- قيادات التحالف الحاكم تتفاوت في ردود الفعل؛ بعضهم يدعو حزب خان للتفاوض مع الحكومة، بينما يرى آخرون المفاوضات محاولة للحصول على عفو.
- عمران خان وحزبه يرون في التفاوض مع المؤسسة العسكرية الطريق الأمثل لتجاوز الأزمة السياسية، معتبرين أن الأحزاب الحاكمة لا تملك النفوذ الكافي لإحداث تغيير حقيقي.
في تطور لافت على الساحة السياسية الباكستانية، أعلن حزب حركة الإنصاف الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق عمران خان المسجون حالياً، بدء التفاوض مع المؤسسة العسكرية والاستخبارات التي تسمى محلياً الدولة العميقة، ليكون تفاوض حزب عمران خان مع الجيش حصراً، من أجل ما وصفه بمحاولة لإخراج البلاد من المأزق السياسي الحالي. علماً أن المؤسسة العسكرية والاستخبارات لم تعلّق على ذلك.
في موازاة ذلك، تفاوتت ردود فعل المسؤولين والقيادات في التحالف الحاكم (حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية - جناح نواز شريف، وحزب الشعب بزعامة بيلاوال بوتو زرداري) حيال القضية، فبينما دعا بعضهم حزب خان إلى التفاوض أيضاً مع الحكومة، وصف آخرون قرار تفاوض حزب عمران خان مع الجيش بأنه طلب للعفو عن خان وقيادات الحزب الآخرين الذين يواجهون ملفات قضائية، والتي تتعلق معظمها بالعمل ضد مؤسسات الدولة والفساد.
تفاوض حزب عمران خان مع الجيش
وذكر شهريار آفريدي، القيادي في "حركة الإنصاف" ووزير الداخلية السابق في حكومة خان، خلال حديث على قناة جيو المحلية الأحد الماضي، أن "حركة الإنصاف" يتفاوض مع قائد الجيش (عاصم منير) والمؤسسة العسكرية والاستخبارات، ولا يتفاوض مع أي جهة أخرى، في إشارة إلى الحكومة. كذلك شدّد على أن الجميع يعرف أن المفاوضات مع الجيش والاستخبارات ستكون مجدية وذات نتائج، "لذا الزعيم عمران خان كان يرغب منذ إطاحة حكومته (عام 2022) أن يتفاوض مع الجيش والاستخبارات، لكن الجانب الثاني لم يكن يرغب بذلك". وأضاف أنه "الآن عندما أبدى الجانب الثاني رغبته أيضاً في الحوار استعد الحزب مرة أخرى للتفاوض وهو لا محالة سيكون نافعاً".
وتحمل تصريحات آفريدي في طياتها رفضاً لدعوة القياديين في التحالف الحاكم لحزب حركة الإنصاف إلى التفاوض أيضاً مع الحكومة إضافة إلى تفاوض حزب عمران خان مع الجيش الباكستاني، إذ طلب نائب رئيس الوزراء الباكستاني والقيادي البارز في حزب الرابطة الإسلامية إسحاق دار، في تصريح الأحد الماضي، من حزب خان التفاوض مع الحكومة، داعياً إياه إلى العمل المشترك من أجل إخراج البلاد من الأزمات المتعددة التي تشهدها في الوقت الحالي. كما قال دار إن المفاوضات هي الحل الوحيد لحل جميع المشاكل، وإن البلاد لا تتحمل كل تلك الصراعات التي تشهدها حالياً. ولم يكن دار الوحيد الذي دعا حزب خان إلى الحوار مع الحكومة، بل جاءت الدعوة من عدد من القياديين الآخرين في التحالف الحاكم، من بينهم عضو مجلس الشيوخ والقيادية في حزب الشعب، شيري رحمن، والتي قالت في تصريح الأسبوع الماضي، إن المفاوضات بين كل مؤسسات الدولة لا بد منه، ومنها الحكومة، وبالتالي "ندعو حزب عمران خان إلى المفاوضات معها".
كذلك شدّد القيادي في حزب الرابطة الإسلامية محسن نواز رانجا، في حوار مع قناة داون نيوز الباكستانية، الاثنين الماضي، على أن تفاوض حزب عمران خان مع الجيش "والمؤسسة العسكرية أمر لا بد منه". وعزا ذلك إلى أن "أن الحزب ارتكب جرائم في التاسع من مايو/ أيار 2023 من خلال الهجوم على مقرات الجيش (على خلفية اعتقال خان)، ولا بد من تصفيته (الخلاف) عبر الحوار، ولكن في نهاية المطاف على الحزب أيضاً أن يتفاوض مع الحكومة والسياسيين".
تحفظات الحكومة
ورغم تلك الدعوات، فإن قرار "حركة الإنصاف" بالتفاوض مع المؤسسة العسكرية جعل الحكومة في حالة إرباك، ربما لأن أعضاء التحالف الحاكم هم المستفيدون من الصراع الدائر بين الحزب والمؤسسة العسكرية، وفق مراقبين. وفي السياق، عزت وزيرة الإعلام في حكومة إقليم البنجاب عظمى بخاري، وهي القيادية في "الرابطة الإسلامية"، في تصريح صحافي بمدينة لاهور، الاثنين الماضي، تفاوض حزب عمران خان مع الجيش إلى سعي الحزب "للحصول على العفو من المؤسسة العسكرية لأنه ارتكب جرائم في التاسع من مايو ضد المؤسسة العسكرية والمؤسسات الوطنية".
من جهته اعتبر كريم كندي، القيادي في حزب الشعب ونائب رئيس البرلمان السابق، في تصريح الأحد الماضي، أن ما يفعله حزب خان "هو أنه يسعى ليس فقط للحصول على العفو"، موضحاً: "نعرف جميعاً أن خان وصل إلى الحكم بمساندة الجيش، ولكن العلاقات توترت بينهما بعد ذلك، من هنا عمران خان يسعى الآن من جديد إلى جلب المؤسسة العسكرية إلى الساحة السياسية".
في المقابل قال القيادي في حزب حركة الإنصاف شبلي فراز، في تصريح صحافي الأحد الماضي، إن "الجميع يدرك أن المؤسسة العسكرية في البلاد لها وزنها وثقلها وكذلك الاستخبارات، كما لا يمكن إنكار حقيقة أخرى مفادها أن حزب حركة الإنصاف له نفوذه". وبرأيه فإنّ المفاوضات بين الجانبين تأتي "من أجل القضاء على الخلافات"، معتبراً أن "إيجاد حلول للمأزق السياسي الحالي أمر لا بد منه". ولفت إلى أنه "نظراً لتلك الحقائق قرّر حزب حركة الإنصاف إجراء المفاوضات مع الجيش والاستخبارات، ولكن من الضروري جداً أن نقول إن آلية تلك المفاوضات مهمة جداً ولا بد من وضعها قبل المضي قدماً".
بدوره قال همايون مهند، القيادي في حزب خان وعضو بمجلس الشيوخ، في حديث مع قناة داون الاثنين الماضي: "سنتفاوض أيضاً مع الأحزاب السياسية كلها، باستثناء أعضاء التحالف الحاكم". وأضاف: "لكننا نعتقد أن الحل في الحوار مع المؤسسة العسكرية والاستخبارات، مع التأكيد على أنه لا مساومة على القانون والدستور". وأوضح أن الحزب يتفق مع جميع الأحزاب السياسية "على نقطة واحدة وهي سيادة القانون، ولكن الحديث مع المؤسسة العسكرية والاستخبارات لا بد منه، إذ لديها القوة والنفوذ ولا يمكن التغاضي عن ذلك".
نذير بلوش: عيّن عمران خان لجنة من ثلاثة قياديين في حزبه للتفاوض مع الجيش
في موازاة ذلك كشف الإعلامي الباكستاني، نذير بلوش، في حديث مع "العربي الجديد"، أن زعيم حركة الإنصاف عمران خان التقى قبل ثلاثة أيام "عدداً من الصحافيين في سجن أديالا (بمدينة روالبندي في إقليم البنجاب) وسألوه بعض الأسئلة حول الحوار مع الحكومة والمؤسسة العسكرية، فيما أوضح خان أنه سمح بالحوار مع المؤسسة العسكرية والاستخبارات فقط، لا الحكومة". كذلك أوضح بلوش أن خان "عيّن لجنة من ثلاثة قياديين في حزبه للتفاوض مع الجيش وهم: شبلي فراز، وزعيم المعارضة في البرلمان عمر أيوب، وعلي أمين"، مضيفاً أن خان "شدّد على أن الحوار الأساسي هو بين حزبه وبين المؤسسة العسكرية لا الحكومة".
ولفت إلى أن هذا الموقف هو موقف خان منذ البداية، وهو أن الحوار لا بد أن يكون مع الجيش والمؤسسة العسكرية، والذي أوضحه خلال لقائه بالصحافيين، إذ شدّد خان على أن الأحزاب الحاكمة أتى بها الجيش، ولا تملك قوة أو نفوذاً، وبالتالي الحديث يكون مع الجيش، لا مع تلك الأحزاب. وحول موقف الحكومة إزاء المفاوضات بين حزب خان والمؤسسة العسكرية، اعتبر بلوش أنه "لا شك أن التحالف قد استفاد ولا يزال يستفيد من الصراع بين حزب خان والجيش، وهو يعرف أن الأمور إذا حُلت بينهما حينها سيكون التحالف هشاً للغاية". وأوضح أن التحالف "مكوّن من أحزاب لها تاريخ طويل من الصراع، وبقاؤها ليس إلا بدعم من الجيش، وبسبب معارضة حزب خان".
نسيم صديقي: التفاوض مع الجيش ليس طلباً للعفو عن عمران خان
واتفق الإعلامي الباكستاني نسيم صديقي، في حديث مع "العربي الجديد"، مع هذا الرأي، معتبراً أن "ما تقوله الحكومة من أن حزب خان يطلب العفو من المؤسسة العسكرية ليس صحيحاً". وعزا ذلك إلى أن "خان وقيادات حزبه لا يواجهون ملفات الفساد الكبيرة كي تعفو عنهم المؤسسة العسكرية كما حصل بحق أحزاب أخرى في الماضي". وأوضح أن "كل ما في الأمر هو خلافات بين الطرفين حول بعض الأمور، وتفاقمت بسبب حدة وشدة موقف خان من جهة وبسبب بعض سياسات قيادة الجيش من جهة ثانية"، مشيراً إلى أن "الطرفين يسعيان للقضاء على هذه الخلافات". واعتبر أن "هذا ليس طلباً للعفو".
من جانبه رأى المحلل السياسي الباكستاني راشد علي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "مع الأسف هناك حقيقة مرة، وهي أن المؤسسة العسكرية تؤدي (دوراً) في كل شيء". واعتبر أن كل حزب "يريد أن يصل إلى الحكم بمساعدة المؤسسة العسكرية بدلاً من الاعتماد على آراء الشعب، وهذا ما يحصل حالياً، إذ وصل التحالف إلى الحكم بمساعدة الجيش والآن يريد خان أن يتصالح مع الجيش لأنه يعرف أن بيده كل شيء، والأحزاب السياسية ليست إلا لعبة في يده".