كشف عضو بارز في البرلمان العراقي، اليوم الاثنين، عن تفاهمات نهائية بين بغداد وأربيل لإبعاد شبح تدخل بري إيراني ضد الجماعات الإيرانية الكردية التي تنشط داخل العراق، وتتهمها طهران بالوقوف وراء إذكاء الاحتجاجات التي تشهدها مدن عدة غربي إيران منذ أسابيع عديدة.
ويأتي ذلك مع زيارة مرتقبة من المقرر أن يجريها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى طهران، غدا الثلاثاء، على رأس وفد وزاري وأمني رفيع، لبحث عدة ملفات، أبرزها القصف الإيراني على البلدات العراقية الحدودية في إقليم كردستان، وذلك وفقا لما أكده مسؤولون عراقيون، من بينهم مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي.
وقال عضو في البرلمان العراقي بالعاصمة بغداد لـ"العربي الجديد"، إن مضامين الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين السوداني ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني يتضمن تشكيل وحدات مشتركة من الجيش وحرس الحدود وقوات البيشمركة، والبدء بعمليات انتشارها على الحدود مع إيران في أقرب وقت ممكن، مع إنشاء العشرات من نقاط المراقبة الحدودية.
وأضاف عضو البرلمان، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن الاتفاق يتضمن أيضاً إيقاف أي دعم كردي حكومي أو حزبي في الإقليم لجماعات الأحزاب الإيرانية المعارضة، وإغلاق مقرات سياسية في السليمانية وأربيل، وإجراء حملات تفتيش لمخيمات اللاجئين الكرد الإيرانيين، والإشراف المباشر على إدارة المخيمات من قبل الأمم المتحدة حصرًا.
وأكد أن السوداني سيعرض مضمون الاتفاق على الإيرانيين خلال زيارته، غدًا الثلاثاء، مشيرًا إلى أن بغداد تأمل من تلك الإجراءات إبعاد شبح التدخل الإيراني في البلدات العراقية الحدودية.
وزار زعيم "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قاآني العاصمة العراقية بغداد في منتصف الشهر الحالي، عقب سلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة المفخخة التي نفذها الحرس الثوري ضد مواقع عراقية مختلفة تحوي جماعات كردية معارضة، أبرزها كويسنجق، شمال أربيل، وعربت، شرقي السليمانية، حيث أسفرت عن قتلى وجرحى، بينهم عراقيون وإيرانيون أكراد.
وسلّم الجنرال الإيراني العراقيين قائمة شروط، من بينها تفكيك تجمعات المعارضة الكردية الإيرانية وسحب سلاحها، ونقلها بعيدا عن الحدود، وأن يتولى الجيش العراقي الاتحادي مسؤولية الحدود مع إيران، وليس البيشمركة فقط.
الاتفاق هو الحل الوحيد لمنع عملية عسكرية
من جانبه، قال غياث سورجي، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب النافذ في محافظة السليمانية العراقية الحدودية مع إيران، إن الاتفاق حول نشر قوات الجيش العراقي على الشريط الحدود مع إيران "هو الحل الوحيد لمنع عملية عسكرية برية تستهدف إقليم كردستان".
وأوضح سورجي، خلال حديث لـ"العربي الجديد"، أن الانتشار العسكري سيكون مشتركاً بين الجيش والبيشمركة، وأضاف "الأمر تم بموافقة من حكومة إقليم كردستان والأحزاب الحاكمة، والتي لها نفوذها داخل قوات البيشمركة".
وتابع قائلا: "أحزاب المعارضة الكردية الإيرانية توجد في الإقليم منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وكانت مدعومة من نظام صدام حسين، ونحن طالبناهم مراراً وتكراراً بالخروج من أراضي الإقليم، لأن وجودهم يشكل خطراً على حياة السكان".
رسائل تهديد إيرانية للحزبين الكرديين في إقليم كردستان
في غضون ذلك، أكد مسؤول سياسي مطلع في مدينة أربيل لـ"العربي الجديد"، تلقي الحزبين الكرديين الرئيسين في الإقليم (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني برئاسة بافل جلال طالباني)، رسالة واحدة من إسماعيل قاآني، تعبر عن الغضب الإيراني الشديد والاتهام بتسهيل عمل الجماعات المعارضة ضد النظام في طهران.
وأضاف المسؤول ذاته أن الرسالة تضمنت تهديداً واضحاً باجتياح بري للحرس الثوري لمناطق حدودية، وتثبيت قواعد عسكرية داخلها، كما هو الحال للجيش التركي داخل الإقليم، الذي يملك نحو 20 نقطة عسكرية داخل بلدات عراقية حدودية.
وأكد أن رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني وافق على خطة نشر قوات الجيش العراقي، كما أبدى الاتحاد الوطني الموافقة التامة، خلال زيارتهما الأخيرة إلى بغداد في اليومين الماضيين.
ولفت المصدر إلى أن موافقة الإقليم جاءت خشية من التهديد الإيراني الصريح، لكنها تضمنت شرطاً وحيداً، وهو أن يتم الانتشار العسكري لقوات حرس الحدود العراقية حصراً، ويتم الانتشار في مناطق الشريط الحدودي فقط، فضلاً عن تشكيل غرفة للتنسيق المشترك مع البيشمركة في المناطق القريبة مع إيران وتركيا، ومنع أي وجود أو تمثيل لـ"الحشد الشعبي" في تلك القوات حاليا أو مستقبلا.
القوى الكردية الإيرانية ترفض نزع سلاحها وإخلاء مقراتها
إلى ذلك، قال أمجد حسين بنهاني، القيادي في حزب "كوملة" الكردي الإيراني المعارض، والذي يتخذ من مدينة السليمانية في إقليم كردستان مقراً له، إن حزبه يرفض الطلب الإيراني لنزع السلاح من مقاتليه، ولن يخلوا مقراتهم إطلاقاً.
وأضاف بنهاني، في حديث مع "العربي الجديد": "رغم الهجمات الإيرانية على مقرات الأحزاب الكردية، لكنها (الأحزاب الكردية) ستواصل نضالها للدفاع عن حقوق الشعب الكردي في إيران"، وفقا لقوله.
من جانبه، يرى الخبير الأمني أحمد الأنصاري، خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن الانتشار العسكري للجيش العراقي على الشريط الحدودي مع إيران ونزع السلاح من الأحزاب الكردية المعارضة هو "الحل الأمثل لمنع عملية عسكرية وشيكة لإيران".
وأشار الأنصاري إلى أن "إيران لا تثق في قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان، وتعتبرها جهة منحازة للأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، بالتالي خطوة نشر الجيش العراقي هي الحل الوحيد لمنع عملية برية للحرس الثوري على شمالي العراق".
وتستهدف الهجمات الإيرانية المتكررة بلدات ومناطق حدودية عراقية في الإقليم، تقول طهران إنها تؤوي مجموعات كردية تصنفها "إرهابية"، ومن أبرز تلك الجماعات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "حدكا"، وهو أقدمها وتأسس عام 1945 في إيران، وحزب "كوملة" الكردي اليساري المعارض لطهران (تأسس عام 1967)، وحزب "الحياة الحرة" (بيجاك)، إضافة إلى منظمة "خبات" القومية الكردية، وتعني باللغة العربية "الكفاح المسلح"، ناهيك عن جماعات أخرى.