عادت فوضى السلاح في مناطق مختلفة من ريف دمشق الخاضعة للنظام السوري، إذ قُتل وأصيب العديد من عناصر قوات النظام والمليشيات التابعة له خلال الأيام الأخيرة جراء هجمات متفرقة في هذه المناطق التي كان معظمها يخضع سابقاً لسيطرة فصائل المعارضة، ولا تزال تشهد اعتراضات محلية على أساليب النظام في حكم هذه المناطق، والقائمة على الابتزاز والقمع الأمني.
وفي آخر هذه الحوادث، أقدم مجهولون، أمس الأول الخميس، على قتل ثلاثة شبان في بلدة بيت جن بريف دمشق الغربي بالرصاص، اثنان من عائلة حمادة، يعمل أحدهما في مليشيا محلية تتبع لفرع الأمن العسكري والآخر ضمن مليشيا تتبع لأمن الفرقة الرابعة، والثالث مدني.
وذكر الناشط يوسف الجرجاوي المتحدر من المنطقة لـ"العربي الجديد"، أن اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة اندلعت إثر اكتشاف الجثث على طريق النهر الواصل بين بلدة بيت جن ومزرعة بيت جن، بين مسلحين من عائلة حمادة المدعومة من قبل مكتب أمن الفرقة الرابعة، وبعض أهالي الحي الجنوبي في البلدة الذين اتُهموا بالتورط في تصفية الشبان.
وأضاف الجرجاوي أن الحي الجنوبي المحسوب على فصائل المعارضة سابقاً، تعرض لقصف مدفعي بقذائف الهاون والمضادات الأرضية من جانب الأمن العسكري التابع للنظام ومسلحين مقربين منه من آل حمادة، مشيراً إلى سقوط أكثر من 30 قذيفة على الحي، مع تواصل التصعيد وسيطرة حالة من الهلع على سكان الحي.
يوسف الجرجاوي: المسلحون الموالون للنظام يستخدمون سلاحهم للقيام بأنشطة غير مشروعة
وأوضح أن هذه الاشتباكات تأتي في ظل انتشار الفوضى والفلتان الأمني وانتشار السلاح في مجمل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، خصوصاً بين عناصر المليشيات التي كانت تقاتل سابقاً إلى جانب قوات النظام، لافتاً إلى أنه على الرغم من المحاولات لسحب سلاحها من جانب النظام، لكنها لم تكن محاولات جادة نظراً لاقتناع ضباط بأن من تبقّى من المعارضين السابقين والذين لم يتم تهجيرهم إلى الشمال السوري ربما ما زالوا يحتفظون بقطع من السلاح، ما يستدعي من وجهة نظرهم إبقاء السلاح بيد الموالين لمواجهتهم إذا اقتضت الحاجة.
وأضاف الجرجاوي أنه مع توقف المعارك، فان هؤلاء المسلحين الموالين للنظام يستخدمون سلاحهم في كثير من الأحيان للقيام بأنشطة غير مشروعة مثل تسوية الخلافات والسرقة والخطف وحتى تجارة المخدرات، مستفيدين من الحماية التي تؤمنها لهم علاقاتهم مع الفروع الأمنية والفرقة الرابعة.
والاشتباكات ليست الأولى من نوعها في المنطقة، إذ تتكرر الخلافات والاشتباكات في بلدة بيت جن منذ سيطرة النظام على المنطقة الجنوبية، ضمن اتفاق المصالحات في منتصف عام 2018.
اشتباكات سابقة
وفي 7 إبريل/ نيسان الماضي، اندلعت اشتباكات في البلدة مخلّفة خمسة قتلى من عائلة حمادة، بينهم امرأة، وإصابة ثلاثة أشخاص، مقابل قتيل وجريح من عائلة تقطن الحي الجنوبي في البلدة. كما قُتل في مطلع فبراير/ شباط الماضي شاب من الحي الجنوبي برصاص من قبل شاب من عائلة حمادة.
وأيضاً وقعت اشتباكات مماثلة في نهاية العام الماضي بعد العثور على جثة أحد عناصر الأمن العسكري من آل حمادة بالقرب من قرية دير ماكر في ريف دمشق، والذي كان يُعرف بسطوته الأمنية وعمليات الابتزاز بحق المدنيين.
وعثر الأهالي في أواخر شهر أغسطس/ آب الماضي على جثة عبده عثمان، وهو قائد إحدى المجموعات المحلية التابعة للفرقة الرابعة في مزرعة بيت جن، بعدما أطلق مجهولون النار عليه خلال وجوده في أرض زراعية يملكها بالقرب من بلدة سعسع.
كما قُتل خمسة من عناصر قوات النظام نتيجة هجوم مسلح، أمس الأول الخميس، في بلدة حوش عرب قرب الحدود اللبنانية. وذكرت وسائل إعلام مقربة من النظام أن "خمسة عناصر من الجيش العربي السوري قتلوا نتيجة وقوعهم في كمين غادر من قبل مسلحين مجهولين بالقرب من قرية حوش عرب بريف دمشق، بعد اشتباكات عنيفة بين الجانبين وفرار المسلحين إلى داخل الأراضي اللبنانية".
من جهته، ذكر موقع "صوت العاصمة" المحلي أن مجهولين هاجموا بالأسلحة الخفيفة مقراً يتبع لمليشيا الدفاع الوطني على أطراف قرية حوش عرب، ما أدى إلى مقتل قائد المجموعة أدهم البكور برفقة أربعة من عناصره، وهم هاني جمعة وإبراهيم جمعة وعبد الرحمن جمعة ومهند حمرة.
ووفق الموقع، فان البكور أحد أبرز قياديي مليشيا الدفاع الوطني والمسؤول عن مجموعاتها في حوش عرب وعسال الورد وعدة قرى في منطقة القلمون الغربي بريف دمشق، مشيراً إلى إصابة عدد من عناصر المجموعة خلال محاولة صد الهجوم، بعضهم حالاتهم حرجة، حيث جرى نقلهم إلى مستشفى مدينة يبرود.
ولفت الموقع إلى أن القتلى يتحدرون من قرية حوش عرب، وشهدت القرية استنفاراً شديداً وتوتراً بعد مقتلهم، فيما توعد ذووهم بالانتقام قريباً، مشيراً إلى أن القرية تعتبر من أهم منافذ التهريب التي يشرف عليها "حزب الله" على الحدود السورية - اللبنانية كما يوجد فيها عدد من مستودعات الذخيرة التابعة للحزب.
وشهدت منطقة القلمون خلال العامين الماضيين عدداً من محاولات الاغتيال. وقتل مجهولون في أغسطس الماضي محمود شاهين وابن شقيقه محمد بسبب بعد اتهامهما بتقديم تقارير أمنية ضد الشبان الذين قتلوا في مجزرة رنكوس في أواخر عام 2020 والتي ذهب ضحيتها 11 شخصاً برصاص قوات الأمن التي داهمت أحد المنازل في البلدة بحجة البحث عن مطلوبين.
وفي الإطار نفسه، قُتل عزيز شودب، وهو زعيم إحدى المليشيات المحلية التابعة لفرع الأمن العسكري في ريف دمشق، مساء الثلاثاء الماضي، جراء انفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارته. وذكر ناشطون أن العبوة انفجرت بالسيارة التي كان يقودها شودب وابنته بالقرب من منزله في حي المنصورة في مدينة الكسوة، ما أدى لمقتلهما على الفور.
نزار الوادي: تزايد المواجهات في ريف دمشق يشير إلى حالة الاحتقان التي تعيشها تلك المناطق
ويتحدر شودب من بلدة زاكية، وهو واحد من أبرز عرابي المصالحات وقادة المليشيات المحلية في ناحية الكسوة والقرى والبلدات التابعة لها، وعمل سابقاً كقيادي في صفوف فصيل حركة "أحرار الشام" التابعة للمعارضة السورية، وأجرى مع المجموعة التي كان يقودها مصالحة مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام في أواخر عام 2016، لينضم بعد ذلك إلى فرع الأمن العسكري في مدينة الكسوة، ويصبح أبرز قيادي محلي يعمل لصالحهم في المنطقة.
دور الفرقة الرابعة
وقال الناشط أبو محمد الكسواني لـ"العربي الجديد"، إن أهالي المنطقة يعتقدون أن عناصر يعملون لصالح الفرقة الرابعة هم المسؤولون عن عملية الاغتيال، وذلك إثر محاولات سابقة لاغتياله توجهت أصابع الاتهام فيها للفرقة الرابعة نتيجة ثأر قديم معه، بعد تحميله مسؤولية مقتل نحو 15 عنصراً من "الدفاع الوطني" خلال هجوم لفصائل المعارضة قاده شودب في منتصف عام 2016.
كما شهدت بلدة الهامة قرب دمشق في 20 مايو/ أيار الماضي مواجهات بين عناصر الأمن وشبان محليين مطلوبين. وأجبر فرع الأمن السياسي أحد الشبان المطلوبين على تسليم نفسه بعد تهديدات باقتحامها واعتقال نساء وأطفال من أهالي البلدة.
وذكر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن فرع الأمن السياسي عرض على أهالي البلدة تسليم الشاب أبو محمود المصري نفسه مقابل إلغاء التهديدات التي وجهها الفرع لوجهاء البلدة باقتحامها، في مقابل تقديم وعود لهم بإجراء تسوية أمنية لثلاثين مطلوباً من أهالي البلدة لمواجهتهم إحدى دوريات الفرع التي حاولت اعتقال المصري. ولفت الناشطون إلى أن المصري عمل سابقاً ضمن فصائل المعارضة وأجرى تسوية في عام 2016 وبقي في الهامة بصفة مدنية.
ورأى الصحافي نزار الوادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تزايد هذه المواجهات في مناطق مختلفة من ريف دمشق يشير إلى حالة الاحتقان التي تعيشها تلك المناطق، بعد مضي سنوات على استعادة قوات النظام السيطرة عليها من فصائل المعارضة.
وأضاف الوادي أن الأجهزة الأمنية للنظام تتعامل بحقد مع هذه المناطق، ولا تفوت فرصة لتصفية حسابات قديمة انتقاماً ممن عملوا سابقاً مع فصائل المعارضة، إضافة إلى إصرارها على ممارسة الأساليب نفسها التي كانت العامل الأول في اندلاع الثورة السورية عام 2011، وهي الملاحقات الأمنية بالاعتماد على التقارير والمخبرين، يضاف إلى ذلك نشوء فئة من المسلحين المحليين المدعومين من تلك الأجهزة، تمارس بدورها الابتزاز والسرقة والقهر على المواطنين بالاعتماد على علاقتها مع أجهزة الأمن.
وسجل تقرير لـ"الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، صدر أمس الجمعة، ما لا يقل عن 226 حالة اعتقال تعسفي خلال شهر مايو الماضي، كانت 108 منها على يد قوات النظام السوري، بين المعتقلين سيدتان.
وأوضح التقرير أن قوات النظام استمرت في ملاحقة واعتقال الأشخاص الذين أجروا تسويةً لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقَّعت اتفاقات تسوية معه، وتركَّزت في محافظتي ريف دمشق ودرعا، وحصل معظمها ضمن حملات دهم واعتقال جماعية وعلى نقاط التفتيش، إضافة إلى عمليات اعتقال استهدفت العائدين قسرياً من لبنان.