لا حدود للعبث والاستهزاء المتعالي لدولة الاحتلال الإسرائيلي ورموزها، المدنية ومنها والأمنية العسكرية، في تعاملها مع الشعب الفلسطيني، وتحديداً مع قيادة السلطة الفلسطينية، ومع الأنظمة الواقعة في "غرام التطبيع". فلم تمر مثلاً أيام على دفاع وزير الأمن الجنرال بني غانتس، ورئيس الحكومة يئير لبيد، عن جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين كانوا في جنين، وأطلقوا الرصاصة القاتلة التي أودت بالشهيدة شيرين أبو عاقلة، حتى جاء الاثنان ليعلنا، الأول في لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والثاني في بيانات للصحف ووسائل الإعلام أمس، عن "تهنئتهما" الشعب الفلسطيني والشعوب لإسلامية (لا أقل من ذلك) بحلول عيد الأضحى.
هذا هو طبع الاحتلال الإسرائيلي والعقيدة الصهيونية، عنصرية واستعلاء واستغفال للفلسطينيين، وهو ما يُترجم بمطالبته لهم بحفظ الهدوء له ولقواته، وتكثيف التعاون والتنسيق الأمنيين ضد حركة "حماس"، مقابل فتات الفتات، على هيئة بضعة آلاف أخرى من تصاريح العمل، وتسهيلات في السفر عبر مطار إيلات، ووجود رمزي لقوات السلطة عند معبر اللنبي الحدودي مع الأردن.
لكن طبع وديدن إسرائيل العنصرية، وإن كانا متأصلين في عقيدتها الصهيونية وممارسات دولة الاحتلال الإجرامية في "السلم والحرب" (التي كشفت تقارير وأرشيفات إسرائيلية، أمس، أنها دفنت جثامين نحو 80 جندياً مصرياً، قُتلوا في حرب يونيو/حزيران 1967، في بئر عميقة في مستوطنة زراعية تعاونية، ولم ترَ من ضرورات المصالحة (الاستسلام المصري)، أن تعيد لمصر ما تبقّى من رفات جنودها، لأنها لا ترى بمن ليس يهودياً إنساناً يستحق الاحترام الأخير) يتغذيان في العقدين الأخيرين (ومنذ نهاية الانتفاضة الثانية بعد استشهاد ورحيل ياسر عرفات) من الضعف الفلسطيني والعربي.
هذا الضعف بات يتحوّل إلى استسلام معيب ومخزٍ لأمة بأكملها، عندما يستجدي القادة الفلسطينيون "أفقاً سياسياً" من دولة الاحتلال، ولقاء مع رئيس حكومة تصريف أعمال لا يحمل صلاحيات فعلية. وحتى لو امتلك هذه الصلاحيات، فهو لا يريد أصلاً إطلاق عملية تسوية سياسية مع الفلسطينيين، مهما كانت صغيرة.
في مثل هذا الواقع، فإن إعلان مستشار وزير الخارجية الفلسطيني، أحمد الديك، أن أبو مازن لا يمانع لقاء لبيد، وتصريحات عباس نفسه في لقائه مع غانتس عن وجوب فتح "أفق سياسي"، لن يحققا للشعب الفلسطيني شيئاً، بل يعمّقا ممارسات الاحتلال مقابل تهان مغمسة بالدماء.