أصدرت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، اليوم الثلاثاء، تقريرها المعنون بـ"سنة أولى من جمهورية الفرد: حصيلة هزيلة وخطيرة"، يغطي الفترة الممتدة بين أغسطس/ آب 2022، وأغسطس 2023، ويقع في 18 صفحة، خلصت فيه إلى أنه مع صدور الدستور الجديد كان المتوقع "أن تلتزم السلطات العمومية بأحكامه، لكن ما لاحظناه هو عدم الالتزام بالدستور من ناحية ومخالفة أحكامه بصيغة فجة وصارخة، في غياب الضمانات الأساسية لرقابة هذه المخالفات وردعها".
وبتحليلها لأحكام دستور 2022 لاحظت الجمعية أن "كل الحقوق والحريات المنظمة فيه تم الاعتداء عليها وضربها من مختلف السلط العمومية خاصة الجهاز التنفيذي والقضاء الموالي للسلطة القائمة".
وحول حصيلة سنة بعد الدستور الجديد، قال عضو الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية وحيد الفرشيشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن رئيس الجمهورية أصدر دستوره يوم 18 أغسطس 2022، وفي 12 سبتمبر/ أيلول، أي بعد أقل من شهر، أصدر المرسوم عدد 54 الذي يكمم الأفواه والعقول، بينما يتحدث دستور الرئيس عن حرية التعبير وأن لا رقابة عليها"، مبيناً أن "هذا الأمر يعد خرقاً كبيراً".
ولفت إلى أن "المفارقة الثانية تتعلق بحقوق النساء، فالدستور واضح ويقول إن الدولة تسعى لتحقيق التناصف في المجالس المنتخبة، وبالتالي هو واجب محمول على الدولة، ولكن القانون الانتخابي وفق المرسوم 55 ضرب حق النساء في الترشح، وجعل الانتخاب على القائمات، لأن في ذلك تضييقاً على الدوائر، ما يفسح المجال لترشح الرجال دون النساء، وهو ما جعل الترشيحات قليلة، ونسبة النساء في البرلمان لا تتعدى 16%".
وبيّن أن "هناك عدة خروقات يقوم بها الرئيس من خلال تصريحاته، منها قرينة البراءة عندما يتحدث عن خونة ومتآمرين، وفي ذلك تأثير على القضاء إلى جانب حديثه عن القضاة أنفسهم"، مبينا أن" التحريض على الأفارقة جنوب الصحراء، وتسجيل حالة وفاة، كانا نتيجة خطاب العنصرية".
وقال الفرشيشي إن "حصيلة سنة بعد دستور الرئيس، هزيلة ولم تركز السلطة مؤسساتها، ولم تعمل حتى على احترام الدستور، مضيفاً أن دستور 2022 نص على مجموعة مهمة من المؤسسات التي من شأنها تجسيد منظومة حكم جديدة، ولكن للأسف لم يقع تركيز أي مؤسسة باستثناء مجلس نواب الشعب ومواصلة هيئة الانتخابات لعملها في ظروف غابت فيها الاستقلالية والشفافية مما أثر على مصداقيتها".
وأكد أن "قيس سعيد لا يحترم الحقوق والحريات التي نص عليها دستوره وأصبحت هناك بطاقات إيداع بالسجن بناء على التدوينات، وبالتالي واقع الحقوق والحريات في تونس اليوم سيئ جداً، بل وصلنا إلى مرحلة الخوف من التعبير وهي أقصى مراحل الدكتاتورية".
وتابع: "تركيز المحكمة الدستورية سيطرح معه عدة إشكاليات، فلا أعمال تحضيرية ولا توجد أي وثيقة لتوضيح الدستور الذي كتبه الرئيس بمفرده.. هناك مخاوف أن القضاة الكبار الذين سيتم تعيينهم قريبون من التقاعد، وستتم تسميتهم من الرئيس نفسه".
وقال أستاذ القانون، أمين الجلاصي، إن "سنة من الدستور أو من التشريع سجلت خروقات عدة، خاصة في المستوى المؤسساتي"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد " أن "الدستور نص على المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الفصل 81 إلى 86)، وهو مجلس يتم انتخاب أعضائه من بين المجالس المحلية التي لم تحدث بعد، وتعرض عليه المشاريع المتعلقة بالموازنة ومخططات التنمية، ولكن لم يتم انتخاب أي من هذه المجالس".
وأضاف المتحدث أنه "تم حل المجالس البلدية، ولم تنظم انتخابات بلدية، وكذلك المحكمة الدستورية التي تغيرت تركيبتها من دون قانون جديد لها وفق ما نص عليه دستور 2022".
وأوضح أنه "حل المجلس الأعلى للقضاء في يونيو/ حزيران 2022، وعوض بمجلس مؤقت ومعين من قبل الرئيس، بينما نص الدستور على أحداث 3 مجالس قضائية عليا تختص كل منها بصنف من القضاة، وهو ما لم يحدث"، مبيناً أن "السلطة التنفيذية، وتحديداً رئيس الجمهورية ووزيرة العدل، تتصرف في الشأن القضائي، عدلياً وإدارياً ومالياً".
ويرى الباحث في القانون وعضو الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، أمين لطيف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "يمكن القول إن حصيلة عمل المؤسسات التي تم إرساؤها وانطلاق عملها هزيلة، والسلطة القائمة تواصل خرق الدستور... الخرق واضح على مستوى حرية التعبير، ومن خلال الإحالات المتواترة على القضاء، وسجن مدونين وسياسيين معارضين للرئيس. والمرسوم 54 يمثل أكبر خرق للدستور الذي ينص على حماية الحريات".
ولفت لطيف إلى أن "التسميات من قبل رئاسة الجمهورية تتم على أساس الولاء، وترجمت بعزل عدة مسؤولين في الدولة مما يؤكد عدم الجدية.. المسألة تكررت في مناسبات عدة، من ذلك عزل رئيسة الحكومة التي عينها الرئيس، ما يؤكد الانفراد بالقرار وفرض الرؤية الأحادية".