وزيرة المواصلات من الليكود ميري ريغيف، المعروفة بتصريحاتها ضد العرب وعنصريتها، والتي قادت حملات ضد أفراد ومؤسسات ثقافيّة فلسطينيّة إبّان تولّيها وزارة الثقافة الإسرائيليّة، تُصرّح قبل أيام بأن حزب الليكود هو "البيت الطبيعي للعرب". جدعون ساعر المنشق عن الليكود ومؤسس حزب "تكفاه حدشاه" (أمل جديد)، يفتتح حسابًا في الفيسبوك باللغة العربيّة وينشر ملصقًا انتخابيًا له بالعربيّة "نتنياهو حرّض علينا.. ساعر راح يجمع بيناتنا". يائير لبيد رئيس حزب "يش عتيد (يوجد أمل) يظهر في فيديو ممول في الفيسبوك وهو يحاور شابا عربيا ويتعهد له أمام الجمهور بالتزامه بقضايا حارقة تخص الفلسطينيين في الداخل مثل العنف والجريمة والبناء والتعليم والمساواة المدنيّة. أما رئيس الحكومة بيبي نتنياهو، فيتنقل من بلدة عربيّة إلى أخرى، ويزور مراكز التطعيم ضد فيروس كورونا، ويُعلن عن عهد جديد سيبدأه مع المواطنين العرب.
لم يحصل هذا التهافت للأحزاب الصهيونية وراء الجمهور الفلسطيني وأصواته في انتخابات الكنيست الإسرائيليّة مصادفة، مع العلم أن هذه الأحزاب لطالما كانت أذرعًا صغيرة في المجتمع العربي من خلال مقاولي الأصوات، لكن في هذه الانتخابات، حصلت عدّة أمور في الأشهر الأخيرة، أفضت إلى هذا الشكل من الحملات الإعلاميّة وتغيير في الخطاب، وتنافس حتى بين الأحزاب الصهيونيّة على الصوت العربي. ويمكن تلخيصها بثلاثة أسباب مركزيّة:
أولًا: تغيّر سلوك النائب منصور عباس والحركة الإسلاميّة التي يُمثلها خلال السنة الأخيرة، في العلاقة والخطاب تجاه الحكومة الإسرائيليّة ورئيسها بنيامين نتنياهو، خلافًا لما كان متّبعًا في الخطاب السياسي للقائمة المشتركة المنضوية فيها الحركة الإسلاميّة، من هجومٍ ودعوة لإسقاط نتنياهو إلى تعاون غير معلن واستعداد للتعاون المعلن.
هذا التحوّل الذي برّره النائب منصور عباس بحجة تحقيق إنجازات خدماتية للفلسطينيين في الداخل من خلال التنسيق مع الحكومة، انطلاقًا من كونهِ ليس في جيب اليسار ولا اليمين الإسرائيلي، أفضى إلى تعاونات أنقذت نتنياهو شخصيًا في جلسة تتعلق بمحاكمته بقضية الغواصات، مقابل وعود عدّة حصل عليها عباس، منها ما هو متعلّق بمعالجة قضية العنف والجريمة لدى الفلسطينيين في الداخل، وذلك خلال جلسة خاصّة في الكنيست نظّمها عباس وحضرها نتنياهو، وهي من المرات القليلة التي يحضر فيها رئيس الحكومة جلسة عمل للجان الكنيست، مما عكس حجم التناغم بين عباس ونتنياهو. إلا أن الأخير تنكّر لعبّاس لاحقًا في عدّة مقابلات صحافية، ولم يُقدّم له شيئا ملموسا يُذكر.
هذا التودد العربي الذي مثّله منصور عباس تجاه الحكومة وتخفيف حدة الهجوم في الخطاب السياسي تجاه سياساتها العنصرية بحق المواطنين الفلسطينيين، قوبل من قِبل زعيم الليكود بعد حلّ الكنيست والإعلان عن انتخابات جديدة، بتعاملٍ بنفس الاستراتيجية تجاه المواطنين الفلسطينيين وتجاه عدد من قضاياهم.
ثانيًا: تفكك القائمة المشتركة بعد الخلافات التي حصلت مع النائب منصور عباس، وذهاب الأخير للانتخابات لوحده ضمن القائمة العربيّة الموحدة، وبقاء الجبهة والتجمع والعربيّة للتغيير داخل المشتركة، مما أدى إلى استياء وفرز داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل. ففي الانتخابات السابقة؛ مثّلت القائمة المشتركة قوة حقيقيّة في الشارع وبين الناس كونها مثّلت تحالفًا بين مركبات الأحزاب العربيّة، وأعطت شعورًا بإمكانية تحقيق إنجازات أكبر في هذا التحالف من خلال جلب عدد أكبر من المقاعد داخل الكنيست. وكان نبذ الخلافات والتراشقات التي كنا نشهدها عادة بين الأحزاب العربيّة، دافعًا إضافيًا للناس لتأييد فكرة قائمة تجمع كل العرب تخوض الانتخابات لتحصيل حقوقهم أمام مؤسسة تُميز ضدهم عنصريًا في القضايا المدنية والسياسيّة.
تُخبرنا تجربة انتخابات الكنيست بنيسان 2019، عندما تفككت القائمة المشتركة حينها أيضًا إلى قائمتين، إلى أن نسبة التصويت لدى العرب انخفضت إلى قرابة 50% وبحصول القائمتين حينها على 10 مقاعد، بينما الانتخابات التي سبقتها عام 2015 حصلت المشتركة على 13 مقعدًا مع نسبة تصويت بين العرب وصلت 63%. وبعد تجربة نيسان السيئة للتمثيل العربي، عادت الأحزاب العربيّة وتوحدت ضمن المشتركة في انتخابات أيلول 2019 لتحصل على 15 مقعدًا مع نسبة تصويت وصلت إلى أكثر من 64%.
كذلك تشير النتائج إلى ارتفاع نسبة المصوتين العرب للأحزاب الصهيونيّة بعد تفكك القائمة المشتركة في انتخابات نيسان 2019، إذ حصلت الأحزاب الصهيونيّة على قرابة 30% من أصوت العرب. وهذا الرقم ليس بعيدًا في هذه الانتخابات في 2021 أيضًا وأظهرته بعض استطلاعات الرأي الداخليّة، ويمكن تفسير ذلك لأسباب تتعلق بخيبة الأمل من القائمة المشتركة وتفككها، ومحاولة قطاعات التأثير من خلال التصويت لأحزاب أخرى يمكنها إسقاط نتنياهو، إضافة لازدياد التوجهات الفردانية ومظاهر الأسرلة في ظل غياب مشروع سياسي جماعي للفلسطينيين في أراضي الـ48، وصعود توجهات نيوليبرالية في صفوف الفلسطينيين.
هذا التفكك الثاني للقائمة المشتركة، وهو أمر رأت فيه الأحزاب الصهيونيّة مناسبة لتسويق نفسها داخل المجتمع الفلسطيني، على أنها هي التي تستطيع تحقيق إنجازات حقيقيّة للعرب وليس القائمة المشتركة. لذلك بدأوا في حملات إعلاميّة مخصصة للجمهور العربي، والتوجه لشخصيّات عربيّة كي تتمثل داخل قوائهم والعمل على المستوى المحلي مع مقاولي أصوات.
ثالثًا: هناك سبب آخر يتعلّق بالتنافس بين الأحزاب الصهيونية نفسها، إذ يبحث كل حزب عن أكبر عدد ممكن من الأصوات، ويُمثّل الفلسطينيون بالنسبة لهم مخزن أصوات إضافيا خارج الاصطفافات العقائديّة والهوياتيّة التي تٌقسّم المجتمع الإسرائيلي إلى علمانيين/ متدينين، شرقيين/ أشكناز/ روس إلخ.. . بالنسبة للأحزاب الصهيونيّة يمكن وضع العرب ضمن خانة وعود بتحسين ظروفهم الحياتية والمزيد من الميزانيات الخدماتية دون أي حاجة للحديث عن القضية الفلسطينية. وضمن هذا الخطاب يدور التنافس بين الأحزاب الصهيونية على الصوت العربي.