالها. 

ومع مرور الأيام، يزداد الضغط الشعبي من أهالي مدينة العريش، نتيجة لقرار جمهوري يقضي بتوسعة حرم ميناء المدينة، وإزالة ما يعترض ذلك من أحياء سكنية، على الرغم من أن الميناء القائم ذو قدرات متواضعة وقديمة، وتمّ بناؤه في المنطقة السكنية الوحيدة المتبقية على طول ساحل المحافظة، ما يعني وجود بدائل كثيرة لإنشاء الميناء الجديد. 

العريش: تظاهرة لافتة أمام مقر المحافظة

وكانت لافتة هتافات المتظاهرين على باب مقرّ المحافظة، بضرورة وقف قرار الإزالة، متعهدين بأنهم لن يتركوا منازلهم مهما بلغ الثمن، وحاملين لافتات تؤكد على ذلك. كما كان لافتاً أن محافظة شمال سيناء لم تعتد على التظاهرة، في وقت لا يجرؤ فيه أي شخص أو مؤسسة أو حزب في مصر، على إقامة تظاهرة أو وقفة سلمية، للمطالبة بحق عام، أو رفضاً لقرار جمهوري. 

فشل محافظ سيناء في إقناع المواطنين في العريش بفكرة التعويضات

وأوضح النائب المصري عن سيناء، رحمي بكير، أنه "في اجتماع هام مع السيّد الوزير المحافظ، تمّت دعوة السادة نواب سيناء، وحضر اللقاء النائبان رحمي بكير وعبد العزيز مطر، وبعض المتضررين من حرم الميناء". وأضاف أنه "خلال اللقاء، تحدث السيّد الوزير المحافظ لعرض آخر تطورات ميناء العريش وتقرير اللجنة الأخير، وآخر تطورات المشروع، فرفضوا (الأهالي) الاستماع إلى مبدأ التعويضات، متمسكين بكلمة واحدة: أنقذنا يا ريس مش هنسيب بيوتنا، ولا للتعويضات".

ولفت النائب إلى أن المعترضين "تمسكوا بشدّة بهذا المطلب الأساسي، وتعاطف السيّد الوزير معه، ووعد بعرض مقترح لحلّ الأزمة، بنقل الميناء لمنطقة الكيلو 17 (غرب العريش) بمبدأ لا ضرر ولا ضرار". 

وبدا واضحاً خلال السنوات الماضية، الاهتمام الرسمي المصري بميناء العريش في محافظة شمال سيناء، من خلال التدرج في السيطرة عليه، عبر تحويله إلى أغراض المنفعة العامة ونزع الملكية الخاصة لأي عقارات تقع في نطاق حدوده. وجرى نقل تبعية الميناء إلى وزارة الدفاع بشكل مباشر، مع إبعاد الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن استخدامه أو إدارته بأي شكل من الأشكال، ليصبح الميناء منطقة عسكرية، لا علاقة لأي جهة مدنية بها.  

فكرة الميناء الجديد تصل إلى المعنيين

وتعليقاً على ما جرى في مبنى المحافظة، رأى مسؤول حكومي في محافظة شمال سيناء، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "أمرٌ لم يحصل في أي محافظة أخرى، وأن قرار المحافظ بإدخال المواطنين إلى المبنى، جاء لتنفيس الغضب وتخفيف الاحتقان".

ولفت المصدر إلى أن "البديل عن ذلك كان تدخل قوات الأمن، لفضّ التجمع غير المرخص، وفقاً للقانون، إلا أن لذلك تبعات عدة، ستتحملها قيادة المحافظة، من إمكانية تكرر سيناريو التجمهر، وبأعداد أكبر، في ظلّ شعور المواطنين بنجاحهم في تحقيق أمر هام، وهو إيصال الصوت خارج منطقتهم، إذ كانوا اعتادوا على التجمهر في حدود الحيّ السكني الخاص بهم طوال الفترة السابقة منذ الإعلان عن توسعة الميناء في المنطقة السُكّانية".  

وأضاف المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته، أن المحافظ وعد بإيصال رسالة وفكرة المواطنين بنقل الميناء الجديد إلى منطقة غير سكنية في حدود ساحل المحافظة، وقد تمّ ذلك فعلاً من خلال رسائل مكتوبة وجّهها إلى الجهات المعنية في القاهرة بضرورة البحث عن حلول للأزمة، في ظل رفض الأهالي لقرار التوسعة على حساب منازلهم وأراضيهم.

راسل المحافظ الجهات المعنية في القاهرة بضرورة البحث عن حلول للأزمة

وأوضح المسؤول أن من المنتظر الرد على الرسائل خلال الأيام المقبلة، مع الإشارة إلى أن المحافظة وقيادتها ترى أن القضية كبيرة، وقد لا تكون قادرة على الوقوف في وجه المواطنين في حال تمّ رفض الفكرة بنقل الميناء.

توسعة الميناء: ترقب وحذر

ويأتي ذلك خصوصاً، بحسب المصدر، فيما العمل قد بدأ من قبل الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع بأعمال تجهيز لتوسعة حرم الميناء، ما قد يستدعي تدخلاً أمنياً لتفريغ المنطقة المطلوبة من السكّان، كما حصل في مدينة رفح، عندما تمّ إقرار المنطقة العازلة، في ظل عدم قدرة الجهات المدنية على إجبار المواطنين على ترك منازلهم.  

وأوضح المسؤول أن المحافظة وإدارتها، وكذلك الحكومة بكافة أذرعها، لا يمكنها التعديل في قرار جمهوري ذي خلفية اقتصادية وسياسية بحتة، ولا يمكنها أصلاً التعقيب عليه، وإنما تنفيذ القرار كما جاء، والقبول به، مهما كانت التكلفة أو الأضرار الناجمة عنه. وبالتالي، قد يكون من الخطأ على محافظ شمال سيناء، بحسب المصدر، أن يتبنى موقف الأهالي، ويزيد من قناعتهم بخطأ القرار الجمهوري، ما قد ينجم عنه قرارات عكسية تضّر بشخصية المحافظ نفسه، وتزيد من إصرار الدولة على تنفيذ القرار في أقرب وقت.

ويشمل ذلك، إذا ما حصل، تهجير المواطنين من منازلهم إلى أماكن جديدة، خصوصاً أن سيناء صاحبة تجربة سابقة في تهجير المواطنين في رفح والشيخ زويد، وفي العريش أيضاً، من خلال توسعة حرم مطار العريش قبل سنوات، كما أوضح المصدر. 

وعن السيناريوهات المتوقعة للوضع في المنطقة، قال أحد المتحدثين باسم المتضررين من الإزالة: "قرّرنا الموت على عتبات منازلنا دون القبول بالتهجير القسري. هذا الموقف أوصلناه للمحافظ، وسنبقى نردده حتى يصل إلى مسامع الرئاسة".

ولفت المتحدث إلى أن "المخططات التي يجري التحضير للبدء فيها، تمثل جريمة وكارثة وطنية وإنسانية واقتصادية، وتشير إلى تجاهل وجود بدائل كثيرة لبناء الميناء، والإصرار على الاستمرار في مشروع تهجير آلاف المواطنين من الكتلة السكانية الوحيدة المتمثلة في المنطقة الحالية". وحذّر من أنه "إذا أصرّت الدولة على المشروع في المكان ذاته، فنحن مصرون بدورنا أكثر على الموت دفاعاً عن منازلنا". 

وأوضح المتحدث باسم المتضررين من الإزالة، أن المحافظ استمع إلى رأي قوي ومتفق عليه من كل فرد يسكن في هذه المنطقة المهددة بالإزالة. وأضاف أنه "لا يوجد بيننا أي شخص يقبل بالتعويضات مهما بلغت قيمتها، فنحن لا ننظر إلى المنازل بقيمتها المادية، بقدر الارتباط المعنوي بها".

وقال المتحدث: "في حال تمّ العدول عن القرار فيكون أمراً جيداً، وسنكون خدماً للمشروع الجديد، أما في حال الرفض، فسنواجه أي شخص يحاول تهجيرنا من منازلنا، وهذا ما أكدنا عليه للمحافظ: نموت ولا نسيب بيوتنا".

ورأى أن هذا الموقف هو ما دفع المحافظ "إلى تأييد موقفنا بنقل مكان المشروع من قبل الجهات المختصة، بدلاً من الدخول في مواجهة مع المواطنين الرافضين للقرار الذي لا مبرر له سوى المزيد من التهجير لسكّان شمال سيناء، كما حصل في رفح والشيخ زويد وحرم مطار العريش". 

وعلى الرغم من أن حالة من الهدوء والاطمئنان سادت في أوساط المواطنين المتضررين من قرار التوسعة، بعد وعود المحافظ بنقل مطالبهم للجهات المسؤولة في القاهرة، إلا أن الترقب لا يزال سيّد الموقف، في انتظار تعديل القرار الصادر عن رئاسة الجمهورية.

ويأتي ذلك لا سيما أن قضية ميناء العريش حظيت باهتمام خاص من الرئاسة، في ظل إصدار أكثر من قرار جمهوري بخصوصه، في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، ومن ثم عبد الفتاح السيسي. 

المساهمون