توجس أميركي من التدخل العسكري في النيجر: الصفقة ممكنة

09 اغسطس 2023
التقت نولاند قادة الانقلاب أول من أمس (براكاش ماتيما/فرانس برس)
+ الخط -

تحوّل انقلاب عسكري في النيجر، الدولة الواقعة في منطقة الساحل الأفريقي بغرب أفريقيا والتي تسجّل أعلى معدلات الموت بالإرهاب في العالم، إلى كابوس بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي تمتلك قاعدتين عسكريتين جويتين في هذا البلد، وكانت تعتمد عليه بقوة في جهود مكافحة الإرهاب.

فمن جهة، لا تزال جهود المجتمع الدولي والأفريقي لإعادة الرئيس محمد بازوم، المحتجز على يد الانقلابيين منذ 26 يوليو/تموز الماضي، عن طريق الدبلوماسية، تبوء بالفشل، ومن جهة أخرى، لا يبدو الحلّ العسكري عبر التدخل الخارجي، عملية سهلة بالنسبة لمن يلوّحون به، من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس"، أو حتى دول غربية.

واشنطن عالقة في الوسط

وترى الولايات المتحدة، نفسها، عالقة في الوسط، وتخشى خطوة أخرى غير محسوبة، قد تقود إلى حرب طويلة ومكلفة بشرياً في المنطقة، فيما تتعثر جهودها للوصول إلى "صفقة" مع الانقلابيين الجدد. وليس انقلاب النيجر الأول في المنطقة، ولا الأول في هذا البلد، ولا الأول منذ 3 أعوام حافلة بالانقلابات العسكرية أو محاولات الانقلاب، في أفريقيا، من مالي إلى بوركينا فاسو إلى غينيا إلى السودان، ومنها أكثر من انقلاب في بلد واحد.

تُعد النيجر حجر أساس لجهود مكافحة الإرهاب الإقليمية

ولكن مع ارتفاع موجة العودة إلى الاستيلاء على السلطة بطرق غير دستورية في أفريقيا، لا تجد واشنطن حرجاً في الصمت عن بعضها، لكنها ترفع الصوت عالياً بالنسبة إلى بعض "شركائها الإستراتيجيين"، وهو ما توصف به النيجر على موقع وزارة الخارجية الأميركية.

وكانت واشنطن تمني النفس، مع قاعدتين عسكريتين جويتين للمسيّرات في النيجر، وألف جندي على الأرض، ودعم مالي وتدريبات مكثفة لمحاربة الإرهاب، في أن يبقى هذا البلد أحد أهم المراكز الأفريقية لمحاربة الإرهاب، وهو ما عمل عليه الأميركيون مع بازوم، الذي التقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في شهر إبريل/نيسان الماضي، في أول زيارة لوزير خارجية أميركي إلى النيجر. وأعلن بلينكن حينها عن حزمة مساعدات سخية لنيامي، وصولاً إلى مباحثات جرت خلال الزيارة لإمكانية استعادة العلاقات الدافئة بين إسرائيل والنيجر، بحسب ما كشفت مواقع إسرائيلية وأميركية حينها.

وليس واضحاً بعد المدى الذي قد تذهب إليه الولايات المتحدة لإعادة حليفها بازوم إلى السلطة، وحدود تفاوضها مع المجلس العسكري الذي نصّب نفسه لقيادة البلاد، بهدف الحفاظ على مكتسباتها الأمنية والاستخباراتية في النيجر، لا سيما مع تراجع الخيار العسكري حتى الآن، لاعتبارات عدة، تتعلق منها بجاهزية نيجيريا، التي يفترض أن تكون قائدة أي تدخل عسكري خارجي لإفشال الانقلاب، ورفض بعض دول الجوار المشاركة في الحملة، وصعوبة تنفيذ اجتياح برّي للنيجر، وتعقيدات الضربات الجوية في بلد تغطي الصحراء نحو 85 في المائة من مساحته الشاسعة (مليون و260 ألف كيلومتر) ويقطنه نحو 22 مليون نيجري.

في المقابل، تبدو عملية التفاوض بالنسبة لواشنطن مع الانقلابيين شاقة، رغم أنها تملك أوراق قوة يمكنها استخدامها. وكُشف أمس، أن نائبة بلينكن، فيكتوريا نولاند، التقت قادة الانقلاب لأكثر من ساعتين في العاصمة نيامي، أول من أمس الاثنين، للضغط في سبيل العودة عن الانقلاب، لكن جهودها لم تثمر اختراقاً يذكر.

وقالت نولاند بعد مغادرتها إن المباحثات كانت "صريحة للغاية، وفي بعض الأوقات صعبة". وأضافت أنها وضعت أمام الانقلابيين "عدداً من الخيارات" للخروج من الأزمة وإعادة العلاقة مع واشنطن، التي قامت مثل عواصم غربية أخرى بقطع المساعدات عن النيجر، موضحة أنها التقت خلال الزيارة الجنرال موسى سلاو بارمو الذي عينته إدارة المجلس العسكري رئيساً للأركان العامة و3 مسؤولين عسكريين آخرين، لكنها لم تقابل قائد الانقلاب عبد الرحمن تشياني. كما حذّرت قادة الانقلاب من السير على خطى مالي وبوركينا فاسو، حيث أطاح عسكريون برئيسين منتخبين، واستدعوا دعم شركة مرتزقة "فاغنر" الروسية، بعدما تخلوا عن التواجد الفرنسي العسكري.

من جهته، جدّد بلينكن أول من أمس موقف بلاده من أن "الدبلوماسية أفضل خيار" لحل أزمة انقلاب النيجر، مؤكداً دعم جهود "إيكواس" لاستعادة النظام الدستوري في هذا البلد.

ورقتان أميركيتان في أزمة النيجر

وتملك واشنطن ورقتين أساسيتين في ما خصّ أزمة النيجر، لا سيما إذا ما أخذ بالاعتبار أن قادة الانقلاب في هذا البلد لم ينفذوا انقلابهم انصياعاً لرغبة شعبية بطرد بازوم، الحليف الوثيق لباريس وواشنطن، أو لتلمسهم تململ الشعب من الفساد والفقر وتنامي الإرهاب، بل لمجرد ما تبدى عن نية بازوم طرد قائد الحرس الرئاسي الجنرال تشياني.

ومع بروز تقارير تتحدث عن خلافات داخل المجلس العسكري الجديد، وإمكانية حدوث انقلاب داخل الانقلاب، قد تعول واشنطن على ورقة المساعدات، التي تشكل نصف ميزانية النيجر، والتي من دونها لا يمكن للانقلابيين تثبيت حكمهم، خصوصاً أنهم لم يبدوا رغبة حتى الآن، في استدعاء الدعم الروسي.

حذّرت واشنطن قادة الانقلاب من السير على خطى مالي وبوركينا فاسو

وبالإمكان أن تسعى الصين إلى سد ثغرة في هذا البلد الغني باليورانيوم، إلا أن الثغرة الأمنية التي قد يخلّفها أي انسحاب أميركي وفرنسي، يصعب ملؤها، مع تعويل النيجر على التدريب والجهود الاستخباراتية الأميركية والغربية، لمحاربة الإرهاب المتفشي في منطقة الساحل، لا سيما في ظلّ الفراغ الذي فشلت "فاغنر" في ملئه في مالي وبوركينا فاسو، وهو ما يدركه انقلابيو النيجر.

وتُعد النيجر حجر أساس لجهود مكافحة الإرهاب الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا، لكن يبدو أن القيادة العسكرية في هذا البلد، وقبل إطاحة بازوم، كانت قد أبدت تحفظاً على تعثر تقدم عملية مكافحة الإرهاب، فضلاً عن مطالبتها الدول الكبرى بدعم مالي أكبر. كما أن الحرس الرئاسي، الذي نفّذ الانقلاب، كان أظهر امتعاضاً من الدعم المالي الذي يذهب للقوات الخاصة التي تدربها أميركا (والتي فشلت بالتنبؤ بالانقلاب بحسب تقرير أخير لـ"وول ستريت جورنال")، وتراجع سطوته.

وبحسب كاميرون هادسون، الباحث المساعد في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن، بحديث لموقع "أن بي آر" الأميركي، في 28 يوليو الماضي، فإن مستقبل العلاقات الأميركية مع النيجر ضبابي اليوم، لافتاً إلى أن النيجر تشكل منصة لأميركا لجمع المعلومات الاستخباراتية، يصعب الاستغناء عنها، فضلاً عن نشاط مكافحة الإرهاب.

وأكد تدريب القوات الأميركية لقوات خاصة في النيجر، وأن قادة النيجر لا يملكون القدرة الذاتية لاستكمال عمليات مكافحة الإرهاب. ولفت إلى عدم وجود أي مؤشرات حتى الآن على أن الانقلابيين يعتزمون استدعاء "فاغنر". ولفت إلى أنه عندما ترفض واشنطن تسمية ما حدث بالانقلاب، فإنها تريد فقط إبقاء كل الخيارات مفتوحة للحفاظ على الشراكة الأمنية، ولو بشكل مؤقت.

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون