بطريقة ما، وصلت الناشطة الجزائرية المعارضة أميرة بوراوي إلى تونس ثم فرنسا، أخيراً، بعدما وضعتها السلطات الجزائرية منذ نهاية عام 2021، على لائحة الممنوعين من السفر. ومن مطار تونس الدولي، وصلت بوراوي، مساء الإثنين الماضي، إلى مدينة ليون الفرنسية. وبحسب المعطيات التي توفرت، فقد تدخلت القنصلية الفرنسية في تونس لإحباط محاولة السلطات التونسية ترحيلها إلى الجزائر، إثر توقيفها يوم الجمعة الماضي في المطار، عندما كانت تحاول السفر عبر رحلة متوجهة إلى فرنسا، باستخدام جواز سفرها الفرنسي. وتحمل بوراوي الجنسية الفرنسية منذ عام 2007، نظراً لزواجها من جزائري مقيم في فرنسا مزدوج الجنسية. وقد وضعتها القنصلية، بعد محاولة تونس ترحيلها، تحت حمايتها كمواطنة فرنسية.
وأثارت القضية بوادر أزمة دبلوماسية جديدة بين الجزائر مع قرار الرئاسة الجزائرية، أمس الأربعاء، استدعاء السفير الجزائري في باريس سعيد موسي للتشاور معه إثر الحادثة.
وكانت وزارة الخارجية الجزائرية قد أبلغت السفارة الفرنسية برفضها هذا التطور الذي يلحق ضرراً كبيراً بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، معتبرةً أن هذا التصرف "غير مقبول".
لكن حادثة الناشطة بوراوي ليست الأولى من نوعها في صفوف المعارضين الجزائريين. قبلها، حاول ناشطون كُثر الخروج من البلاد بالطريقة ذاتها، أو في غفلة من السلطات، بسبب ما يعتبرونه تضييقاً سياسياً عليهم من السلطة، بالإضافة إلى منعهم من السفر، وبسبب الضغوط القضائية المرتبطة بمواقفهم المناوئة للسلطات.
اعتقالات وملاحقات وهروب
وفي أغسطس/ آب الماضي، نجح الناشط الجزائري في مجال توثيق قضايا حقوق الإنسان زكي حناش (أوقف في فبراير/ شباط الماضي بتهمة الإشادة بالإرهاب ونشر معلومات كاذبة ثم أفرج عنه في إبريل/ نيسان 2022)، في دخول تونس من الأراضي الجزائرية، بعد أشهر قليلة من الإفراج عنه، حيث أفلت حناش من الرقابة الأمنية على الحدود. لكن السلطات الجزائرية طلبته للمثول أمام العدالة في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وطلبت من السلطات التونسية توقيفه وترحيله، ما اضطُر حناش للجوء إلى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لطلب اللجوء. ووضعت المفوضية الناشط الجزائري تحت حمايتها، في انتظار توفّر بلد أوروبي لاستقباله.
تتشدد السلطات في تطبيق المادة 87 مكرّر من قانون العقوبات
وكتب حناش على مواقع التواصل الاجتماعي لاحقاً: "كنت مجبراً على الذهاب إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (في تونس) من أجل طلب اللجوء والحماية، تمّ استقبالي ووضع ملف لدى المفوضية، وبعد دراسة معمقة عن ملفي ووضعيتي والمتابعة القضائية ضدي من طرف السلطات الجزائرية، قرّرت المفوضية السامية منحي صفة لاجئ، وبذلك أصبحت لاجئاً تحت حماية المفوضية السامية للأمم المتحدة".
وقبل أشهر قليلة، غادر الجزائر رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بالإنابة، المحامي سعيد صالحي، إلى فرنسا، نتيجة ضغوط السلطات وتهديدات بحسبه، حيث يقيم هناك في الوقت الحالي بشكل دائم. وسبقه في ذلك الرئيس السابق للرابطة نفسها، المحامي صالح دبوز، والناشط الحقوقي عيسى رحموني. كما سبق أن أعلن الصحافي سيّد أحمد بن عطية عن وصوله إلى إسبانيا عبر قوارب الهجرة السرية.
وفي الصيف الماضي، ألقي القبض على الناشط إبراهيم لعلامي، وهو أول ناشط قام بتظاهرة منفردة في 5 يناير/ كانون الثاني 2019 ضد ترشح (الرئيس الراحل) عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة قبيل اندلاع الحراك الشعبي، عندما كان يحاول الخروج من البلاد عبر قوارب الهجرة غير النظامية، بعد سلسلة من الملاحقات القضائية ضدّه والمنع من السفر. وقبل ذلك، كان ناشط آخر، هو محمد حمالي، قد نجح فعلاً في المغادرة نحو إسبانيا عبر قوارب الهجرة، وإن كان قرّر لاحقاً العودة الطوعية إلى البلاد.
وسبق ذلك خروج الصحافي عبدو سمار إلى أوروبا، حيث يقيم الآن، وذلك عبر تونس أيضاً، بعد الإفراج عنه من السجن في الجزائر، وهو ملاحق من قبل السلطات الجزائرية بتهم متعددة. وفي أكتوبر الماضي، أصدرت محكمة الجنايات الابتدائية في العاصمة الجزائرية حكماً غيابياً بالإعدام في حقّ سمار، بتهمة التورط في تسريب ونشر معلومات سرّية واستراتيجية تخص صفقات شركة المحروقات الجزائرية "سوناطراك"، وصفتها النيابة بأنها بالغة المساس بالاقتصاد الوطني.
دوافع متباينة لفرار الناشطين الجزائريين
ويمكن ملاحظة أن ظاهرة خروج الناشطين من الجزائر لأسباب ودوافع سياسية، تشمل صحافيين ومحامين ونشطاء حقوقيين وآخرين مستقلين. ويفسّر البعض توالي خروج الناشطين والمعارضين من البلاد بظروف التضييق السياسي التي تشهدها الجزائر في الفترة الأخيرة، خصوصاً مع تشدد السلطات في تطبيق المادة 87 مكرّر من قانون العقوبات التي تسمح بتكييف أي نشاط ذي طابع احتجاجي أو تجمع أو منشور معارض على أنه تهديد للأمن العام ومساس بالوحدة الوطنية.
جمال لخذيري: الناشطون لا يغادرون إلا بعدما يعتقدون أنهم شكلوا سجلاً مقنعاً لطلب اللجوء
وفي السياق، يعتبر الكاتب والإعلامي محمد أيوانوغان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هروب الناشطين من الجزائر مرتبط أساساً بالمناخ السياسي القائم في البلاد. ويلفت الكاتب إلى أن "هناك مقولة سابقة قالها القائد السابق للجيش، الراحل أحمد قايد صالح، في أحد خطاباته: إن هؤلاء لا مكان لهم في الجزائر الجديدة، وهذه العبارة بصدد التحقق في الميدان".
ويرى أيوانوغان أن منطق الفريق الحاكم الحالي هو منطق إقصائي، ينطلق من قناعة أيديولوجية، بينما كان نظام الحكم في الجزائر في السابق، وظل دائماً، مفتوحاً لكل التيارات الأيديولوجية والسياسية على الرغم من كل عيوبه، بمعنى أنه كانت هناك دائماً مساحة ممكنة لحضور الرأي الآخر الذي له فضاءاته للتعبير عنه، دون أن يكون هذا المستوى المبالغ فيه من الانزعاج من قبل السلطة، لكن ذلك لم يعد موجوداً الآن".
في المقابل، يقول المحامي جمال لخذيري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "بعض النشطاء الذين يتخذون مواقف معارضة للسلطة، يستهدفون تشكيل سجل من ملاحقات قضائية، اعتقاداً منهم أنه أمر يعزز موقفهم للحصول على اللجوء السياسي بعد الخروج من الجزائر".
ويوضح المحامي أن هؤلاء الناشطين "لا يغادرون الجزائر إلا بعدما يعتقدون أن ما تشكل لديهم من سجل قضائي يقنع الدول والمنظمات بحقهم في اللجوء، وبما يعزز إمكانية حصولهم السريع على تسوية وضعية قانونية في الدول التي يلجأون إليها". ويشير لخذيري إلى أن "هناك قاسماً مشتركاً بين عدد من الناشطين الذين غادروا في الفترة الأخيرة، هو أنهم ظهروا حديثاً في الساحة، ولم يكن يعرف لهم في السابق أي حضور في المشهد المحلي، ولم ينتظموا في أحزاب أو تنظيمات يمكن أن تؤطر نضالاتهم".