تمرد "فاغنر".. تداعيات أخطر الساعات في حكم بوتين

25 يونيو 2023
يرى محللون أن الاتفاق الذي أنهى الأزمة قد يتسبب في اندلاع أزمة طويلة الأجل (أسوشييتد برس)
+ الخط -

انسحبت القوات الروسية المنتشرة لحماية العاصمة، اليوم الأحد، بعد إعلان قوات فاغنر الانسحاب. لكن التمرد الذي لم يدم طويلا قد يكون له عواقب طويلة المدى على قبضة الرئيس فلاديمير بوتين على السلطة لمدة عقدين من الزمن وحربه في أوكرانيا.

كانت صورة بوتين كقائد صلب قد تأثرت بشدة نتيجة لحرب أوكرانيا، التي دامت 16 شهرا، وحصدت أرواح أعداد ضخمة من القوات الروسية.

وقال العديد من المحللين إن مسيرة قوات فاغنر التي يقودها يفغيني بريغوجين، أمس السبت، باتجاه موسكو، كشفت عن العديد من نقاط الضعف. كما تعني أيضا سحب بعض أفضل القوات التي تقاتل في صفوف القوات الروسية في أوكرانيا من ساحة المعركة تلك: قوات فاغنر التابعة لبريغوجين والقوات الشيشانية التي جرى إرسالها للتصدي لهم.

بعد الدعوة إلى تمرد مسلح يهدف إلى الإطاحة بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بدا أن بريغوجين ومقاتليه يسيطرون على مقر قيادة الجيش الروسي في روستوف أون دون الذي يشرف على القتال في أوكرانيا.

بعد ذلك، تقدم مقاتلو فاغنر نحو موسكو دون عوائق إلى حد كبير، لكن وسائل إعلام روسية ذكرت أنهم أسقطوا مروحيات وطائرة اتصالات عسكرية عدة، دون تعليق من وزارة الدفاع.

لم يوقفهم سوى اتفاق لانتقال بريغوجين إلى بيلاروسيا، التي دعمت الغزو الروسي لأوكرانيا، وإعلان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إسقاط التهم الموجهة إليه بشن تمرد، وأمر بريغوجين قواته بالعودة إلى ثكناتهم ومواقعهم.

أعلنت الحكومة أيضا عدم توجيه اتهامات لمقاتلي فاغنر الذين شاركوا في التمرد، في الوقت الذي سيتلقى فيه الأفراد غير المشاركين في التمرد دعوة للانضمام إلى الجيش الروسي.

ورغم تعهد بوتين في وقت سابق بمعاقبة الضالعين في الانتفاضة المسلحة، دافع بيسكوف عن هذا التوجه، قائلا إن "الهدف الأسمى لبوتين هو تجنب إراقة الدماء والمواجهة الداخلية بنتائج غير متوقعة".

أدرك المتابعون على وسائل التواصل الاجتماعي يوم السبت أن بريغوجين يتهرب من الملاحقة القضائية، بسبب تمرد مسلح في الوقت الذي هاجم فيه العديد من الروس الحرب في أوكرانيا، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن لمدد طويلة.

بوتين الخاسر على المدى الطويل

ويرى محللون أن الاتفاق الذي أنهى الأزمة الحالية قد يتسبب في اندلاع أزمة طويلة الأجل.

وقال أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، فيليبس أوبراين: "بالنسبة إلى ديكتاتورية بُنيت على فكرة سلطة بلا منازع، كان هذا بمثابة إذلال شديد، ومن الصعب أن ترى مارد الشك يُجبر على العودة إلى القمقم. لذا، إذا كان بريغوجين قد خسر على المدى القصير، فمن المرجح أن يكون بوتين هو الخاسر على المدى الطويل".

ظل بريغوجين، الذي أرسل سلسلة من الرسائل الصوتية والفيديوهات خلال تمرده، صامتا منذ إعلان الكرملين عن الاتفاق. لم يتضح ما إذا كان في بيلاروسيا بعد، أو ما إذا كان أي من جنود فاغنر سيتبعونه.

وردا على أسئلة "أسوشييتد برس"، أجاب المكتب الصحافي لبريغوجين بأنه لا يمكنه الرد على الفور، ولكنه "سيجيب عن الأسئلة عندما يحصل على اتصال عادي".

وأظهر مقطع فيديو في روستوف أون دون الأفراد يهتفون لقوات فاغنر أثناء مغادرتهم. وركض البعض لمصافحة بريغوجين، الذي كان يركب سيارة دفع رباعي.

وقال حاكم المنطقة في وقت لاحق إن جميع القوات غادرت المدينة. كما ذكرت وكالات الأنباء الروسية أن سلطات ليبيتسك أكدت أن قوات فاغنر غادرت تلك المنطقة التي تقع على الطريق المؤدية إلى موسكو من روستوف.

بدت مدينة روستوف هادئة صباح اليوم الأحد، إلا من آثار الدبابات على الطرق فقط، في تذكير بوجود مقاتلي فاغنر.

وقال أحد السكان، ويدعى سيرغي، الذي وافق فقط على ذكر اسمه الأول: "انتهى كل شيء، الحمد لله، بأدنى قدر من الضحايا. عمل جيد"، مشيرا إلى أن "جنود فاغنر كانوا بالنسبة لي أبطالا، لكنهم لم يعودوا كذلك الآن، لأنه ما كان ينبغي أن يفعلوا ما فعلوه".

في منطقة ليبيتسك، بدا السكان غير منزعجين من الاضطرابات. تقول ميلينا غوربونوفا لوكالة "أسوشييتد برس": "لم يعطلوا أي شيء. وقفوا بهدوء على الرصيف ولم يقتربوا أو يتحدثوا إلى أي شخص".

وصنعت حفر في الطريق السريع لإبطاء مسيرة قوات فاغنر، ولكن بحلول اليوم الأحد أعيد رصف الطرق وتعبيدها مجددا.

ومع تحرك قوات فاغنر شمالا باتجاه موسكو، أقامت القوات الروسية المسلحة بالبنادق الآلية نقاط تفتيش على أطراف المدينة. وأعلن التلفزيون الشيشاني الرسمي سحب حوالي 3000 جندي شيشاني من الجبهة في أوكرانيا لنقلهم سريعا إلى هناك في ساعة مبكرة من صباح يوم السبت.

بحلول بعد ظهر اليوم الأحد، انسحبت القوات من العاصمة، ونزل الأفراد إلى الشوارع وتوافدوا على المقاهي. وعادت حركة المرور إلى طبيعتها، وأزيلت الحواجز ونقاط التفتيش، لكن الميدان الأحمر ظل مغلقا أمام الزوار.

على الطرق السريعة المؤدية إلى موسكو، أصلحت أطقم العمل الطرق المتضررة بعد ساعات من المخاوف.

وأعلن مذيعو محطات التلفزيون الرسمية الاتفاق الذي أنهى الأزمة بأنه أحد مظاهر "حكمة بوتين"، وبثوا لقطات لجنود فاغنر وهم ينسحبون من روستوف أون دون، وعودة الطمأنينة إلى قلوب السكان المحليين الذين يخشون معركة دامية للسيطرة على المدينة. وأشاد الأشخاص الذين قابلتهم القناة الأولى هناك بطريقة تعامل بوتين مع الأزمة.

لكن معهد دراسة الحرب، ومقره الولايات المتحدة، حذر من أن "الكرملين يواجه الآن توازنا غير مستقر للغاية". وكتب المعهد الذي يتابع الحرب في أوكرانيا عن كثب منذ البداية أن "الاتفاق ليس سوى حل قصير الأمد، وليس حلا طويل الأمد".

وكان بريغوجين قد طالب بالإطاحة بوزير الدفاع سيرغي شويغو، الذي يوجه إليه قائد فاغنر سهام الانتقادات منذ فترة طويلة، بسبب الطريقة التي أدار بها الحرب في أوكرانيا.

وأشارت تقارير سبقت التمرد إلى أن الولايات المتحدة تلقت معلومات استخبارية تفيد بحشد بريغوجين قواته بالقرب من الحدود مع روسيا لبعض الوقت. لكن ذلك يتعارض مع ادعاء بريغوجين بأن تمرده كان ردا على هجوم شنه الجيش الروسي على معسكراته الميدانية في أوكرانيا يوم الجمعة، والذي قال إنه قتل عددا كبيرا من رجاله. ونفت وزارة الدفاع مهاجمة المعسكرات.

وكان الدافع المحتمل لتمرد بريغوجين هو أوامر وزارة الدفاع، التي يؤيدها بوتين، توقيع جنود الشركات الخاصة عقودا معها بحلول الأول من يوليو/ تموز. لكن بريغوجين رفض القيام بذلك.

(أسوشييتد برس)

المساهمون