أعلنت شركة "روساتوم" الروسية، أمس الإثنين، عن إطلاق إنتاج معدات محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر، بعد زيارة وفد مصري رفيع المستوى برئاسة وزير الكهرباء محمد شاكر، أول من أمس الأحد. واستهل الوزير جولته بزيارة شركة "جي أس سي تياجماش"، إحدى أكبر شركات بناء الآلات في روسيا. وقال شاكر في تصريحات على هامش الزيارة: "إن ما يجري هو نتيجة العمل الدؤوب المشترك لفرق المشروع من الجانبين الروسي والمصري. ويتم تنفيذ مشروع إنشاء محطة الطاقة النووية المصرية بدعم كامل من القيادة السياسية المصرية"، مضيفاً "أنه لمن دواعي سرورنا أن يظهر الفريق المصري الروسي نتائج جيدة، وأن جميع المهام التي يواجهها في تنفيذ المشروع يتم إنجازها بنجاح".
استعادت عملية تنشيط مفاعل الضبعة زخمها بعد زيارة شاكر لموسكو
من جهته، قال نائب رئيس شركة "روساتوم" ألكسندر لوكشين: "أود التأكيد على أهمية هذا المشروع لشركة روساتوم وروسيا ككل. لا يمكن تنفيذ مثل هذه المشاريع الضخمة، مثل إنشاء محطة للطاقة النووية، إلا من خلال التفاهم الكامل المتبادل بين فرق العمل. ونحن ممتنون جداً للجانب المصري لأنه تمت بالفعل تهيئة هذا الجو في المنطقة". أما رئيس هيئة الطاقة النووية، مساعد وزير الكهرباء المصري أمجد الوكيل، فكشف عن استعداد الوفد "لرؤية التقنيات الحديثة في مواقع الإنتاج في روسيا، وهذا يعطينا الثقة في أن تعاوننا سيسمح لنا بالوفاء بجميع الالتزامات بموجب العقد، وسيتم تصنيع جميع المعدات وتسليمها في الوقت المحدد". وستتألف أول محطة طاقة نووية في تاريخ مصر من أربع وحدات طاقة بقوة 1200 ميغاوات، وستقوم بتشغيل المفاعلات النووية الروسية المتقدمة "في في إي آر ـ 1200" من الجيل الثالث الذي يلبي أعلى معايير السلامة.
وجاءت الزيارة بعدما أنهت اتصالات رفيعة المستوى بين مصر وروسيا تعليق القاهرة المباحثات الخاصة بأعمال محطة الضبعة النووية، بين وزارة الكهرباء المصرية وشركة "روساتوم". وجاء ذلك في أعقاب حالة التوتر التي سيطرت على العلاقات بين الجانبين في أعقاب الموقف الروسي إزاء أزمة سد النهضة الإثيوبي، وانحيازه لموقف أديس أبابا، تحديداً خلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت في الشهر الماضي، وتأكيد موسكو على إنهاء ما سمّته "كافة أشكال التهديد من جانب دولتي المصب (السودان، مصر) تجاه إثيوبيا".
وحول التطورات الأخيرة، تكشف مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، أنه جرت اتصالات على المستويين الدبلوماسي والاستخباري أخيراً، في أعقاب إرجاء مصر زيارة كانت مقررة في منتصف الشهر الماضي لوزير الكهرباء محمد شاكر إلى موسكو على رأس وفد، للوقوف على مستجدات عملية إنتاج المعدات الخاصة بالمحطة النووية. وبحسب المصادر، فقد جرت اتصالات من الجانب الروسي، أكد فيها الروس أن الاتفاقية العسكرية مع الجانب الإثيوبي، والتي تم الكشف عنها في أعقاب جلسة مجلس الأمن، ليست في إطار الدفاع المشترك. وشدّدوا على أنها لا تتعارض مع المصالح المصرية، وليست موجّهة ضد القاهرة، بل تأتي في إطار تدعيم الوجود الروسي في شرق القارة الأفريقية، التي تُعدّ محط أنظار القوى الكبرى لما تملكه من مصادر غنية بالموارد الطبيعية. وكان الروس يردّون على إرجاء مصر زيارة وزير الكهرباء إلى موسكو.
وجاء الإعلان عن الاتفاقية العسكرية مع إثيوبيا ببيان لوزارة الدفاع الإثيوبية، في 12 يوليو/ تموز الماضي، جاء فيه أنه تمّ توقيع "العديد من الاتفاقيات" للتعاون العسكري مع روسيا، في ختام الاجتماع المشترك الـ11 للتعاون التقني العسكري الإثيوبي ـ الروسي. وذكرت وزيرة الدولة الإثيوبية للدفاع مارثا لويجي في حينه، أن "الاتفاقية الحالية ستعزز الصداقة الطويلة الأمد بين إثيوبيا وروسيا، وتمكنهما من العمل معاً بشكل أوثق"، مضيفة أن "الاتفاق بين البلدين محوري لجهود تحديث قدرة الجيش بالمعرفة والمهارات والتكنولوجيا".
عرض الروس دفع إثيوبيا للذهاب إلى طاولة مفاوضات عادلة بشأن سد النهضة
وإضافة لإثيوبيا، فقد أعلنت السلطات السودانية مراجعة اتفاقية خاصة بإقامة مركز للإمداد البحري الروسي على أراضيها، إذ نشر موقع الحكومة الروسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وثيقة اتفاق أولية مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر لتزويد أسطولها بالوقود. ونصّت الوثيقة الأولية على إنشاء "مركز دعم لوجستي" في السودان، يمكن من خلاله تأمين "صيانة وعمليات تزويد بالوقود واستراحة أفراد طواقم" البحرية الروسية. ويمكن أن تستقبل هذه القاعدة 300 عسكري وموظف مدني كحدّ أقصى، وكذلك أربع سفن، بما في ذلك مركبات تعمل بالطاقة النووية. وكان مقرراً إنشاء القاعدة في الضاحية الشمالية لمدينة بورتسودان.
وعلى صعيد أزمة سد النهضة، أكد الجانب الروسي خلال الاتصالات التي جرت أن موسكو لا تدعم طرفاً على حساب آخر، وأن ما يعنيها هو رفض العمل العسكري، لمنع انزلاق تلك المنطقة إلى مستنقع دموي يصعب معه على أي قوى كبرى تأمين مصالحها. ووضع الروس في الحسبان "الدور الذي تؤديه إثيوبيا في الحفاظ على استقرار منطقة القرن الأفريقي".
وتوضح المصادر المصرية أن الجانب الروسي عرض أداء دور داعم للعملية التفاوضية خلال المرحلة المقبلة، و"دفع الجانب الإثيوبي للذهاب إلى طاولة مفاوضات عادلة"، وتُشدّد على أن الجانب المصري على يقين بعدالة موقفه في تلك الأزمة. وبحسب المصادر، فإن الخطوة الروسية بتوقيع اتفاقية عسكرية مع إثيوبيا، جاءت رداً على السودان، وليست موجّهة لمصر، بعد عرقلة الخرطوم الاتفاق البحري مع الروس، وتشير إلى أن الاتصالات الأخيرة بين القاهرة وموسكو تطرقت للوضع في ليبيا، ومصير مرتزقة "فاغنر"، مؤكدة وجود تفاهمات مصرية روسية جديدة بشأن ليبيا، قد تتم ترجمتها على أرض الواقع خلال الفترة المقبلة، وتكشف أن "من نتائج التفاهمات الجديدة بشأن ليبيا إبداء موسكو تراجعها عن الدفع بقوات نظامية رمزية مدعومة بمعدات عسكرية ثقيلة، كان من المقرر وصولها إلى ليبيا خلال الفترة المقبلة".