وسط حراك سياسي ودبلوماسي دولي في مختلف الاتجاهات، أنهى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج زيارة رسمية للعاصمة التركية، في وقت تستضيف العاصمة الألمانية برلين لقاء وزاريا لبحث الالتزام بقرار مجلس الأمن بشأن حظر توريد السلاح لليبيا، بهدف تسريع الجهود الدولية والأممية لتحقيق وقف إطلاق النار، فيما يتوقع أن تنتهي لقاءات ممثلي مجلسي النواب والدولة في المغرب يوم غد الثلاثاء.
وبحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، فقد ناقش السراج في لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "مستجدات الأوضاع في ليبيا وتعزيز آفاق التعاون المشترك"، والتأكيد على الحل السياسي للأزمة الليبية في إطار مخرجات مؤتمر برلين.
ورغم إشارة المكتب الإعلامي إلى أن اللقاء المشترك، الذي جمع بالإضافة للسراج وأردوغان مسؤولين حكوميين من الجانبين، بحث التعاون الأمني والعسكري، إلا أنه أكد أن التعاون مستمر في مجال بناء القدرات الدفاعية والأمنية الليبية، من خلال برامج التدريب والتأهيل، وفقا لمذكرة التفاهم في هذا الشأن، والموقعة بين البلدين في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وقالت مصادر حكومية من طرابلس إن الزيارة، التي جاءت قبل استقالة السراج بأسابيع، بحسب إعلان سابق للسراج عن عزمه الاستقالة نهاية الشهر الجاري، تهدف إلى تثبيت شرعية وقانونية الاتفاقات الليبية، لكن اللافت في مساعي الحكومتين نجاحهما في تسجيل الاتفاق البحري الخاص بترسيم الحدود البحرية لدى الأمم المتحدة في سجل المعاهدات، وتم منحها رقما رسميا.
وأكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، في تصريحات صحافية، أن تغيير المجلس الرئاسي إلى هيكل جديد لن يؤثر في شرعية الاتفاقات مع حكومة الوفاق، فــ"العلاقات التركية الليبية ليست قائمة على الأشخاص"، في إشارة إلى السراج الراغب في الاستقالة نهاية الشهر الجاري.
لكن المصادر ذاتها أكدت لـ"العربي الجديد" ذهاب الطرفين إلى القبول بمقترحات دولية تطالب بتخفيف في بنود الاتفاق الأمني، الذي يتيح لأنقرة تقديم دعم عسكري مباشر لحكومة الوفاق، والاكتفاء ببنود في الاتفاق الأمني تتعلق بالتدريب وتقديم الاستشارات والخبرات لبناء القدرات الدفاعية الليبية، مشيرة إلى أن هذا الاتجاه يكفل للجانب التركي استمرار اتفاقاته من جانب، ويحقق القدر المطلوب من إزالة عقدة السلاح الذي يهدد بعودة القتال في أي لحظة، ونسف جهود دولية تدفع بالبعثة الأممية في اتجاه بناء توافقات وتفاهمات ليبية لإنجاز تسوية سياسية قريبة.
إبراهيم قالن: تغير المجلس الرئاسي إلى هيكل جديد لن يؤثر في شرعية الاتفاقات مع حكومة الوفاق، فــ"العلاقات التركية الليبية ليست قائمة على الأشخاص"
وفي غضون ذلك، تستضيف برلين، اليوم الاثنين، لقاء وزاريا، بحضور كل الدول التي شاركت في قمة برلين في يناير/ كانون الثاني الماضي، دون حضور تمثيل ليبي، بهدف دعم جهود الأمم المتحدة لتسريع تحقيق وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع في ليبيا، وبحسب سبل التزام أطراف دولية بقرار حظر توريد السلاح لليبيا.
وبحسب تصريح صحافي لمندوب ألمانيا في الأمم المتحدة جونتر سوتر، فإن اللقاء يأمل في "التوصل إلى وقف الانتهاكات المتواصلة والصارخة لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ عام 2011، وكذلك تعزيز دور الأمم المتحدة بوصفها وسيطا محوريا في الحوار السياسي في ليبيا"، في إشارة واضحة إلى أن اللقاء يهدف بالأساس إلى البحث عن سبل لتطبيق فعلي لقرار مجلس الأمن بشأن حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا الذي يستهدف عدة دول داعمة لطرفي القتال في البلاد، ورغم أهمية الجهود الألمانية التي انتجت قمتها مسارات الحل الثلاثة في يناير/ كانون الثاني الماضي، إلا أن الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة يقلل من أهمية نتائج اللقاء.
وقال كشادة، متحدثا لـ"العربي الجديد"، إن التحركات، سواء الإقليمية التي شهدتها أنقره بين السراج وأردوغان، أو في برلين، تأتي على وقع عراقيل تشهدها محادثات المسار الأمني والعسكري بين الليبيين، ما يعني أن أساس تلك التحركات لا يزال هشا، مشيرا إلى أن تدفق السلاح لا يزال مستمرا، خصوصا من الجانب الروسي، لشغل مراكز حيوية وعسكرية مهمة مثلما يحدث في قاعدة الجفرة.
ويدلل كشادة على رأيه بشأن عدم توصل لقاء برلين إلى نتائج مهمة بفشل ألمانيا في إقناع أطراف دولية كالصين وفرنسا وروسيا بنشر تقرير أممي يفصح عن أسماء الدول التي انتهكت قرار حظر الأسلحة عن ليبيا، مشيرا إلى أنها خطوة كشفت مبكرا عن فشل اللقاء الوزاري الحالي في برلين.
لكنه يؤكد أن واشنطن تسعى "في العموم للتقليل من تأثير السلاح في المرحلة الحالية في ليبيا، وهي من تدفع باتجاه موازنة الوجود التركي للحفاظ على مصالحها وعلى شراكتها مع طرابلس من جانب، وتقليل وجودها العسكري الذي لا تزال أطراف إقليمية ودولية تعارضه من جانب آخر".
ويجري السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند لقاء مع رئيس مجلس نواب طبرق في القاهرة، اليوم الاثنين، بحسب مصادر إعلامية ليبية لم تفصح عن مضمون اللقاء. لكن اللقاء سيتم بعد انتهاء زيارة أجراها السفير لباريس التقى خلالها مسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى، ما يراه كشادة استمرار للسعي الأميركي لتفكيك شبكة تحالفات السلاح في ليبيا، خصوصا أن فرنسا دعمت مليشيات حفتر بالسلاح خلال عدة سنوات ماضية.
وتأتي هذه التحركات غداة انتهاء لقاءات ليبية في المغرب، استؤنفت ليل الجمعة الماضي، بحسب مبعوث مجلس نواب طبرق الى دول الاتحاد المغاربي عبد المجيد سيف النصر.
وقال سيف النصر لـ"العربي الجديد" إن التوافق على آليات شاغلي المناصب السيادية سيمهد بشكل كبير لإعادة تشكيل المجلس الرئاسي الجديد وتسمية حكومة منفصلة موحدة، مشيرا إلى أن الجولة الثانية من لقاءات المغرب انتهت إلى توافقات مهمة بشأن توزيع المناصب السيادية على الأقاليم الليبية الثلاثة.
ويشكل غياب الموقف الرسمي من جانب الأمم المتحدة غموضا مستمرا حيال نتائج لقاءات المغرب وغيرها من اللقاءات التي تجري في عدة عواصم، بحسب الأكاديمي الليبي خليفة الحداد.
ولا يقلل الحداد، في حديثه لــ"العربي الجديد"، من أهمية تلك اللقاءات وإمكانية أن تمهد مخرجاتها للقاء الرسمي الذي تعد له الأمم المتحدة خلال الشهر الجاري، لكنه يعتبر غموض تحركات البعثة الأممية وعدم الإعلان عن موعد اللقاء الرسمي والممثلين الليبيين حتى الآن قد يواجه برفض من بعض الأطراف في شكل مماطلات اعتادت الأطراف على ممارستها في السابق.
ورغم ذلك يرى الحداد أن الحراك الأساسي الحالي باتجاه الوصول إلى اللقاء الرسمي الليبي برعاية الأمم المتحدة يتمثل في محاولات تثبيت وقف إطلاق النار وإبعاد خطر السلاح، مشيرا إلى أن لقاءات الغردقة قبل أيام، ولقاء أنقرة الذي يتجه للاستجابة لمطالب دولية من ناحية، ويسعى لتثبيت شرعية الاتفاقات بين طرابلس وأنقرة من ناحية أخرى، تزامنا مع لقاء برلين، كلها لقاءات تشير إلى أن السلاح بات العقدة التي يمكن أن تعرقل أي حل ليبي.