يصل الفريق الأميركي برئاسة السفير جون ديروشير، الذي يتوسّط المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية جنوباً بين لبنان والعدو الإسرائيلي، في الساعات القليلة المقبلة إلى لبنان، قبيل موعد استئناف المحادثات يوم غد الثلاثاء في مقرّ الأمم المتحدة في الناقورة (جنوبي لبنان).
ويقول مصدر دبلوماسي أميركي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الولايات المتحدة بذلت جهداً كبيراً للتوصل مع الوفدَيْن اللبناني والإسرائيلي إلى الاتفاق على إقامة جولة خامسة في الرابع من مايو/أيار الجاري، بعد انقطاعٍ تخطى ستّة أشهرٍ، وهي تنظر بإيجابية تامة إلى استئناف المحادثات، وتكرّر مسعاها للعب أي دورٍ من شأنه أن يسهّل المفاوضات بين الطرفَين، وهو ما أكده وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل في جولته، الشهر الماضي، على القادة السياسيين والعسكريين في لبنان.
وعُلّقت المفاوضات منذ 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع إرجاء الجولة الخامسة التي كانت محدّدة في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي عادت واستُبدِلت بلقاءٍ ثنائي بين لبنان والوسيط الأميركي من جهة، وآخر مماثل بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي.
في سياق متصل، ترأس الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم الاثنين، في قصر بعبدا، مقرّ رئاسة الجمهورية، اجتماعاً بحضور قائد الجيش العماد جوزيف عون لأعضاء الفريق اللبناني إلى المفاوضات غير المباشرة والتقنية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، برئاسة العميد الركن الطيّار بسام ياسين، وكان عرض للتطورات التي حصلت منذ توقف المحادثات في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والمستجدات حول الاتصالات التي أجريت لاستئنافها.
وزوّد الرئيس عون أعضاء الوفد المفاوض بتوجيهاته، مشدداً على أهمية تصحيح الحدود البحرية وفقاً للقوانين والأنظمة الدولية، وعلى حق لبنان في استثمار ثرواته الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، علماً أنّ الرئيس اللبناني لم يوقع حتى الساعة تعديل المرسوم 6433 – تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، مقابل استمرار اعتكاف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء للتوقيع، رغم الدعوة التي وجهها إليه الرئيس عون والتي ربط انعقادها بتوقيعه.
ومن شأن التعديل أن يصحِّحَ حدود لبنان البحرية، بحيث ينتهي الخط الجنوبي عند نقطة 29، التي ستتحول إلى نقطة التفاوض بدلاً من النقطة 23 قبل التعديل، ما يضيف 1430 كيلومتراً مربعاً على المساحة السابقة 860 كيلومتراً مربعاً التي كان فرضها الخط 23.
كذلك، من شأن تعديل المرسوم، إن أصبح نافذاً وسلك طريقه مع الإحداثيات إلى الأمم المتحدة، أن يعطي لبنان الحق بالتفاوض أيضاً على نسبة من حقوقه في حقل كاريش الذي يستثمره العدو الإسرائيلي، وهو ما يخوّل الدبلوماسية اللبنانية الطلب من اليونان منع شركة "إنرجيان" اليونانية من الحفر في الحقل المذكور، الذي سيصبح عندها منطقة متنازعاً عليها، وهو ما يقوّي بالتالي موقع وموقف لبنان عند التعديل.
ولفت الرئيس عون في اجتماع اليوم إلى أنّ "تجاوب لبنان مع استئناف المفاوضات غير المباشرة يعكس رغبته في أن تسفرَ عن نتائج إيجابية، من شأنها الاستمرار في حفظ الاستقرار والأمان في المنطقة الجنوبية".
ورُبِط رفض الرئيس اللبناني توقيع تعديل المرسوم، ولا سيما قبيل ساعات على الزيارة التي قام بها هيل إلى لبنان، بطبخة تسوية جديدة تصبّ في صالح صهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وتفك عنه حاجز العقوبات الأميركية، وهو ما نفاه باسيل في أكثر من تصريح ومؤتمر صحافي.
ويُتَّهم باسيل أيضاً بالتدخل في مفاوضات الترسيم وتعقيدها وطرح اقتراحات لا تصبّ في صلاحياته، باعتبار أن لا دور له في الملف الذي يقحم نفسه به.
وقد حيّا باسيل في 24 إبريل/نيسان الماضي، خلال مؤتمر صحافي، عدم توقيع الرئيس اللبناني المرسوم، معتبراً أنه نجا من "فخّ وعمل مدسوس ومشبوه" كانا يحضَّران له، مشدداً على أنّ العملية لا تتم بكتاب يوجهه رئيس الجمهورية إلى الأمم المتحدة، بل هناك أصول دستورية بإصداره أولاً من جانب الحكومة، علماً أن خبراء قانونيين أكدوا صحّة خطوة الرئيس عون من الناحية الدستورية القانونية، لكنهم أشاروا في المقابل إلى أن الرئيس نفسه سبق أن وقع على أكثر من مرسومٍ ولم ينتظر اجتماع الحكومة أو اتخاذ موافقة مجلس الوزراء مجتمعاً.
واقترح باسيل أيضاً أن يشكل لبنان سريعاً وفداً مفاوضاً برئاسة ممثل عن الرئيس عون، وعضوية ممثلين عن رئيس الحكومة ووزراء الخارجية والأشغال والطاقة والجيش اللبناني، لاستكمال التفاوض مع إسرائيل ولمراجعة التفاوض مع قبرص وبدء التفاوض مع سورية، وفق معيار واحد وطريقة واحدة بترسيم الحدود، في طرحٍ وضع في إطار إقصاء الوفد اللبناني الحالي الذي يجري المفاوضات مع العدو.