تقليص الدعم في مصر: تحذيرات من انتفاضة شعبية

31 مايو 2024
توصيل الخبز في القاهرة، الثلاثاء الماضي (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سياسيون مصريون يحذرون من خطر تقليص الدعم على الخبز، مشيرين إلى أنه قد يهدد السلم الاجتماعي ويؤثر سلبًا على الموقف السياسي للنظام المصري.
- الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري يعتبر رفع سعر الخبز خطرًا كبيرًا، مؤكدًا أن الرغيف المدعوم حق للشعب ويحذر من تأثيرات سلبية للسياسات الاقتصادية الحالية.
- أستاذ علم الاجتماع السياسي ورئيس حزب الإصلاح والتنمية يستبعدان حدوث انتفاضة شعبية كما في 1977، مشيرين إلى اختلاف الظروف ويدعوان لحزم اجتماعية تعوض عن ارتفاع الأسعار.

حذّر سياسيون مصريون من تقليص الدعم في مصر خصوصاً في قطاع الخبز، لاحتمال تشكيله "تهديداً للسلم الاجتماعي" وحدوث "توترات شعبية". ونبّهوا من انعكاس ذلك على الموقف السياسي للنظام المصري سواء على المستوى الداخلي أو على الصعيد الدولي، لا سيما أن هناك العديد من الأزمات السياسية في مواجهة الحكومة المصرية، وأخطرها على الحدود مع قطاع غزة، واحتلال إسرائيل كامل خط الحدود مع القطاع في مخالفة للقانون. وعلى مدار السنوات الماضية، نصحت الأجهزة الأمنية المصرية الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم المساس بدعم الخبز خوفاً من ردود الفعل الشعبية، وهو ما أكده السيسي في كلمة له في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عندما قال إن "ردود الأفعال الشعبية لتحمل تكلفة الإصلاح وضغوطها كانت دائماً تشكل هاجساً ضخماً وعميقاً لدى صنّاع القرار والأجهزة الأمنية". لكنه ردّ على ذلك قائلاً بالنص: "كان موجود على الترابيزة (الطاولة) كل المعنيين من الأجهزة الأمنية والدولة، وطرحنا عملية الإصلاح الاقتصادي وتحرير سعر الصرف، كل اللي قاعدين قالوا (لا) من مدير المكتب والاقتصاد والمالية والرقابة الإدارية والداخلية والدفاع كله (لا)... قلتلهم يا جماعة العملية مش عافية، إحنا بندردش عشان دي بلد… قلت يا جماعة إحنا هنعدي بالقرار ده ممكن نعديها لكن لو اتأخرنا هنبقى عايزين نعدي بحر لا يمكن نعديه.. والحمد لله مشينا وربنا أراد لنا التوفيق".

مخاطر تقليص الدعم في مصر

وحول مخاطر حدوث توترات شعبية جراء قرار الحكومة تقليص الدعم في مصر أوضح الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاء الدين شعبان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "رفع سعر رغيف الخبز، الغذاء الأساسي لعشرات الملايين من المصريين وربما لأكثر من ثلثي المواطنين، يجعل من المستحيل لهم أن يعيشوا أو السماح باستمرار الحياة كما هي. الرغيف المدعوم ليس منحة من الحكومة أو من الطبقة الحاكمة، بل حق يدفع ثمنه الشعب المصري من ضرائبه وعمله وجهده، ولا يجب بأي حال من الأحوال المساس به، لأنه قد يؤدي إلى انفجارات اجتماعية لا يمكن السيطرة عليها". وأعاد شعبان التذكير بـ"وقائع انتفاضة الخبز في 18 و19 يناير/كانون الثاني 1977، التي كانت لأسباب أقل وطأة، ولكن ما يعيشه المواطن المصري الآن هو المعاناة من ارتفاع أسعار كل السلع الأساسية".


أحمد بهاء الدين شعبان: رفع سعر رغيف الخبز جزء من خطة محاصرة المواطن المصري

وأضاف أن "الادعاء بأنه بعد تعويم الجنيه تمت السيطرة على ارتفاع الأسعار كذبٌ صريح، إذ لم يُسيطَر على هذا الارتفاع، ويعاني كل المواطنين والطبقة الوسطى وجميع من لا يسرق أو يستفيد من ظروف الفساد في جمع أمواله من الارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية". وشدّد على أن "رغيف الخبز بالنسبة للمصريين ليس ترفاً، وإنما وسيلة حياة، لأن اعتماد المصري على الخبز فقط يأتي نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار كل مدخلات عملية الغذاء في مصر. وكما هو معروف، فإن رفع سعر رغيف الخبز ليس صدفة، بل جزء من خطة محاصرة المواطن المصري وتجويعه، اعتماداً على سياسات أثبتت على مدى عشرات السنين فشلها الذريع، وكلها قّدّمت على أنها حلول لمشكلات المجتمع، وكان آخرها خصخصة المؤسسات الصحية المصرية الكبرى، مثل معهد الأورام وغيرها من الصروح العلاجية التي عاش على عطائها الشعب المصري، وذلك إضافة إلى رفع سعر البنزين والتهديد برفع سعر الكهرباء وسعر الغاز وغيرها من حاجات المواطن المصري الرئيسية".

وتابع شعبان: "أكرر تحذيرنا من هذا النهج، لأنني كنت أحد المشاركين في أحداث 18 و19 يناير 1977، وأعرف جيداً حساسية المواطن المصري تجاه لقمة عيشه، فما بالك برغيف العيش؟ واجبنا أن نحذر من هذا النهج الذي يدهس عشرات الملايين من أبناء الشعب المصري، وهو بشكل أو بآخر نوع من الإبادة المنظمة للطبقات الشعبية في المجتمع، لأنه حالياً لا طعام ولا غذاء ولا بروتين ولا حليب للأطفال، وأخيراً لا خبز". وأشار إلى أن "رفع سعر الخبز من 5 قروش (الجنيه الواحد يعادل 100 قرش) إلى 20 قرشاً قد يبدو بالنسبة للكثيرين ثمناً هزيلاً، لكن بالنسبة للمواطن هذه كارثة كبرى يصعب احتمالها". واعتبر أنه "على أي حال، نحن نحذر من هذا النهج الذي يقود إلى احتقان شديد جداً، في وقت تعيش فيه مصر لحظة أزمة حقيقية، ومهددة من كل جهات حدودها وبالذات من العدو الصهيوني".

بدوره، استبعد أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق حدوث ثورة شعبية على غرار ما حدث 18 و19 يناير 1977، في حال أُقرّ تقليص الدعم في مصر قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد" إن "مصر 1977 ليست مصر 2024 شعباً أو حكومة أو ثقافة أو أحزاباً، لذلك الاعتقاد بتكرار سيناريو 1977 ليس دقيقاً، خصوصاً لأن التاريخ لا يعيد نفسه". وأضاف أن "التمهيد لرفع الأسعار إعلامياً حدث طيلة العام الحالي، كما أن هناك قرارات وسياسات عديدة سابقة من رفع أسعار الكهرباء والنفط اتُخذت مرات عدة ولم تحدث انتفاضات. وعليه، فإن زيادة أسعار الخبز قد لا تسبب ثورة، لكن ستكون لها آثار اجتماعية واقتصادية كبرى، مثل تدهور معدلات التغذية والصحة، وقد ترتفع أيضاً معدلات الجريمة والطلاق".

وتابع صادق: "يمكن أيضاً أن تتراجع شعبية الحكومة، وتستغل المعارضة المصرية ذلك، ولكن لن يزيد رد الفعل عن تلك التوقعات"، مشدداً على أن "انتفاضة يناير 1977 صعب حدوثها مع قوة أجهزة الدولة وغياب تنظيمات المعارضة على الأرض". أما رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، فقال لـ"العربي الجديد" إنه "لا شك أن رفع سعر الخبز المدعوم سيخلق حالة اجتماعية صعبة، لأنه غذاء أساسي لغالبية المصريين، ورأينا أيضاً تحريكاً في أسعار الدواء. ومن المنتظر أيضاً رفع أسعار الكهرباء في أواخر شهر يونيو/حزيران المقبل، وربما أيضاً بعض أسعار الغاز والمحروقات والطاقة، وهو بلا شك سيخلق حالة صعبة على المجتمع الذي يعاني أصلاً من غلاء الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه، كما أن المداخيل والأجور ضعيفة بشكل عام رغم اجتهاد الدولة خلال الفترة الماضية في إقرار بعض الزيادات، لكن مع ذلك، فبالتأكيد ستكون هناك حالة استياء وغضب شديد".


سعيد صادق: الاعتقاد بتكرار سيناريو 1977 ليس دقيقاً لأن التاريخ لا يعيد نفسه

استبعاد حصول انتفاضة

واستبعد السادات حصول انتفاضة بعد تقليص الدعم في مصر مشيراً إلى أن "الأجواء التي تعيشها مصر الآن ودول الجوار، وما يحدث في غزة والسودان وليبيا وغيرها، تجعل احتمالات أن يؤدي غلاء الأسعار إلى أي نوع من الانتفاضات الشعبية، على غرار ما حدث سابقاً في عام 1977، مستبعدة". وأبدى اعتقاده أن "المصريين ورغم معاناتهم، يميلون إلى الاستقرار والهدوء بعد سنوات عاش خلالها الجميع تجربة صعبة، لذلك لا أعتقد أنه سيكون هناك حراك شعبي بالمعنى الذي يتصوره البعض، ولكن لا شك أن تأثيرات رفع سعر الخبز السياسية والاجتماعية تظل كبيرة". ورأى السادات أنه "ربما نشهد جرائم اجتماعية تقليص الدعم في مصر لأن الناس لا تستطيع العيش، فنجد مثلاً العنف الأسري أو زيادة في نسب الطلاق وزيادة معدلات الجريمة والرشوة، وذلك يمكن أن يحدث لأن الناس تحاول توفير احتياجاتها الأساسية. لذا أرجو أن تنتبه الحكومة لذلك، ولا بد أن تراعي البعد الاجتماعي الإنساني من خلال حزم اجتماعية تُقدَّم للناس، تعوضهم عن ارتفاع الأسعار، وهذه مسألة غاية في الأهمية وخصوصاً إذا كانت هناك موارد تأتي إلى مصر نتيجة اتفاقات مع صندوق النقد الدولي ومع الاتحاد الأوروبي، وحصيلة بيع بعض الأصول في الدولة، مثل صفقة بيع منطقة رأس الحكمة للإمارات، فلا بد أن يستخدم جزء كبير من هذه الأموال التي دخلت مصر لخدمة البعد الاجتماعي والإنساني، كي يستطيع الناس العيش بكرامة". وقررت الحكومة البدء في تقليص الدعم في مصر عبر رفع سعر رغيف الخبز إلى 20 قرشاً اعتباراً من بداية الشهر المقبل، علماً أن نسبة الزيادة التي بلغت 300 في المائة مرتبطة بحياة نحو 64 مليون مواطن، نصفهم في دائرة الفقر أو الفقر المدقع، وفقاً لمؤشرات البنك الدولي.