توتي... جزيرة سودانية تحت رحمة "الدعم السريع"

18 أكتوبر 2023
جزيرة توتي، سبتمبر 2021 (إبراهيم حميد/فرانس برس)
+ الخط -

تسيطر قوات الدعم السريع التي تخوض قتالاً ضد الجيش السوداني منذ 15 إبريل/نيسان الماضي، على مساحات واسعة في العاصمة السودانية الخرطوم، وتتمركز في عدد من الأحياء والمناطق السكنية، من بينها جزيرة توتي، التي تحيط بها مياه النيل وسط العاصمة، ويعيش سكانها أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد بسبب الحصار المفروض عليهم، والاشتباكات التي تحيط بهم من كل الاتجاهات.

تعتبر جزيرة توتي أقدم المناطق المأهولة بالسكان في العاصمة الخرطوم، وتبلغ مساحتها 950 فداناً (حوالي 4 كيلومترات مربعة)، وتكمن أهميتها في موقعها الذي يقع عند التقاء النيلين الأبيض والأزرق.

وتتوسط الجزيرة مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وبحري وأم درمان، ويربطها جسر من ضفتها الجنوبية بمدينة الخرطوم. في المقابل، لا يمكن الدخول إلى توتي من مدينتي بحري وأم درمان إلا عبر المراكب، وتضم الجزيرة الكثير من المنازل السكنية ويستخدم جزء منها كمزارع، بجانب الحدائق والمنتزهات وأماكن صيد الأسماك.

وتشهد الجزيرة حصاراً سنوياً في موسم فيضان نهر النيل، وكادت في كثير من الأحيان أن تتعرض للغرق، لكن سكانها الذين طوروا مهاراتهم في صدّ المياه، يواجهون الآن حصاراً من نوع آخر، مع وقوع جزيرتهم تحت قبضة قوات الدعم السريع منذ إبريل الماضي.

قوات الدعم السريع تحاصر جزيرة توتي

وكشفت مجموعة محامي الطوارئ الحقوقية، أن قوات الدعم السريع تحاصر جزيرة توتي منذ الأيام الأولى للحرب. وذكرت في بيان صادر في 2 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أن "الدعم" أغلقت الجسر الذي يمثل الطريق البري الوحيد الذي يربط الجزيرة بمدينة الخرطوم، وتقيد حركة مرور الاشخاص والسلع الاستهلاكية والأدوية، وسط مخاطر من استخدام المراكب في نهر النيل.

وأدى هذا الأمر إلى تجويع المواطنين ووفاة بعضهم نتيجة انعدام الرعاية الصحية ونقص الدواء وكذلك الغذاء.

حمدي المبارك: الأدوية مقطوعة ومرضى السكري أكثر المتضررين

وأشارت المجموعة إلى أن ثلاثة مدنيين توفوا، بينهم طفلة تعاني من السكري، نتيجة انقطاع الأنسولين المخلوط، بالإضافة للمعاناة بسبب انقطاع الكهرباء لمدة شهرين، وكذلك انقطاع المياه، ما دفع المواطنين للشرب من الآبار والنيل بشكل مباشر، مما أدى لتفشي الملاريا والإسهال وخروج المركز الصحي عن الخدمة، فضلاً عن تردّي شبكة الاتصالات.

وحمّلت المجموعة قوات الدعم السريع كامل المسؤولية عن الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه مواطنو جزيرة توتي. كما دعت "المجتمع الدولي إلى الوقوف حول هذه الانتهاكات والتي تخالف القانون الدولي الإنساني والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأن تدفع باتجاه تقديم المساعدة الإنسانية عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالسودان، لأن الوضع في توتي مأساوي وفي غاية الخطورة".

ونشرت قوات الدعم السريع مقطع فيديو في 5 سبتمبر/أيلول الماضي، أكدت خلاله أنها لا تحاصر المواطنين ولا تأخذ أموالاً منهم مقابل الخروج والدخول. وظهر في المقطع القائد الميداني المسؤول من الجزيرة، آدم داود، الذي قال إن قوات الدعم تسهّل حصول المواطنين على احتياجاتهم من خارج الجزيرة، وتدفع لهم قيمة العلاج.

وأضاف أن عناصر نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير) يقفون وراء اتهام الدعم السريع بتجويع سكان توتي.

الشابة إيناس التي تسكن الجزيرة برفقة أسرتها تمكنت من الخروج عبر قارب إلى مدينة بحري ثم إلى ولاية الجزيرة. وكشفت لـ"العربي الجديد" أن السكان يعيشون في أزمة حقيقية ويعانون من شح الغذاء وانعدام الدواء. ولفتت إلى أن التجار الذين يريدون جلب السلع أو الخضروات من مدينة بحري لا بد أن يرافقهم عناصر من الدعم السريع.

وأوضحت إيناس أن أفراد أسرتها ما زالوا داخل الجزيرة، ويعانون من ظروف سيئة ولا يمكنهم دفع الإتاوات التي يطلبها عناصر الدعم السريع للمغادرة. وأشارت إلى أن هناك الكثير من الأسر في الجزيرة، بينما تم تهريب الكثير من الفتيات خوفاً عليهن من عناصر الدعم السريع. ودعت إلى إنقاذ المدنيين المحاصرين هناك.

صلاح مصطفى: تحاصر الدعم السريع توتي لكونها استراتيجية

من جهته، أفاد المواطن حمدي المبارك من سكان الجزيرة لـ"العربي الجديد" بأن الكهرباء مقطوعة عن الجزيرة، وتتمثل المعاناة الحقيقية في معضلة الدخول والخروج، مبيناً أن الخروج يتطلب دفع المال لعناصر الدعم السريع بما يصل إلى 90 ألف جنيه (الدولار يساوي حوالي 700 جنيه، أي نحو 128 دولاراً) للسماح بالمغادرة عبر الجسر الذي يربط الجزيرة بالخرطوم من الناحية الجنوبية، أو من خلال المراكب والاتجاه شمالاً نحو مدينة بحري، وغرباً نحو مدينة أم درمان. وقال إن الذين يديرون المراكب يعملون مع الدعم السريع.

انقطاع الأدوية

وحول انقطاع الأدوية، كشف المبارك أن أكثر المتضررين من ذلك هم مرضى السكري، الذين لا يحصلون على الأنسولين بجميع أنواعه، بينما تسيطر الدعم السريع على المركز الصحي، وتعالج فيه عناصرها.

وأشار إلى أن المشكلة الأخرى تكمن في عدم توفر الطعام والشراب، وهناك شح في السلع الغذائية وارتفاع أسعار المتوفر منها، لأن التجار إذا تمكنوا من الحصول على البضائع، فإنهم يدفعون أيضاً إتاوات لعناصر الدعم السريع، مما يرفع أثمان البضائع.

وقال إنه في بعض الأحيان يمنع عناصر الدعم السريع خروج الناس بمال أو من دونه، وقد لاحظوا أن عمليات الخروج من توتي تتزايد.

وأشار المبارك إلى أن المياه مقطوعة لعدم توفر الكهرباء، ولتشغيل مضخة المياه لا بد من إحضار وقود من الخارج، وأحياناً عند توفر وقود يتم تشغيل المضخة ساعات قليلة. وقال إنهم في العادة يدفنون موتاهم في حي حلة حمد بمدينة بحري، والآن لم يعد هناك امكانية، لذلك صار الناس يدفنون الموتى في مقبرة صغيرة داخل الجزيرة خصصت للأطفال، ومساحتها حوالي 300 متر مربع وقد امتلأت حالياً، ويجري البحث عن بدائل.

وأوضح المبارك أن قوات الدعم السريع استخدمت بعض المنازل كمخازن للسلاح، وهناك معتقل يضم عدداً من الاشخاص في اتجاه الضفة الشمالية، مما جعلنا نتخوف من استهداف الجزيرة بالمدافع أو الطائرات، خصوصاً أن الجزيرة استُهدفت مرة واحدة بطائرة مسيرة.

برأي الكاتب والمحلل السياسي صلاح مصطفى، فإن محاصرة الدعم السريع لجزيرة توتي، تأتي في إطار محاولاتها السيطرة على المواقع الاستراتيجية في العاصمة لاستهداف الجيش، أو استخدام الموقع كمخزن للأسلحة والذخائر.

ولفت في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن الجزيرة لا تضم مؤسسات حكومية أو مقار عسكرية واستراتيجية لتكون هدفاً عسكرياً، لكنها تمثل نقطة استراتيجية لتوسطها مدن العاصمة الثلاث، ويصعب اقتحامها برياً.

وأشار مصطفى إلى أن المدنيين الموجودين في الجزيرة يعانون أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد بسبب إقفال المخرج البري الوحيد، ولم يحصلوا على أي تدخل إنساني منظم لإغاثتهم. وأوضح أن وضعية الجزيرة ومساحتها ووجود سكان مدنيين داخلها تصعّب من عملية قصفها بالطائرات أو المدفعية للقضاء على القوة الموجودة داخلها، داعياً لفك الحصار والسماح للمدنيين بالمغادرة.

المساهمون