استمع إلى الملخص
- مصر تقترح مبادرة لوقف إطلاق النار تشمل تبادل أسرى، لكن فرص نجاحها قبل الانتخابات الأميركية ضعيفة بسبب رفض حكومة نتنياهو، مما دفع القاهرة لمحاولة تعديل المبادرة بالتنسيق مع أطراف دولية.
- مراقبون يرون أن المبادرة المصرية غير كافية لتحقيق مكاسب للفلسطينيين، حيث تسعى مصر للضغط على نتنياهو وكسر الجمود التفاوضي، مؤكدة دورها كوسيط.
كشفت مصادر قيادية في حركة حماس عن تفاصيل التقدير السياسي للحركة، بشأن الحراك الراهن الساعي إلى التوصل إلى اتفاق تهدئة وصفقة تبادل أسرى، والذي بدأه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته أخيراً المنطقة. وانتهت الدائرة السياسية بالحركة من إعداد تقدير موقف كامل للحراك الحالي، والذي خلُص في مجمله إلى أنه "لا تتوفر الجدّية من الإدارة الأميركية أو حكومة الاحتلال من أجل التوصل إلى اتفاق". رغم ذلك تفيد المصادر بأن قرار القيادة السياسية للحركة هو التعامل بإيجابية كاملة مع جهود الوسطاء، وفقاً للضوابط المحددة التي تكرر إعلانها والتأكيد عليها. يأتي ذلك فيما تربط مصادر في القاهرة وحماس الحراك الأخير بالانتخابات الرئاسية الأميركية.
تقديرات "حماس" تشير إلى أن الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال تريدان اختبار قيادة الحركة سياسياً وعسكرياً
القاهرة وحماس تستبعدان اتفاقاً قبل الانتخابات الأميركية
وفي تفاصيل تقديرات القاهرة وحماس رأى تقدير الدائرة السياسية، والذي أعد للعرض على مؤسسات اتخاذ القرار بالحركة، أن الحراك الحالي "يأتي خدمة لموقف الديمقراطيين (في أميركا)، وعدم إظهار إدارتهم بمظهر العاجز أمام الجمهوريين في الانتخابات الأميركية المرتقبة، إلى جانب التخفيف من تأثير مشاهد الإبادة والتجويع والتهجير في شمال غزة". واعتبرت الحركة أن "التحركات الأميركية أخيراً والتي واكبها تفاعل ظاهري فقط من رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) عبر المسارعة بإرسال وفد التفاوض إلى الدوحة، تهدف إلى اختبار موقف الحركة من الطروحات الجديدة بعد استشهاد زعيم الحركة يحيى السنوار، وما إذا كانت هناك تحولات في موقف حماس عقب التطورات الميدانية الأخيرة". وباعتقاد الحركة وعقب الدراسة السياسية للظروف المحيطة بالحراك الأخير، فإنه "من ضمن أهداف الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال، اختبار قيادة الحركة في الوقت الراهن ومدى سيطرتها على الساحتين السياسية والعسكرية، ومن ثم تحديد مصدر القرار وآلياته في الحركة والاطمئنان على أن الحالة الفلسطينية تخضع حتى اللحظة لضوابط مركزية تمنع الفوضى التي تعرض حياة الأسرى (الإسرائيليين) المحتجزين للخطر".
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد كشف في مؤتمر صحافي مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في القاهرة، الأحد الماضي، عن مقترح مصري لمبادرة لوقف إطلاق النار يتم بموجبها وقف إطلاق النار مدة يومين وإطلاق سراح أربعة أسرى إسرائيليين مقابل أسرى (لم يحدد عدده) فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، على أن يعقب ذلك على مدى عشرة أيام، مفاوضات حول استكمال خطوات التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية. وتتشارك مصادر القاهرة وحماس بارتباط نتائج المفاوضات وحراكاها بالانتخابات الأميركية. وعلمت "العربي الجديد"، أن التقديرات المصرية بشأن إمكانية الوصول لاتفاق، ضعيفة في الوقت الحالي، أي قبيل الانتخابات الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إذ رأى مسؤولون في القاهرة أن نتنياهو، لن يمنح الإدارة الأميركية في وضعها الحالي قبيل الانتخابات، امتيازات دون مقابل. ووفقاً للتقديرات المصرية، سينتظر نتنياهو، ساكن البيت الأبيض الجديد، لصياغة تفاهمات واتفاقات جديدة للمرحلة التي تلي الانتخابات الأميركية.
تأتي تقديرات القاهرة وحماس في ظل جهود دولية رامية لوقف تصاعد الأزمة في غزة، فيما طرحت القاهرة مقترحاً للتهدئة المؤقتة القصيرة في غزة، أملاً في كسر الجمود التفاوضي، وتحقيق هدنة طويلة بتنسيق إقليمي ودولي، ما اعتبره مراقبون محاولة لاستعادة الدور المصري المفتقد، لا سيما بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح على الحدود بين القطاع ومصر، واحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على طول هذه الحدود. وأغضب رفض حكومة نتنياهو المقترح المصري، القاهرة واستدعى سفر رئيس جهاز الشاباك رونين بار إليها. وذكرت القناة 12 الإسرائيلية، مساء الأحد الماضي، أن أجهزة الأمن الإسرائيلية أيدت المقترح المصري الذي طُرح خلال اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، ورفضه نتنياهو مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. وذكرت القناة أنه تم إرسال بار إلى مصر بهدف السعي لإجراء تعديل على المقترح، الذي أعلنه السيسي، وهو المقترح المطروح بالتوازي مع مفاوضات تجري في الدوحة.
معصوم مرزوق: المبادرة المصرية بشكلها الحالي لا يمكن أن توافق عليها "حماس"
مبادرة مصرية غير كافية
وبشأن تأثير المقترح المصري على القاهرة وحماس اعتبر المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير معصوم مرزوق، أن طرح مصر لهذه المبادرة بالشكل الحالي غير كافٍ بالمرّة، بل قد يكون "استجابة لرغبات إسرائيلية"، خصوصاً أن هذا الوقف المؤقت لإطلاق النار في غزة "لن يسهم في إحداث أي تغيير على الأرض، ولن يحقق أدنى مكاسب للفلسطينيين، فيما يمكن لنتنياهو تصوير إطلاق هذا العدد البسيط من الأسرى (الإسرائيليين) على أنه نصر". وشدّد مرزوق، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن المبادرة بهذا الشكل لا يمكن أن توافق عليها حماس، متسائلاً "ماذا تفعل 48 ساعة لغزة المدمرة التي تعاني المجاعة، وماذا يدفع حماس للقبول بإطلاق أسرى إسرائيليين ثم تعود الإبادة الجماعية لغزة، وهل تكفي هذه المدة القصيرة لدخول المساعدات لغزة، التي تحتاج لعشرة أيام على الأقل؟"، معتبراً أن "هذه المبادرة لن تحقق شيئاً ذا قيمة للفلسطينيين". وأقرّ مرزوق بأن احتلال تل أبيب محور صلاح الدين ومعبر رفح "أضر بأمن مصر القومي، وأضرّ وزن مصر الاستراتيجي بشدة، وكذلك دورها في المفاوضات؛ فالقاهرة لا ينبغي أن تكون وسيطاً بين الفلسطينيين وإسرائيل، بل ينبغي أن تكون طرفاً أصيلاً في الصراع، كونها المتضرر الأول مما يجري في غزة". وشدّد على أن قيمة مصر الاستراتيجية تتضرر "حال الصمت على مغامرات نتنياهو الذي لا يهدد الأمن في الشرق الأوسط فقط، بل يهدد أمن العالم أيضاً".
أحمد فؤاد أنور: تسعى مصر للضغط على نتنياهو للانسحاب من معبر رفح ومحور صلاح الدين
من جهته رأى أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الإسكندرية، أحمد فؤاد أنور، أن طرح مصر مبادرتها الخاصة بوقف إطلاق النار يسعى إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وذلك من خلال إحياء المفاوضات التي توقفت منذ أغسطس/آب الماضي، وتوجيه رسالة للرأي العام الداخلي الإسرائيلي لتكثيف الضغوط على نتنياهو و"إحراجه"، بالإضافة إلى تمهيد الأجواء لاستئناف المفاوضات للوصول إلى صفقة شاملة لوقف إطلاق النار وتبادل موسع للأسرى، فضلاً عن "السعي لوقف الإبادة وإيقاف حملات التهجير من شمال غزة". وأشار أنور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن من أهداف مصر وراء طرح هذه المبادرة الضغط على نتنياهو للانسحاب من معبر رفح ومحور صلاح الدين، وهو الأمر الذي "حوّل مصر من وسيط وراعٍ للمفاوضات إلى طرف مناوئ لحكومة نتنياهو".
بدوره قال مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير السابق حسين هريدي، إن القاهرة تسعى بجدية إلى كسر حالة الجمود في مسار المفاوضات عبر مبادرتها التي تهدف إلى وقف العنف وحماية الشعب الفلسطيني من حملات الإبادة والتجويع، خصوصاً في شمال غزة. ونفى في حديث لـ"العربي الجديد"، ما يُشاع من أن مبادرة مصر جاءت لاستعادة دورها كوسيط، معتبراً أن القاهرة "لم تفقد دورها كوسيط في المفاوضات يوماً، وهذا الدور لا يمكن الاستغناء عنه ولم يتأثر، سواء باحتلال معبر رفح أو محو صلاح الدين". وأشار إلى زيارة رئيس الشاباك للقاهرة إلى جانب استمرار التنسيق المصري القطري الأميركي، باعتبار ذلك دليلاً على ثبات الدور المصري في دعم الحلول الدبلوماسية، وإنهاء الحرب، والتوصل إلى وقف إطلاق النار، وتفعيل صفقة التبادل وإدخال المساعدات إلى غزة.