سلّمت وزارة الخارجية الإيرانية، اليوم الإثنين، تقريرها الـ22 حول تنفيذ الاتفاق النووي للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران. والتقرير الذي يحمل توقيع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، يتكون من 213 صفحة.
ويتناول التقرير، الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، تطورات الاتفاق النووي منذ التوقيع عليه ونتائج ذلك، مروراً بالانسحاب الأميركي منه والعقوبات التي أعيد فرضها على إيران والخطوات النووية الإيرانية رداً عليه، ووصولاً إلى مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا، وما تم الاتفاق عليه حتى الآن في هذه المفاوضات.
ويكشف التقرير عن تفاصيل التفاهمات الحاصلة في مفاوضات فيينا الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي عبر عودة الولايات المتحدة وإيران لتنفيذ التزاماتهما، لكن يتضح من التقرير أن الوصول إلى اتفاق نهائي خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الإيراني حسن روحاني، التي تنتهي يوم 3 أغسطس/آب المقبل، لم يعد واردا.
وورد في مقدمة التقرير أن "المفاوضات في آخر أسابيع العمل للحكومة الـ12 وصلت إلى إطار لاتفاق محتمل لرفع العقوبات غير القانونية للولايات المتحدة، ونأمل إكمال ما تم تحقيقه حتى الآن، والذي ينص عليه البند الـ13 في بداية عمر الحكومة الـ13 (الجديدة) بعون الله وتوجيهات المرشد الإيراني الأعلى وإدارة الرئيس المنتخب ودعم مجلس الشورى الإسلامي لينال الشعب الإيراني العظيم كامل حقوقه".
ويشير التقرير إلى تصاعد التوقعات بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي بعد فوز الرئيس جو بايدن بالانتخابات الرئاسية، متهماً إسرائيل بعرقلة ذلك، ووصف عملية اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي "فقط بعد ثلاثة أسابيع من انتخاب بايدن، بأنه أول تجسيد عملياتي للتوجه الإسرائيلي الشامل لتدمير أو أقله تعقيد إمكانية عودة بايدن للاتفاق النووي".
وأشار التقرير إلى "سلسلة العمليات الإرهابية الموجهة من قبل إسرائيل، وخاصة ضد مجمع نطنز لتخصيب اليورانيوم يوم 10 إبريل/نيسان 2021، بُعيد إطلاق مفاوضات فيينا"، مؤكدا أن هذه الإجراءات المتزامنة مع استمرار المفاوضات "نجحت نسبيا في منع بايدن من عودة سريعة للاتفاق النووي".
إلى ذلك، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية في تقريرها أن "ردود الفعل الداخلية على استشهاد الدكتور فخري زادة وتفجير نطنز، منها وقف تنفيذ البروتوكول الإضافي (الذي يحكم الرقابة الدولية على البرنامج النووي)، وبدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمائة، عقّدت عودة أميركا للاتفاق النووي".
وأضافت أن "المحاولات الثنائية لإيران وأميركا لصناعة أدوات ضغط تمثل أحد عوامل تعقيد عودة بايدن للتعهدات بالاتفاق النووي وإطالة أمدها".
كما اتهمت الخارجية الإيرانية الشركاء الأوروبيين في الاتفاق النووي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، بأنهم "بعدما اتضح قرار أميركا العودة المتبادلة للاتفاق النووي، تناسوا أولوية حل المشاكل على مدى أربع سنوات مع أميركا التي كان يحكمها (الرئيس دونالد) ترامب وسلوكها تجاه الاتفاق النووي، وحاولوا تشكيل جبهة متحدة مع أميركا لتغيير الواقع السياسي وممارسة الضغط على إيران عبر الضغوط الدولية الناتجة عن خفض شديد للتعهدات وخاصة في مجال الشفافية (النووية)".
وعلى ضوء تقديم هذه القراءة، أشارت الخارجية الإيرانية إلى أن الحكومة الإيرانية "دخلت مفاوضات صعبة ومرهقة مع الدول الأعضاء باللجنة المشتركة للاتفاق النووي المعروفة بمجموعة 1+4 وعبرها مع أميركا بطريقة غير مباشرة"، مؤكدة أن أساسها في هذه المفاوضات التي انعقدت 6 جولات منها حتى الآن "مبني على السياسة القطعية التي حددها المرشد الإيراني الأعلى خلال مارس/آذار 2021 والمتمثلة في رفع الأميركيين جميع العقوبات وبعد ذلك نحن نقوم بالتحقق من ذلك وثم نعود إلى الاتفاق النووي".
نتائج المفاوضات
وأكدت وزارة الخارجية أن "نتيجة المفاوضات ستكون إصدار قرار للجنة المشتركة له ثلاثة ملاحق، الأول، عن رفع العقوبات (الالتزامات الأميركية)، والثاني، عن الخطوات النووية (التعهدات الإيرانية)، والملحق الثالث حول طريقة التنفيذ والتحقق منه"، مشيرة إلى أن "هذا القرار سيكون من دون مشاركة أميركا، وبعد تنفيذها تعهداتها المتمثلة في رفع العقوبات ستعود أميركا إلى الاتفاق النووي كعضو فيه بقرار من اللجنة المشتركة".
لكن التقرير الذي أرسلته الخارجية الإيرانية للبرلمان لم يتطرق لا من بعيد ولا من قريب للعوامل التي حالت دون إنجاز الاتفاق النهائي في مفاوضات فيينا، على الرغم من التوصل إلى التفاهمات التي يشير إليها بشأن الخطوات التي اتفق الجانبان الإيراني والأميركي على اتخاذها.
وهنا، كشفت مصادر إيرانية مطلعة، الأسبوع الماضي، لـ"العربي الجديد"، أن مطالبة أميركية جديدة بضرورة موافقة طهران على الخوض في مفاوضات بشأن سياساتها الإقليمية وبرنامجها الصاروخي في الاتفاق الذي سيبرم في فيينا، أوصلت تلك المفاوضات إلى "طريق مسدود"، وسط محاولات حثيثة تبذلها بقية أطراف الاتفاق النووي لإنقاذ الموقف، فضلاً عن أن التطورات السياسية في إيران بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي فاز فيها المرشح الرئاسي المحافظ إبراهيم رئيسي أيضا من العوامل التي أخرت انطلاق الجولة السابعة للمفاوضات، حسب ما أكدته تلك المصادر لـ"العربي الجديد".
وأوضحت المصادر أن إيران طالبت بالتريث ومنحها الوقت، وهو ما أكده أيضاً، مساء السبت، المبعوث الروسي للمفاوضات ميخائيل أوليانوف، إذ أشار، في مقابلة صحافية، إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة بوصفها عاملاً يؤخر استئناف المفاوضات، إذ قال: "انتخب أخيراً رئيس جديد في إيران، والفريق الجديد في طور التشكيل وهم بحاجة إلى فرصة لاتخاذ قرار حول مواقفهم".
العقوبات التي سترفع
أما عن العقوبات التي تم الاتفاق على رفعها إذا ما حصل اتفاق نهائي في مفاوضات فيينا، فإنها تشمل، حسب تقرير الخارجية الإيرانية، "جميع العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق النووي (بعد التوقيع عليه عام 2015)، فضلاً عن جميع العقوبات التي فرضها ترامب بينما لم يكن بمقدور أميركا وضعها في حال استمرار عضويتها بالاتفاق النووي".
واللافت هنا أن الولايات المتحدة وافقت على رفع العقوبات عن مؤسسة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي والمجموعات التابعة لها وإخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية.
وأوضحت الخارجية الإيرانية في تقريرها أنه "على هذا الأساس يصرّح الطرف الآخر بأنه كنتيجة للعودة للاتفاق النووي سيرفع جميع العقوبات المنصوص على رفعها بالاتفاق النووي، والتي تشمل العقوبات الاقتصادية وضد الكيانات والأشخاص وجميع العقوبات التي تمنع انتفاع إيران من نتائج إلغاء العقوبات الواردة في الاتفاق النووي".
وأشارت إلى أن "رفع هذه العقوبات سيكون بطريقة لن يواجه فيها المواطنون غير الأميركيين إجراءات حظر أميركية للعمل والنشاط في المجالات التالية".
والمجالات التي تتحدث الخارجية الإيرانية عن أنه سترفع العقوبات عنها إذا حصل الاتفاق النهائي في مفاوضات فيينا، تشمل رفع العقوبات عن القطاعات المالية والمصرفية، والنفط والغاز والبتروكيميائيات، وصناعة السفن والموانئ، وصناعة السيارات، والمعادن والتعدين وقطاعات البناء والإنتاج والمنسوجات، والطائرات وتصدير السجاد والمواد الغذائية.
وينص تقرير الخارجية الإيرانية أيضا على أنه في حال حصول الاتفاق النهائي في فيينا، ستوقف الولايات المتحدة تنفيذ القوانين التالية للكونغرس الأميركي:
ـ قانون إقرار الدفاع لعام 2012
ـ قانون خفض تهديد إيران وحقوق الإنسان بسورية عام 2012
ـ قانون حرية إيران ومكافحة الإشاعة 2012
ـ قانون العقوبات ضد إيران
كما أورد تقرير الخارجية الإيرانية حول قوانين إلغاء التأشيرات وقانون مكافحة "أعداء الولايات المتحدة" عبر قانون "كاتسا" (CATSA) أن "الولايات المتحدة ملتزمة بعدم نقض أي من بنود التنفيذ الكامل للاتفاق النووي .... وفي حال حدث عكس ذلك، فسيعتبر انتهاكا للتعهدات الأميركية بالاتفاق النووي، والجمهورية الإسلامية يمكنها، وفقا للبندين 26 و36 من الاتفاق، أن ترد على ذلك، تنفيذا لحقوقها".
كما أكدت الخارجية الإيرانية أن "أميركا ستلغي الأحكام التنفيذية التالية في حال الحصول على الاتفاق الكامل"، وهي مراسيم رئاسية صدرت قبل التوقيع على الاتفاق النووي، تشمل:
ـ الحكم التنفيذي 13754
ـ الحكم التنفيذي 13590
ـ الحكم التنفيذي 13622
ـ الحكم التنفيذي 13645
ـ الحكم التنفيذي 13628
وإلغاء الأحكام التنفيذية التالية التي أصدرها ترامب:
ـ جزء من الحكم التنفيذي 13846
ـ الحكم التنفيذي 13781 (عقوبات على صناعات التعدين الإيرانية)
ـ الحكم التنفيذي 13902 (العقوبات على الصناعات المعدنية والعمرانية والنسيجية والإنتاجية)
ـ الحكم التنفيذي 13876 (العقوبات ضد مكتب المرشد الإيراني الأعلى والمجموعات التابعة له)
كذلك، أكدت الخارجية الإيرانية أنه "سيلغى قرار اعتبار حرس الثورة الإسلامية كمنظمة إرهابية خارجية"، كاشفة أيضاً عن أنه "سيخرج أكثر من ألف كيان وشخص (أفراد ومؤسسات وسفن وشركات طيران) من قائمة العقوبات.
وهنا بينت الخارجية الإيرانية أن "الولايات المتحدة في الوقت نفسه ترفض رفع جزء من العقوبات التي تشمل العقوبات الأولية التي تمنع الأفراد والمؤسسات الأميركية من المبادلات الاقتصادية مع إيران والمفروضة منذ السنوات الأولى للثورة الإسلامية (عام 1979)، وتراكمت بالتدرج، فضلاً عن رفضها إلغاء عقوبات فرضت على أفراد وكيانات إيرانية بذرائع غير نووية، مثل ما يسمى بمكافحة الإرهاب والبرنامج الصاروخي وحقوق الإنسان وغيرها"، وشددت على أن "الجمهورية الإسلامية لم ولن تجري مفاوضات حول هذه القضايا.
الالتزامات النووية الإيرانية
أما في ما يتعلق بما تم الاتفاق عليه حول الإجراءات النووية الإيرانية، فيؤكد تقرير الخارجية الإيرانية الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، أنه "بحال الوصول إلى اتفاق في فيينا ونفذت أميركا الإجراءات التي ذكرت سابقا ورفعت العقوبات، فإن الجمهورية الإسلامية أيضا، كما تنص عليه سياساتها القطعية بعد تحققها من رفع العقوبات، ستعود إلى تنفيذ تعهداتها المنصوص عليها بالاتفاق النووي".
وأهم القيود التي وافقت عليها إيران في الاتفاق النووي وسيتم فرضها مجدداً في حال الحصول على اتفاق نهائي في فيينا، حسب تقرير الخارجية الإيرانية، هي كالتالي:
ـ تنفيذ طوعي للبروتوكل الإضافي والرقابة على تنفيذ الالتزامات النووية.
ـ 3.67 بالمائة سقف تخصيب اليورانيوم.
ـ عدم الاستفادة من أكثر من 6104 أجهزة للطرد المركزي من الجيل الأول IR1
ـ الاحتفاظ بالحد الأقصى 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب ومقايضة ما يزيد عن ذلك بالكعكة الصفراء.
ـ تحويل مفاعل أراك للماء الثقيل إلى مفاعل محدث من دون مخاطر الإشعاع مع الحفاظ على طبيعة المفاعل لإنتاج الماء الثقيل.
كما أوضحت الخارجية الإيرانية أنه "في ظل اتفاق محتمل في فيينا ستتم إعادة العمل بالنقاط التالية بشكل مؤقت ولمدة أقصاها أربع سنوات"، وهي تعهدات ينص عليها بالأساس الاتفاق النووي المبرم عام 2015:
ـ تخصيب اليورانيوم بـ5060 جهازا للطرد المركزي من نوع IR1
ـ تجهيز ست مجموعات على شكل شلالات مكونة من 1044 جهازا للطرد المركزي IR1 في منشأة فوردو.
ـ الحفاظ على أكثر من ألف جهاز للطرد المركزي من نوع IR2 في المخزن.
ـ الحفاظ على مئات من أجهزة الطرد المركزي من نوعي IR4 وIR6 في المخزن.
ـ الاستمرار في إنتاج أجهزة الطرد المركزي وقطعها على أساس برنامج منظمة الطاقة الذرية الإيرانية.
ـ الاستمرار في بناء مركز جديد لتجميع أجهزة الطرد المركزي.
ـ استمرار البحث والتطوير على جميع أجهزة الطرد المركزي الأساسية والمتطورة الإيرانية، مثل IR5, IR4, m-IR2 ،IR6 ,s-IR6 ,IR7 ,IR8
ـ استمرار بناء مفاعل أراك المحدث للماء الثقيل بتعاون مع الصين.
ـ قانون إقرار الدفاع الوطني لعام 2012
بموجب قانون إقرار الدفاع الوطني لعام 2012 (NDAA)، أصدر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، يوم 5 فبراير/شباط من العام نفسه، حكما تنفيذيا بتوقيف جميع الممتلكات والأرصدة الإيرانية في الولايات المتحدة وحظر أي عملية مالية وتصدير، كما فرض بموجبه عقوبات جديدة على إيران لمصادرة أموال الإيرانيين المندرجة أسماؤهم على قائمة العقوبات، فضلا عن حظر استخدام الإيرانيين النظام البنكي الأميركي.
شكاوى ظريف
وفی الجزء الأخير للتقرير بعنوان "وآخر دعوانا"، ينتقد وزير الخارجية الإيراني الخلافات الداخلية بشأن الاتفاق النووي، قائلاً "لو كنا نسعى إلى تحقيق منافع قصوى من الاتفاق النووي، بدلاً من الجدال عما إذا كان الاتفاق كان بمثابة انتصار حتمي أو فشل كامل ـ ولم يكن أي منهما محتماً ـ لربما كانت الظروف اليوم مختلفة".
وينتقد ظريف عدم التوازن في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الشرق والغرب، إذ يقول "لو كنا توصلنا إلى إجماع وطني حول ضرورة العمل المتوازن مع الشرق والغرب، فإننا من جهة لم نكن لنزعج أصدقاءنا في أيام المحن والصعوبات من أنفسنا بسراب تدفع الشركات الغربية، ومن جهة ثانية، كنا سنوظف جميع إمكانيات وقدرات الاتفاق النووي لإيجاد منافع اقتصادية أساسية مع جميع اللاعبين ـ مع شمول الفروع الخارجية للشركات الأميركية ـ وكانت النتيجة ستؤدي إلى عدم إحباط أصدقائنا، الذين لن يتركونا خلال فترة المحنة".
وختم ظريف التقرير بالقول: "الآن، أفضل فرصة لخلق التلاحم والتعاضد تكمن في النجاح في مفاوضات فيينا الأخيرة والفشل النهائي لسياسة الضغوط القصوى من خلال عودة أميركا إلى تعهداتها بالاتفاق النووي، إذ إن من شأن ذلك أن يؤسس لفضاء جديد لسياسة البلاد ويشكل فرصة للتوظيف الأقصى لجميع قدرات الاتفاق النووي مع تأصيل العلاقات مع جميع الشركاء وإيجاد توازن في العلاقات الاقتصادية الخارجية ـ مع الاتكال على الاقتصاد المقاوم المعتمد على الفرص الداخلية والخارجية ـ لتحقيق نمو وازدهار منقطع النظير للبلاد والأجيال القادمة".
وأوضح أن "برنامج التعاون مع الصين لـ25 عاماً والعلاقات الاستراتيجية مع روسيا وسياسة الجوار ومنح الأولوية للجيران (في العلاقات) والاستفادة القصوى من تعهدات الدول الغربية بالاتفاق النووي تشكل أرضية مناسبة لتحقيق هذا المستقبل".