توجس جزائري من الدور الروسي في مالي

31 يناير 2024
ماليون مؤيدون لروسيا في باماكو، مايو 2022 (عثمان ماكافيلي/فرانس برس)
+ الخط -

تتوجس الجزائر من الدور الروسي في مالي، وسط اعتقاد بأن موسكو تتجاهل الانشغالات الجزائرية، وتدفع بالمجلس العسكري في مالي إلى مزيد من الخيارات الراديكالية المقلقة للجزائر.

وبرز الجمعة الماضي البيان الذي نشرته الخارجية الجزائرية، ووجهت فيه اتهامات غير مباشرة إلى روسيا بضخّ مزيد من الأسلحة في مالي، ونددت "بتكثيف برامج التسلح بتمويل من بلدان أجنبية والاستعانة بالمرتزقة الدوليين (في إشارة إلى مجموعة فاغنر)، وتعبيد الطريق للتخلي عن الخيار السياسي لفائدة الخيار العسكري لحل الأزمة المالية".

وكانت التطورات في منطقة الساحل قد حضرت في اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الأربعاء الماضي، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في مقر ‎الأمم المتحدة. وبحسب بيان للخارجية الجزائرية، تركزت المحادثات بين الوزيرين "على علاقات التعاون والشراكة التي تجمع بين البلدين، وعلى سبل تعزيز التنسيق بينهما في مجلس الأمن، ولا سيما في ما يتعلق بالقضايا التي تندرج في صلب اهتماماتهما، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأوضاع بمنطقة الساحل الصحراوي".

تأثيرات الدور الروسي في مالي على الجزائر

وشهدت الفترة الأخيرة تطورات سياسية متسارعة زادت التوتر الحاد بين الجزائر والسلطة الانتقالية في باماكو، كان قد أحدثها إلغاء اتفاق الجزائر للسلام في مالي، الموقع في عام 2015، وبالتالي استبعاد الجزائر من أي دور في حلّ الأزمة المالية، لصالح أطراف أخرى، على الرغم من أن أي تطورات ناجمة عن تأثيرات الدور الروسي في مالي لن تكون الجزائر بمنأى عن تداعياتها، ومن بينها توقعات بأن تستقبل الجزائر آلافاً من النازحين الماليين بسبب الحرب في الشمال.


مصطفى خواص: روسيا تتعامل مع الجزائر بحسب الأحداث التي تخدم مصالحها

وفي ظل هذه الأجواء، تبرز أسئلة عدة في الجزائر عن التناقض بين ارتباط الجزائر باتفاقية شراكة استراتيجية مع موسكو، تشمل التعاون والتنسيق في كل القضايا الحيوية وقضايا الأمن القومي والتعاون العسكري رفيع المستوى، وبين سلوك روسيا في عمق أمني واستراتيجي بالغ الحيوية بالنسبة إلى الجزائر، سواء في مالي ومنطقة الساحل عموماً.

مع العلم أن الجزائر غامرت، منذ اندلاع حرب أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، بموقفها الداعم لروسيا، وكلفها ذلك حزمة ضغوط كبيرة وحادة من قبل واشنطن والدول الغربية، وصلت إلى حد مطالبة مشرّعين أميركيين بإدراج الجزائر تحت قانون "محاسبة أعداء أميركا".

وحول ذلك، يقول الباحث الجزائري في الشؤون السياسية والأمنية، مصطفى خواص، إن هناك تناقضاً كبيراً بين مستويات الاتفاق السياسي بين الجزائر وروسيا وبين الدور الروسي في مالي.

ويشير في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "روسيا تعطي للجزائر صفة حليف استراتيجي، لكنها تقف على النقيض تقريباً في كل الملفات الإقليمية التي تخصّ الأمن الحيوي للجزائر، وخير مثال الملف المالي، وهذا سلوك روسي يناقض الخطاب بشأن الجزائر كحليف استراتيجي".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويرى خواص أن "روسيا تتجاوز في مالي كل الانشغال الجزائري بشأن أمن السكان الأزواد في الشمال"، مضيفاً أن "هذا يجعلنا نعتبر أن العلاقة الجزائرية الروسية علاقة شراكة تجارية عسكرية وصداقة قديمة، تشبه إلى حد ما العلاقة الهندية الروسية، أي تتفق المواقف باتفاق المصالح وتختلف باختلافها".

ويرى أن "روسيا تتعامل مع الجزائر بحسب الأحداث التي تخدم مصالحها، وقد تتخلى عن حلفائها الاستراتيجيين إذا تعارض ذلك مع مصالحها، أو مع طرف أهم أو أقوى، وقضية استبعاد الجزائر من بريكس دليل على ذلك، حين تخلت روسيا عن الجزائر لصالح أطراف أخرى مثل الإمارات".

وقبل التطورات الحالية، توافر للجانب الجزائري وقت للتحرك باتجاه موسكو للتنبيه إلى عدم تعريض المصالح الحيوية للجزائر لمثل هذه المخاطر. وسجل العديد من تبادل الزيارات بين المسؤولين العسكريين في كلا البلدين على غرار زيارة قائد الجيش الجزائري في أغسطس/آب الماضي موسكو وقوله إن التدخلات العسكرية الأجنبية حولت ليبيا إلى فوضى، وإن هذا الأمر لا يجب أن يحدث في مناطق أخرى.


محمدو ولد المحفوظ: روسيا لا تأخذ في حساباتها مصالح الجزائر الحيوية في مالي

لكن هناك ما يدعو الى الاعتقاد أن أي مساعٍ بذلت، لم تكن كافية لإقناع موسكو بتغيير توجهاتها في مالي والساحل، خصوصاً بعد زيارة قام بها القائد السائق للقوات الجوية الروسية الجنرال سيرغي سوروفيكين، للجزائر في سبتمبر/أيلول الماضي، لإيجاد تفاهمات معها على دور "فاغنر" في شمال مالي.

عدم اكتراث روسي بمصالح الجزائر

بدوره، يعتبر الباحث الموريتاني في شؤون منطقة الساحل محمدو ولد المحفوظ، في ملف الدور الروسي في مالي أن "روسيا لا تأخذ في حساباتها مصالح الجزائر الحيوية في مالي، أولاً لأن موسكو تحتفظ بمقاربة تقليدية لعلاقاتها بالجزائر كزبون سلاح، ولم يحدث أي تطوير للعلاقات خارج هذا الإطار إلى جوانب اقتصادية مثلاً. والأمر الثاني أن المسألة في مالي كما في ليبيا، مسألة تمركز إقليمي بالنسبة إلى موسكو التي لن تجد فرصة أحسن من الوضع الحالي بعد الانسحاب الفرنسي لملء الفراغ، وهذا يعني أن المشكلة تكمن في الجانب الجزائري الذي لا يلبّي رغبات الاستراتيجية الروسية في المنطقة، وهذا ما فرض على موسكو تجاوز الموقف والانشغالات الجزائرية. كما أن موسكو تبدو مطمئنة إلى أن الجزائر ليست قادرة على الخروج من خط ثابت في سياساتها الإقليمية، وبالتالي لا تغيّر تحالفاتها بسهولة".

وليست مالي وحدها القضية الحساسة في بعدها الاستراتيجي والأمن القومي للجزائر، التي تقف فيها موسكو على نقيض الموقف الجزائري، وتؤدي فيها دوراً غير إيجابي بالتقدير الجزائري، إذ سبق أن برزت الأوضاع في ليبيا حيث كان الدور الروسي في الاتجاه نفسه، وكانت الجزائر قلقة إزاء الموقف الروسي الداعم لحرب خليفة حفتر على طرابلس في إبريل/نيسان 2020، وهي حرب وصلت إلى تخوم الحدود الليبية الجزائرية.

وعقّد هذا الأمر من وضع المنطقة الجنوبية للجزائر، وفرض على الأخيرة مزيداً من الاستعدادات العسكرية والتحفز الأمني منعاً لأية تداعيات محتملة، فضلاً عن أن الموقف الروسي ساعد على تهشيم العديد من مسارات الحل السياسي وإجراء الانتخابات، وهو ما تدفع إليه الجزائر لفك المعضلة الليبية، على الرغم من العلاقات التي توصف بالاستراتيجية بين الجزائر وموسكو.

ومنذ استبعاد الجزائر من بريكس في أغسطس الماضي، كانت هناك مؤشرات على استياء جزائري من موسكو مع تقلّص الاتصالات السياسية، في مقابل اندفاع الجزائر إلى استعادة نوافذها على واشنطن والغرب.

المساهمون